في بداية أي إنسان يريد الإبحار في تعاليم دينه، يغوص فيما كتب عن الفرق الإسلامية جميعاً، إضافة إلى (المِلل والنِحَل)، لتبيان قضايا الخِلاف والإختلاف، وذلك كله مرتبط بقراءاتي للديانات السماوية ومدارسها أيضاً، (كالمدرسة المسيحية) إن جاز التعبير.
هذا الأمر بطبيعة الحال، يأخذنا إلى قراءة الفرق المسيحية أيضاً، إضافة إلى الحروب الصليبية والإختلافات التي حدثت في تلك الحقبة، وصولاً إلى الأناجيل الأربعة، والتي فيها قراءات مختلفة، كـ “إنجيل متّى – إنجيل يوحنّا – إنجيل مرقس– إنجيل لوقا”، وبالطبع الفِرق الإسلامية، لأخرج بسؤال هام، وهو ماذا وجدت؟
لقد وجدت أن الديانات السماوية كلها، (الحقّة)، أولاً إن الدين عند الله سبحانه وتعالى هو الإسلام، والديانات جميعها،مرادها توحيد الله تبارك وتعالى، وأن تكون العبادة له وحده فقط، وهذه حقيقة مسلّم بها، لا يجوز المساس فيها، قال تعالى: “أفرأيت من إتخذ إلهه هواه وأضله الله”، وبالتالي كل معتنقي الديانات السماوية إختلفوا بإختلاف قراءتهم، كل إنسان وإجتهاداته، وجدير بالقول، “القراءات غير معصومة”، وقراءات أي إنسان مهما وصل إلى نتائج غير معصوم، ما يعني الرأي السديد هنا لا يكون بنسبة صافية وخاصة 100%، وبالتالي علينا الذهاب ليس إلى الإختلافات بل إلى المقاصد الأساسية للديانات جميعاً، والجامع بينها توحيد الله عز وجل.
هل توحد البشر الله تبارك وتعالى، أم تشارك معه عبادات أخرى؟
إن تحريف الديانات السماوية يثبت أن البشر إتجهت إلى عبادات أخرى، إلى جانب عبادة الله تعالى، ومن هنا بدأ التحريف، فمثلاً إنحرفت المسيحية في بعض وجوهها عن تعاليم عيسى عليه السلام، واليهودية كذلك، سقطت عندما بالغت وغالت وقالت أقاويل لم تمت لموسى عليه الصلاة والسلام بِصلة، ومذلك إنبثقت الفرق والأحزاب وتولد التمذهب والعصبية، ونشأت تيارات، وحدث الإختراق للمعابد والكنائس لصالح السلطان أو الملك أو أياً تكن التسمية، وبدأ الكفر بدين الله تبارك وتعالى تحت عناوين ومسميات مختلفة، الجامع بينها أن الإنسان جحد بنعمه وتعصب للفروع بينما الأصل نهاه عن ذلك.
وبتفصيل كلمة “رسول”، فهي بطبيعة الحال تعني “المبلّغ”، في كل الديانات السماوية، فتركنا أصل الرسالة، وذهبنا نحو الإختلاف وهذه هي المعضلة الكبرى التي تعاني منها الأمم اليوم، من خلال الخلل الحاصل في الفكر الإنساني، من خلال حب الناس للإختلاف.
وبالتالي لو تم تفعيل المقاصد الحقيقية للرسالات السماوية، لما إجتاحنا اليوم ما يسمّى الدين الإبراهيمي الجديد، الذي تفرضه ومع كل أسف “الحركة الصهيونية العالمية” عن طريق محميات عربية نفطية يُملى عليها مستخدمة إمبراطورياتهاالإعلامية بأن تجعل من الدين الإسلامي والديانات السماوية “فلكلور”.
لكن، تجدر الإشارة إلى أننا مع التعايش الإنساني، بعيداً عن التغيير في الدين المراد منه التشويه، وهنا يجب قول الحق، فكل مؤمن ومسلم بحق، لا يقبل أي أقاويل ولا على نبي من أنبياء الله تبارك وتعالى، في كل الديانات السماوية، فبالنسبة لنا وكما قال الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: “إنّ الدين عند الله الإسلام”، وهذا يدفع بنا إلى القاعدة الأصلية أن التوحيد هو مراد الله تعالى عندما أرسل رسله.
وبالتالي، إن الله عز وجل لا يريد لنا أن ننحرف بعقائدنا، ودياناتنا وأفهام البشر ضد البشر، إذا ما كان هذا الإنسان متعصب لفهمه، وحاول إلغاء الآخر أو البطش والتكفير به، ومع الأسف هذه اللعنة إنسحبت على الأمة الإسلامية وبالتالي تفرقت الأمة، وأصبحت شيعاً وأحزاب، وترك القرآن الكريم، الوثيقة المسندة، قال تعالى: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”، فرب العالمين تعهد بحفظ القرآن الكريم وذلك بوجود العشرات من الآيات التي توضح ذلك، يقول تعالى: “ولقد يسرنا القرآن للذكر”، لكن ذلك لا يعني أن نكتفي فقط بذكر القرآن وقراءته، بل إتخاذه كمنهج حياة.
لذلك، إن البعض يقول، إن القرآن لا يفهمه إلا من كان إماماً، وهذا كلام “فارغ” وخلافاً للقرآن لا بل كفر بالكتاب العزيز، القرآن واضح وبيّن بكل أحكامه، فمن ينادي بتعطيله لا يفقه شيء من مقاصد الشريعة الإسلامية.
إذاً، الأمة اليوم متشرذمة، وهناك حملة صهيونية كبيرة جداً، وأود توضيح نقطة هامة: (الحركة الصهيونية هي الحركة التي تموّل صندوق النقد الدولي ولوبياتها منتشرة في الدول الكبرى، كأمريكا وروسيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، وتفرض حتى على الملكة إليزابيث، ملكة إنكلترة ما تريد، وهي من تتحكم بمصير الأمة الإنسانية، وهي التي أسقطت الخلافة العثمانية، وهي من تآمرت علينا، وهي من تسللت إلى عقول أبنائنا من خلال العلمانية والليبرالية والإلحاد، وذلك عن طريق الإستشراق وإنبهار المسلمين بالغرب، فكفروا بدين الله والمسيحية والإسلام وإتخذوا دين العلمانية)، وبالتالي الحركة الصهيونية من خلال ما ورد، حولتهم إلى أدوات تستخدمهم كما تشاء.
وهنا لابد من الإضاءة على ملاحظة هامة، وهي أن الجميع متفق على ضرورة العلم شرط توظيفه لخدمة الإنسانية، لا التحكم بها، وعلى الإنسان المتعلم أن يتحصن بدينه وعقيدته، حتى يكون مؤثراً ولا يتأثر لا بالغرب ولا بغيره، كما حالة بعض الكتّاب والصحافيين الذين يعملون بكبرى وكالات الأنباء والقنوات الموجهة للعالم العربي والإسلامي، من خلال إثارة الشبهات حول الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، من خلال تنفيذ ما تريده الصهيونية حرفياً.
لماذا تستخدم الصهيونية أدوات مجتمعية لتدمير الأمة الإسلامية؟
الجواب بسيط، كي تبعد الصهيونية الشبهات عنها، فقبل أكثر من 200 سنة، إبتكرت الحركة الصهيونية ما إسمه “الحركة الماسونية” التي لها محفل وسجل ولها أتباع وتمويل خاص لمؤسساتها المنتشرة ولها ترويج إعلامي وفكري وإختراقاتخاصة بها، لكن وعلى الرغم من كل ما قرأته من كتب وأبحاث ودراسات، تبين لي أن هذه الحركة وجودها مرتبط بما تريده الصهيونية أن يظهر وبعرف للناس، لترعب فيها الغرب قبل الإسلام، وبالتالي روجت لها الصهيونية لإبعاد الشبهات والأعين عن جرائمها الممتدة حول العالم لتتحكم به من خلال خرافة الماسونية العالمية، بدليل أن من يتحكم بمصير الأمة الإسلامية والعربية والعالم بما فيه أكبر قوة أي الولايات المتحدة الأمريكية وساساتها جميعاً هم موظفون لدى هذه الحركة وينفذون أوامرها.
وبالتالي تحقق مراد الصهيونية وأسقطوا عن طريق جميعةالإتحاد والترقي، الخلافة الإسلامية وأسقطوا هيبة الإسلام من نفوس المسلمين ولا زالوا، والآن يمولون جامعات غربية في دولنا الخليجية والعربية لإنشاء جيل مغسول الأدمغة يتم التحكم به وفق الحاجات المستقبلية لإستمرار مشاريع الحركة الصهيونيةالتي تتحكم بها “أسرة روتشيلد”.
وبالتالي هؤلاء العلماء الذين شككوا بالثوابت الإسلامية وإنبهروا بالمستشرقين، رجع البعض منهم في اواخر أيامه للحق، على رأسهم الدكتور عبد الوهاب المسيري، المفكر المصري الذي كان ملحداً ويسارياً، لكنه عاد إلى جادة الصواب وتكلم بكتابه “الموسوعة الصهيونية” التي أرعبت حتى “الكنيست” في الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، أيضاً، لدينا الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي، عاد عن كل أقواله المنبهرة بالغرب، عندما أدرك حقيقة ذلك الغرب، وذلك تبين بوضوح في كتبه الإسلامية الجميلة جداً.
وبالتالي لننتبه من الجامعات الممولة من الغرب، ظاهرها تعليمي وباطنها، أوكار لتعليم الثقافة الصهيونية تحت مسميات عديدة بتنا نتلمس البعض منها في أيامنا هذه من خلال التشكيك بثوابت الأمة وعقائدها.
وحدة عقائدية
بالعودة إلى الموضوع الرئيسي، إن المقاصد القرآنية يجب ان تفعّل بين أبناء البشرية جمعاء، لو توفرت الإرادة وأردنا العيش المشترك نحو بناء أمة إنسانية، نعم نقر أن هناك خلاف وهذا طبيعي، لأن كل إنسان مختلف عن الآخر في فهمه، لكن هناك أيضاً قواعد مشتركة، وبتصوري إن أتباع الديانتين المسيحية واليهودية الحقّة أو الإبراهيمية لا يؤمنون بتوحيد الله تبارك وتعالى!
نحن نؤمن أن الله واحدٌ أحد، وهذا يجب أن يكون جامعاً لدى جميع الديانات، كل خلق الله تصمد إليه أي تطلب منه الحوائج وما إلى ذلك، والمعنى الحرفي (الله الصمد: السيد الذي تصمدُ إليه الخلائق في حاجاتها، ترجوه وتسأله وتضرع إليه حاجاتها)، ولم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد أي (أي ليس له مثيل ولا شبيه ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير،كفوا: مكافئاً و نظيراً. … و الكُفء و الكُفُوء: النظير)، فلا يوجد ند لله تبارك وتعالى، لا كما يقال (ابن الله وروح الله)، وهذا لا لبس فيه، قال تعالى: “وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون”.
“الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع العليم”، وهنا لا أفرض ديانتي ومعتقدي، لكن هذه هي العقيدة الإنسانية التي تتماشى مع فطرة الإنسان، أي إنسان يؤمن بأن الله خالق كل شيء.
حتى الملحد، لو كان يملك ذرة عقل لما أنكر وجود الخالق عز وجل، فإن قال لا أدري والله لإحترمته من كل قلبي، وأما عكس ذلك فهذه “حماقة”، وهنا دليل بسيط يؤكد حماقة هؤلاء، من إخترع الكهرباء يقال توماس أديسون، جميل، لكن توليد الكهرباء يحتاج طاقة، والطاقة دفينة الطبيعة التي هي من صنع الخالق عز وجل، يقول تعالى في كتابه الحكيم: “وسخّر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون”.
وبالتالي إن الإختلاف بين الأديان السماوية، والإبتعاد عن المقاصد الأساسية هي صناعة بشرية مؤكدة تريد بث الفرقة، وليست صنع الأديان السماوية الحقة.
أخيراً، إن الرسالات السماوية واضحة، ودور الرسل لتبليغ الرسالات واضح وضوح الشمس، قبيل تحريف أي كلام، للحركة الصهيونية اليد الطولى في تشويه الأديان، وإختراعدين يتناسب ومشاريعها الشريرة، كالدين الإبراهيمي الجديد أو العقائد الإبراهيمية الجديدة التي يروج لها طوافين القصور وعبّاد القصور من دون الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: “ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت”.
وهنا، يجب التنويه أن مسألة التوحيد لا تتعلق فقط بالديانات السماوية وعبث الإنسان فيها، حتى ضمن البيت الإسلامي الواحد، خرجت أصوات نشاز، سنعرّج عليها في مقالٍ لاحق، من خلال التفصيل في الفرق الإسلامية نفسها، ما يعني أن الأمر بحث طويل، لكن الهدف الجامع العودة إلى الأصل، وتصحيح الأخطاء بما يعيد للتوحيد والعقائد أصلها الفطري كما امر الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: “ولكل أمةٍ رسولٌ فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون”.
إن الدين الإلهي، وعقيدة التوحيد الخالصة هما الأصل في حياة البشر منذ أن خلق الله آدم (وذريته)، فقد ثبت بالأدلة الصحيحة أن الله تعالى خلق الناس حُنفاء موحدين، مخلصين لله الدين، وفطَرهم على التوحيد، ولم تَخلُ أمة في مكان ولا زمان على طول التاريخ من دين ورُسل وأنبياء يدعون إلى التوحيد، ويحذرون مِن الشرك؛ قال تعالى: “إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً وإن من أمة إلا خلا فيها نذير”.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.