الانتهاكات الصهيونية زادت عن الحد وبالرغم من ذلك فإن المجتمع الدولي لا يرى لا يسمع لا يتكلم وكأن ما تفعله إسرائيل حقا مكتسبا لها.. حتى عبارات الشجب والتنديد لم نعد نسمعها إلا النذر القليل.. ورغم أنها لم تكن تسمن أو تغني من جوع وكانت تصدر عن استحياء إلا أنها على الأقل كانت تشعرنا أن من أطلقها مازال يمتلك ضميرا حيا وإحساسا بما يعانيه الفلسطينيون.
واجتياح الجيش الإسرائيلي لمدينة رفح خطوة جديدة للضرب بالقوانين والشرعية الدولية والقيم الإنسانية عرض الحائط وترسيخ لسياسة الأمر الواقع الذي تسعى من خلاله إسرائيل لتغيير الجغرافيا على الأرض.. فهي تفعل ما يحلو لها طالما أن هناك غطاء أمريكيا يبيح لها العبث كيفما تشاء ويمنحها الضوء الأخضر لارتكاب المجازر الواحدة تلو الأخرى دون رادع.
لاشك أن السيطرة على مدينة رفح الهدف الأساسي منه تضييق الخناق أكثر على قطاع غزة عن طريق التحكم في شريان الحياة والإمدادات الإنسانية والغذائية التي كانت تصل لسكان القطاع من خلال معبر رفح المصري وهو ما يهدد بحدوث كارثة إنسانية ومجاعة شاملة لا محالة لأن هذه المساعدات بالتأكيد لن تصل للشعب المحاصر ولكننا نعلم جيدا ماذا سيكون مصيرها.. بدليل أن إسرائيل طالبت مصر أن تكون الإمدادات خاصة الوقود “تحت إشراف أمني إسرائيلي” بحجة حمايتها من حماس.
السؤال الذي يفرض نفسه.. هل حقا استطاعت الدولة العبرية أن تهزم حماس وتقضي على أنصارها؟.
إن المتتبع للموقف على الأرض يجد أنها فشلت فشلا ذريعا حتى مع عملياتها العسكرية المسعورة وحرب الإبادة الشعواء وقذائفها التي هدمت البنية التحتية لقطاع غزة وغيرت ملامحه تماما ولكنها لم تستطع أن تتحكم فيه بالكامل كما كانت تحلم.. وتوجهها نحو مدينة رفح إنما هو هروب للأمام عسى أن تتمكن من تحقيق حلمها المشئوم في القضاء على حماس التي تسبب لها صداعا مزمنا وعقدة نفسية لا تستطيع التخلص منها.. ولكن ما حدث هو أن أكثر من 800 ألف فلسطيني فروا من المدينة ليزداد الوضع الإنساني سوءا فيما أصبحت اتفاقية السلام المصرية على المحك إلى جانب توتر العلاقة من أمريكا التي فقدت مصداقيتها أمام المجتمع الدولي.. كما أن الداخل الإسرائيلي نفسه يواجه وضعا حرجا فقد خرج عشرات الآلاف من الإسرائيليين في تظاهرات مطالبين بإسقاط حكومة نتنياهو والعودة فورا لطاولة المفاوضات.
مخطئة إسرائيل إذا اعتقدت أنها بالقضاء على حماس أو حتى الشعب الفلسطيني برمته فإن شعبها سيتمتع بالسلام والأمان.. وقد آن الأوان لكي تخضع رغما عنها للقوانين والأعراف الدولية بطريقة عملية وليست نظرية فقط.. لذلك يجب أن يتكاتف المجتمع الدولي لإجبارها على وقف الحرب الضروس والممارسات المتوحشة في حق الفلسطينيين.. أما الاكتفاء بالشجب والتنديد سيؤدي في النهاية لفرض سياسة الأمر الواقع التي لا تتوافر إلا في شريعة الغاب.
ناصر بن سالم اليحمدي