لم تُقدِمْ إسرائيل على شّنْ الهجوم و ارتكاب المجاز والسيطرة على معبر رفح مالم تُعلِمْ الادارة الأمريكية ، وربما بموافقتها . ما تناقلته وسائل الإعلام عن ايقاف تصدير سلاح لإسرائيل لعدم رضا الرئيس بايدن عن سلوك نتنياهو المعرقل للهدنة ، واستياء الأخير وتصريحه بأنَّ إسرائيل ستقاتل وحدها، ما هي الاّ عروض كاذبة للتضليل .
امريكا التي دعمت و زودت إسرائيل بالقنابل الذكية ولمدة سبعة اشهر ، وسبّبت مجازر للأطفال والنساء ،لن يغفر لها التاريخ و لا الشعب الأمريكي وشعوب العالم ، لانها أوقفت تصدير شحنة سلاح لإسرائيل !
حصلَ هجوم اسرائيل على رفح وسيطرتها على المعبر وعلى الشريط الحدودي مع جمهورية مصر العربية ( محور صلاح الدين ،اي فيلادلفي ) مباشرةً بعد إعلان حماس موافقتها على مشروع هدنة ،عملت على صياغته جمهورية مصر العربية وبالتعاون مع قطر و امريكا ،الأمر الذي يدّلُ على إصرار إسرائيل على مسار حرب الابادة، ويدّلُ ايضاً على مراوغة وكذب اسرائيل في المفاوضات .
لم ولن تكترثْ اسرائيل بالتداعيات السياسية والأمنيّة الخطيرة على المنطقة والعالم جرّاء التمادي في سلوك عدواني، ليس فقط تجاه غزّة ،و انما تجاه مصر ،بموجب ماترتّب على اسرائيل من التزامات بخصوص معبر رفح ومحور صلاح الدين .
تدركُ إسرائيل وكذلك امريكا وبعض دول الغرب الداعمة، وخاصة المانيا ، بأنَّ ما تقوم به إسرائيل وما تنوي القيام به في المنطقة ، وليس فقط في غزّة ( تجاه القضية الفلسطينية،و مصر ولبنان وربما ايران ) ستكون له تداعيات سياسية ،كما تدركُ الدول العربية ذلك ، وخاصة جمهورية مصر العربية ،وهي المعني اكثر للإستفزازات الاسرائيلية على حدودها ،والتي تتعارض مع اتفاقيات السلام الموقعّة ، ولكونها تقوم بدور الوساطة من اجل الاتفاق على هدنة تقود إلى انهاء حرب الابادة .
هل تعمّدت إسرائيل و استعجلت السيطرة على معبر رفح وشّن الهجوم على رفح قبيل اجتماع القمة كي تضع الجميع ،وبضمنهم الدول العربية ،والوسطاء العرب ( مصر وقطر ) امام الأمر الواقع ؟
إسرائيل لم تعلن موافقتها على مشروع الهدنة ،الذي وافقت عليه حركة حماس ، وسارعت للسيطرة على المعبر كي تخلق ،على ما يبدو ، شروطا تفاوضيّة جديدة لصالحها تختلف عن تلك التي كانت قبل معبر رفح .
إسرائيل وبالتصعيد العسكري والسياسي ،الذي تمارسه ، على اعدائها وعلى الدول التي تربطها واياهم اتفاقيات سلام ، تتحدى وتوهِم الآخرين بانها ما زالت تلك إسرائيل قبل السابع من اكتوبر لعام ٢٠٢٣ ، وتعرض لا مُبالاتها تجاه تجمّع عربي يُعقد في غضون ايام !
ما تفعله إسرائيل يدّلُ ،عملياً، على انَّ ما تريدهُ ابعد بكثير من معالجة تداعيات طوفان الأقصى وإعادة أسراها و السيطرة كلياً على القطاع ،والتخلّص من قيادات و مقاتلي حماس . ما تريدهُ هو تصفيّة القضية الفلسطينية كمرحلة اولى ،تليها مراحل تتناول أمن وقدرات مصر والأردن وسورية ولبنان ،اي الدول التي تشكل الحزام الاول لفلسطين المحتلة .
ستنعقد القمّة العربية واسرائيل في اسوأ حال ،فهي في نظر القضاء الدولي ” كيان مجرم ” ،حتى و ان تاخرّت محكمة الجنايات الدولية في إصدار قرارها ، وهي كذلك في نظر الشعب الأمريكي و شعوب العالم ، و اصبحت منبوذة دولياً وشعبياً ، وتعاني في الداخل من انقسامات واحتجاجات اجتماعية و سياسيّة وفكريّة . هذه المُعطيات والوقائع ،التي تكشف ضعف وهوان اسرائيل ،تستحق الأخذ بنظر الاعتبار من قبل القادة العرب ،من اجل بلورة موقف موحد حاسم تجاه اسرائيل ؛ موقف يعبّرُ عن وحدتهم و تضامنهم من اجل امنهم القومي ،والذي أصبحَ في خطر ،اكثر من اي وقت مضى ،ومن اجل حّلٍ شامل للقضيَة الفلسطينية . موقف يتماشى مع ما تتطلّع اليه الشعوب العربية وشعوب العالم ، والتي لم تصمتْ على جرائم اسرائيل . موقف يَرّدُ على تحدّي إسرائيل وغطرستها واستهانتها بمحيطها العربي ،حيث ضاعفت ووسّعت اعتداءاتها ، وهي تعلم بانعقاد قمّة عربية ،قادرة على اتخاذ قرارات رادعة لجرائمها واعتداءاتها غير المحدودة .
تنعقد القمة و يسود العلاقات العربية -العربية وكذلك العربية -الاقليمية ،اجواء التفاهم والتعاون ، سياسياً واقتصاديا ، والاستثناء الوحيد في المنطقة هو الكيان المُحتل ،حيث مصدر الاعتداءات والانتهاكات ، وبؤرة التوتر وعدم الاستقرار ،ذلك بالرغم من مبادرات العرب نحو الاعتراف بالكيان و توقيع معاهدات سلام .
اجواء التفاهم و التعاون العربي -العربي والاقليمي ، والأخطار التي يمثلها الكيان المحتل تدعو القمة إلى تبني عمل مشترك لتفعيل الحفاظ على الامن القومي العربي .
خطر اسرائيل في المنطقة وعلى المنطقة لا يستثني أحدا ، وهمّها التوسع والهيمنة وديدنها السعي لاضعاف محيطها وخلق الفتن والاضطرابات .
د. جواد الهنداوي – سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل /في ٢٠٢٤/٥/١٠م.