من المعلوم للجميع أن عصر التأسيس هو جزء من العصر الذي نزل فيه القرآن الكريم على نبي الله محمد صلى الله عليه وآلهوسلم، والذي حمل قيادته صحابة رسول الله، من الخلفاء الأربعة من صحابة رسول الله الذين كانوا معه والذين كانوا من أهل الإجماع وأهل نشر الإسلام.
للغوص في مقاصد الشريعة الإسلامية وجدنا من خلال البحث الذي قام به المتخصصين من أهل الدين والعلم أنه لدى صحابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، تطبيقات في دوائر مختلفة لمقاصد الشريعة كما تلقوها عن القرآن الكريم وكما فهمومها من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، منها (المؤلفة قلوبهم، والسرقة والإشتراك في السرقة وغير ذلك)، وهنا الأمثلة كثيرة لأن صحابة رسول الله حتى أولئك الذين لم يكونوا من أهل الرأي، وإنما كانوا من أهل الحديث وهي تقسيم المتأخر الذي لم يكن موجوداً في عصر الصحابة ولكن يوصف على سبيل المثال عبدالله بن عمر رضوان الله عليه بأنه كان من أهل الحديث أي أنه إذا لم يجد حديثاً أو لم يجد نصاً، فإنه يتوقف حرصاً منه على أمانة تبليغ الكلمة وحرصاً منه على أنه لا يقول قولاً إلا إذا وجد له سنداً ودليلاً من كتابٍ أو سنّة، وهو لا يريد أن يتوسع في تطبيق النص حتى لا يخطئ، وهذا ما كان يفعله صحابيٌّ جليل مثل عبدالله بن عمر، وماذا عنا نحن اليوم؟
اليوم، هناك الكثير ممن يتوسع ويقرأ ونقول القراءة الأولى للقرآن الكريم والثانية والثالثة والرابعة، قراءاتٍ ما أنزل الله بها من سلطان ولكنها تحاول أن تتوسل بالمقاصد لكي تؤصل لهذه القراءات الزائفة أي تسندها إلى ما هو غير صحيح في الأساس.
إذاً، إن عصر الصحابة والذي هو جزء من عصر التأسيس الذي قامت عليه الشريعة الإسلامية وبنيت على أساسه أحكامها التي رتبت حياة الناس في كل مقاصد الحياة، ونجد اليوم أن هناك تطبيقات كثيرة تدل على فهم صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمقاصد الشرعية، وجمع القرآن الكريم سواء كان الجمع الأول أو الثاني في مصحف عثمان بن عفان رضوان الله عليه، والسؤال هنا، لماذا جُمع القرآن الكريم وهو الذي كان محفوظاً في الصدور؟
لأن الصحابة وبعد موقعة اليمامة التي قُتل فيها عددٌ كبيرٌ من القرّاء، رأوا أنه حفاظاً على النص القرآني وهؤلاء حفظة القرآن الكريم.
الجمع الأول
لا ينبغي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتركوا الأمر هكذا فلابد أن تُجمع هذه النصوص التي عُرضت العرضة الأخيرة على الرسول الكريم، وحفظت في بيت أم المؤمنين “حفصة بنت عمر بن الخطاب” وأن تكون من خلال لجنة مكونة من كبار الفقهاء مثل أبي بن كعب وغيره من الذين حفظوا القرآن الكريم لكي يقوم الجمع الأول للقرآن الكريم، هدفه مقاصد وهو تحقيق المصلحة التي ترتب مقتل عددٍ كبير من القرّاء في معركة اليمامة على الإخلال في هذه المصلحة وحتى يتم الحفاظ على النص القرآني الذي هو بلاغٌ من الله تبارك وتعالى على لسان نبيه المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وما على الرسول إلا البلاغ.
الجمع الثاني
في الجمع الثاني، وحتى لا يحدث خلاف، قام عثمان بن عفان رضوان الله عليه، بالجمع الثاني للقرآن الكريم، وجمع الناس على ما سمي في تاريخنا بـ “مصحف عثمان”، والذي يحاول الآن البعض ممن يحاولون القراءة المعكوسة المقاصديةالمغلوطة، يحاولون أن يجعلوا ذلك باباً مفتوحاً لكل قراءة، وهذا لم يكن مقصوداً ولم يكن هدفاً وبالتالي هذا ليس صحيحاً، لأن المصاحف جمعت على مصحف عثمان بالقراءات السبع والقراءات العشر وأصبح على المسلمين أن يلتزموا بهذه القراءة تحقيقاً لمصلحة المسلمين في تلاوة كتاب الله، تلاوةً صحيحة، وفي بيان أحكامه وغير ذلك.
من هنا، تكون المصلحة كامنةً وراء المقاصد الشرعية عندما تتحرك في دنيا الناس سواءً من أجل فهم النصوص أو من أجل تدعيم النصوص بإجتهاداتٍ جديدة أو من أجل تطبيق النصوص على حال الواقع الذي يزاوج فيه الفقيه بين فقه النص (أي فهمه)، وبين فقه الواقع.
عبدالعزير بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.