اختتمَ القادة العرب أعمال قمتهم الثالثه و الثلاثين ،يوم امس ، ٢٠٢٤/٥/١٦ ، في المنامة .
القمّة ،لو تمعّنا و بعمق ، هي ليست كباقي القمّم ،ولاسباب ،لاتقتصر فقط بأنعقادها وحرب الإبادة في غزّة ، فهي قمّة جمعت دولاً مطبّعة مع اسرائيل ، و أخرى تُجّرم التطبيع ، وبعضها يشترط دولة فلسطينية قبل التطبيع ،ولكن الجميع اتفقوا على ادانة اسرائبل واستنكار جرائهما و وصفها بالإبادة ،و اتخذوا قرارات دون امتناع او تحفظ من هذه او من تلك الدولة .
لن أتناول مواضيع و ومقرّرات القمّة ، أُشبِعتْ دراسة و تحليل و انتقاد وتهويل .سأتناول ،كما يُشير عنوان المقال ، موقف تبناه العرب و ترجموه ضمن مقرراتهم ،
والذي بيّن مراوغة وكذب أمريكا تجاه حرب الإبادة في غزّة . ولكن قبل تبيان الموقف وفضح المراوغة والكذب ، أدوّن بعض الملاحظات عن نتائج القمّة مع مقاربتها بالمعطيات التالية :
-بما كانَ تنتظره الشعوب العربية ؛
- بالتحّول الاستراتيجي في الصراع العربي الاسرائيلي ؛
-بالتحّول الاستراتيجي في الرأي العام الدولي والشعبي تجاه القضيّة الفلسطينيّة .
المنطق و العقل ،و ليس الحكم المتسرّع والعاطفة ،تُملي علينا ان نقيّم نتائج القمة مع المُعطيات المذكورة ، علماً بأنَّ هذه المعطيات هي حقائق و وقائع ،لا يمكن ابداً دحضها او نكرانها .
أولاً ،نتائج القمّة وما كان تنتظره الشعوب العربية .
بالتأكيد لم تأتْ القمة بما كان يتمناه الشعب العربي ، الذي يقارن بين نتائج القمّة و هول المجازر والتجويع المتعمد والجرائم البشعة التي يرتكبها جيش الاحتلال يومياً . لم يدرك الشعب العربي بعد بأنَّ مواقف الدول العربية هي موّحدّة تجاه القضية الفلسطينية وتجاه سياسة اسرائيل الرافضة لحقوق الشعب الفلسطيني ، ومتباينة تجاه وجود اسرائيل ! ماذا يعني هذا ؟
يعني ان جميع الدول العربية تعلنُ ، بالسياسة وليس بالسلاح ، وتطالب بأقامة دولة فلسطينية ،و تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني ، وتعتبر بأنَّ منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني و تدين سياسة الاحتلال و رفض اسرائيل حقوق الشعب الفلسطيني ، وهذا الموقف العربي ثابت و راسخ منذ عقود ، ولكن مواقف الدول العربية أصبحت اكثر وضوحاً و صراحة تجاه وجود اسرائيل في المنطقة ، وكما هو معروف أيضاً ، ولا حاجة للتفصيل . أصبحَ مواقف الدول العربية تجاه اسرائيل ، وجوداً ، متباين وفقاً للمصالح السياسيّة و الاقتصاديّة و الأمنيّة لكل دولة . وهذا الأمر اصبحَ حقيقة و واقع ،و لم يعدْ سبب خصام وقطيعة بين الدول العربية ، وعندما نتكلم عن وجود اسرائيل ،يعني ،بعبارة أخرى ، ” وجود امريكا “، حيث أمن اسرائيل هو جزء من الأمن القومي الأمريكي ، وهذا يعني الاعتداء على اسرائيل هو اعتداء على الأمن القومي الأمريكي . وقد قالها المرحوم انور السادات في رسالته يوم 20 اكتوبر عام 1973 , مبرّراً قبوله وقف إطلاق النار بين مصر و اسرائيل ” أنني ببساطة لا أستطيع ان احارب امريكا او ان أتحمل المسؤولية التاريخية لتدمير قواتنا المسلحة …” وحسب ماورد في كتاب المرحوم محمد حسنين هيكل ، اكتوبر 1973-السلاح والسياسة . نحن على بُعد مسافة زمنية بنصف قرن عن تصريح المرحوم انور السادات ،آه لو كان على قيد الحياة ليشهد ما يحدثُ اليوم ، حيث تغيّرت الموازين السياسيّة و العسكرية في المنطقة وفي العالم ، واصبحت مقاومة فلسطينيّة مُسلّحة في غزّة قادرة على الصمود و محاربة اسرائيل و امريكا ومنذ اكثر من سبعة شهور ، و اصبح الأمريكيون و الاسرائيليون يصرّحون بضرورة استخدام السلاح النووي للانتصار على غزّة ، وهذا يعني تحّول استراتيجي في الصراع العربي الاسرائيلي او في الصراعات في المنطقة .
ثانياً ، نتائج القمّة والتحول الاستراتيجي في الصراع العربي الاسرائيلي .
تغّيرت طبيعة الصراع او الصراعات في المنطقة ؛ صراع سياسي وليس عسكري بين الدول العربية و اسرائيل وموضوعه ليس وجود اسرائيل ،و إنما وجود لفلسطين ، وصراع عسكري بين حركات المقاومة الفلسطينية و الإسلامية والحركات و القوى الساندة لها و اسرائيل ، وصراع ثالث سياسي و عسكري بين إيران من جهة وأمريكا و اسرائيل من جهة أخرى ، وموضوعه ليس فقط فلسطين ،و إنما مصالح و نفوذ الاطراف المتصارعة .
تواجه اسرائيل اليوم مُتغيّر جديد ،لم تألفهُ ولم تتوقعه، إلا وهو الموقف الدولي الرسمي و المحكمة الجنائية الدولية ،و الرأي العام لشعوب العالم ،الذي انتفض وبقوة لصالح دولة فلسطين .
ثالثاً، التحوّل الاستراتيجي في الموقف العام الدولي والرأي العام الشعبي تجاه القضية الفلسطينية.
نستطيع القول بأننا ،اليوم ،وبفضل هذا التحوّل الاستراتيجي في رأي الشعوب و مواقفها المناهضة لاسرائيل والداعمة لفلسطين ، انتقلنا من مرحلة الحديث عن ” القضية الفلسطينية ” إلى مرحلة المطالبة ب ” دولة فلسطينية ” .هذا معطى جديد وعلينا استثماره و توظيفه ، والترويج له .
أعودُ الى ماوردَ في العنوان ،للتعريف ماذا في مقررات القمة ما يفضح كذب و مراوغة امريكا .
سعت امريكا ،وقبل انعقاد القمة ،إلى إقناع دول عربية ( الإمارات و مصر و السعودية ) إلى إرسال قوات عربية إلى غزّة لحفظ السلام بعد وقف الحرب ، وحسب المعلومات ،رفضت الدول الفكرة ، ولكن ،في القمّة ،طالبت الدول العربية بقوات دولية في غزّة شريطة ان يكون وجودها تمهيداً لدولة فلسطينيّة .
لم تستحسن امريكا فكرة قوات دولية ،لاسيما و الغرض من وجودها ،وحسب ماوردَ في مقررات القمّة ،ليس فقط للسلام ،و إنما وجود مؤقت وينتهي بأقامة دولة فلسطينية . لماذا لم تستحسن امريكا الفكرة ؟ ( واقول لم تستحسن لأنه لم يصدر جواب رسمي بعد ، وحسب تسريبات تشير بعدم استحسان الفكرة ) . لأسباب : أولاً ، امريكا ،وبعد التشاور مع اسرائيل ،ارادت قوات عربية لتوريطها ولإثارة الفتنة ، وربما الاقتتال مع حماس والجهاد في غزّة ، و ثانياً ،جميع الدول ترفض إرسال قوات إلى غزّة و الفصائل الفلسطينية حذّرت و صرّحت بانها ستتعامل مع قوات اجنبية في غزّة كقوات مُحتلة ، وثالثاً ، هو اشتراط القمة بأن يكون وجود هذه القوات مؤقت و مرهون بأقامة الدولة الفلسطينية.
مشروع الدولة الفلسطينية فكرة غير مطروحة في اجندة حكومة نتنياهو ،لذلك لا فائدة من الحديث او التوقّع بقبول او رفض الفكرة من قبل اسرائيل و الادارة الأميركية ،الفكرة أساساً غير مطروحة على طاولة نقاش الحكومة الاسرائيلية .
ثمن كذب و مراوغة امريكا و اسرائيل هو ضياعهم في قطاع غزّة ،و الذي لم يعّدْ سلاح و مقاومة ، وإنما تعبير عن ضمير العالم الحر و رمز للعدل و رفض اسرائيل و ممر ليس لإعادة الروح في القضية الفلسطينية ،وإنما لإقامة الدولة الفلسطينية.
السفير الدكتور جواد الهنداوي
رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات
و تعزيز القدرات /بروكسل / ٢٠٢٤/٥/١٨ .