ترى هل يعلم المسؤول إن كانت قراراته الارتجالية ستضر بالمُجتمع ضررًا كبيرًا؟! فإن كان يعلم ذلك، ولكنه يصر على ما عقد العزم عليه، فتلك إذن كارثة كبرى! ستحل على النَّاس نتيجة لقراراته العشوائية، وقد يصل الأمر بالنقمة والامتعاض على الجميع.
سبق وأن كتبت أنا وغيري من كتاب الأعمدة ولمرات عديدة، مطالبين بأن تكون قرارات الجهات المعنية مدروسة وموزونة، وليس من وجه واحد؛ بل من كافة الأوجه والجوانب، وطالبنا بإيجاد مراكز للدراسات الاستراتيجية في البلاد، وذلك حتى نتجنب القرارات غير المدروسة، لأن مثل هذه القرارات قد أثقلت كاهل الوطن والمواطن، وكانت سلبياتها أكثر من إيجابياتها.
ولست هنا اليوم لأعدد تلك القرارات، والتي تأكد فشلها عند التطبيق، ثم إنَّ أي قرار يُنظر إليه من زاوية مردود الربح المادي وحسب، محكوم عليه بالفشل من ساعة صدوره، إذن؛ يجب أن توضع مجموعة معايير لأي قرار يُراد السير به في خدمة المجتمع والحكومة معًا، وبأن يكون خالياً من المثالب والفجوات التي تعيبه، وأول معيار أن لا يمس بالأمني الوطني، أو حتى الأمن القومي، وثانيًا معرفة مدى الرضا الذي سيحققه للمجتمع، وبعد ذلك يُنظر إلى المكسب المادي، على شرط ألّا يكون مخالفًا للقوانين والأنظمة، وعلى رأسها النظام الأساسي للدولة.
لا يزال المجتمع يترنح تحت وطأة ضريبة القيمة المضافة، فيما يُثار هذه الأيام من قبل بعض مشاهير الواتساب ممن يملكون عقيدة “أعمل ليومك.. وما عليك من غيرك”، أن هناك ضريبة تكمن للناس وراء الكواليس، ولكن غير معروف بالضبط متى سيطلق لها العنان.
وقد سألت صديق لي يمتلك مقهى لبيع السندوتشات عن وضعه بعد سريان ضريبة القيمة المضافة، فقال: كنَّا ندفع بين 2000 و3000 ريال لمورد اللحوم شهريًا، وبعد الضريبة المضافة ارتفعت الأسعار إلى الضعف، فالآن قيمة اللحوم تتراوح بين 6 و7 ألاف ريال شهريًا، ولا نستطيع زيادة الأسعار على المبيعات، لأن النَّاس ستهرب منَّا إذا فعلنا هذا. وأقول للذين يظنون أَن الاقتصاد قوي ويتحمل الزيادة، فأقول لهم هذا غير صحيح، فنحن عندما تغلق المدارس ينزل دخلنا بنسبة 30%، وإذا وافق موسم الخريف وهو في صلالة ونحن في مسقط، أو مهرجان مسقط السنوي، أو حتى معرض الكتاب، فإنَّ الدخل ينخفض بنسبة 40% وعندما يأتي رمضان ندفع كل الذي جمعناه من دخل خلال 11 شهرًا من بقية العام، وذلك لنغطي مصاريف رمضان لأن الدخل ينخفض 90% خلال الشهر الفضيل، وأما إن قررت الحكومة فرض ضرائب جديدة، فإني سأبيع المحل وسأمتنع عن العمل في التجارة، كما قال صديقنا.
إذن؛ التجارة التي نطمح لتطورها، وأن تصبح في أيدي العُمانيين، ستعود إلى أيدي الوافدين بمرور الوقت، وذلك نتيجة العشوائية في القرارات الحكومية، وخاصة بعدما أصبح من حق ثلاثة أو أربعة عُمّال أن يعملوا برأسمال بمساهمات تبدأ من 80 ريالًا لكل واحدة منهم، حتى يكون لديهم سجل تجاري كمستثمر أجنبي، وعندئذ سيكون المواطن في منافسة غير متكافئة مع الوافدين.
لقد فوجئنا بما يحصل عليه المستثمر الأجنبي من تسهيلات سخية، والتي تهدد الاستقرار الاجتماعي في المجتمع العُماني، والذي قام على قيم موروثة وضوابط اجتماعية خاصة ظلت تميز المجتمع العُماني عن غيره من المجتمعات في منطقتنا، وقد كانت تحفظ توازنه وتمنعه من الانسياق وراء الماديات، وهي ماديات تسود العالم الغربي اليوم، وهذا العالم الذي يتبنى الرأسمالية المتوحشة والجشعة، وتبعده عن القيم والأخلاق الحميدة والمبادئ الإنسانية، وكنَّا نعيب ذلك على بعض البنوك المحلية التي تميّز بين الناس في المُعاملة، وذلك على أساس قيمة المال المودع في الحساب البنكي لديها.
حتى فاجأتنا إحدى الوزارات مؤخرًا بمفاجأة من العيار الثقيل، وهي تعلن أن من يُريد خدمة سريعة، ومتميزة مع فنجان قهوة، وصحن تمر منقى، فعليه أن يدفع مائة ريال نظير هذه الخدمة. هذه الوزارة قررت أن تقلب الطاولة على منزوعي الضمير ومنزوعي الخوف من رب العالمين، وتقول لهم ها نحن نعلنها صراحة إننا نقبل الدفع فوق الطاولة وتحت مسمى آخر، وهو خدمة (VIP)، وأن التأخير الذي كان يحتاج لسنين طويلة، وذلك بحجة زحمة العمل، فاليوم ننجزه لك في وقت قصير مقابل 100 ريال، وهذا تصرف يمقته المجتمع العُماني، ويستنكره كل ذي لب سليم وينفر منه، لأنه يدوس على القيم والأخلاق، ويُعمل التفريق في الحقوق ويوحد فقط في الواجبات.
وبذلك يُقرر أحد المسؤولين من اليوم وصاعدًا، أن نلحق بالرأسمالية الغربية العالمية المتوحشة، وأن نبدأ في تأسيس ما عُرف بالطبقية المجتمعية المقيتة في البلاد، وبذلك نخالف النظام الأساسي للدولة، الذي يقول إنَّ المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، وكأن بهذه الوزارة، قد درست نفسيات الناس، وعرفت حاجتهم الملحة لهذه الخدمات، وأن المواطن سيدفع ليس المئة ريال، بل الألف أو عشرة الآلاف ريال، حتى لا يكون الأقل من غيره في الجاه والقدر، وحتى ولو اضطر للاقتراض، لكي يُحقق حلمه في الحصول على تلك الخدمة التي ظل ينتظرها سنين بل عقود طويلة.
وختامًا.. نقول لهؤلاء الفطاحل في العلم والمعرفة والابتكار، حمى الله عُمان والمجتمع العُماني من أفكاركم المرفوضة، أما اليوم فنحن لسنا بحاجة إلى فكرهم الذي تقدم علينا بعقود كثيرة، لأنه يصعب على المجتمع تقبلهم في السنوات القليلة المنظورة، ولكن نقترح على الحكومة، أن تحتفظ بهؤلاء المسؤولين الخارق فكرهم، وأن تعمل على تحنيطهم؛ وذلك بوضعهم في قالب من الثلج، وألّا تفرط فيهم، فقد يحتاج لهم الوطن بعد العام 2050.
حمد بن سالم العلوي