مسعود الحمداني
سوقٌ ضخمٌ جرى العمل على تنفيذه قبل عدة سنوات، وتم افتتاحه رسمياً العام الماضي، وشُيّد على مساحة تصل إلى 130 ألف متر مربع، ويضم ثلاثة أقسام الأول لبيع الأسماك، والثاني لبيع الأعلاف والمواشي والدواجن، والثالث لبيع الخضروات والفواكه، إضافة إلى أقسام إدارية وفرعية أخرى، وكَلّف هذا المبنى ـ المُهيأ بشكل جيِّد ـ الحكومة أكثر من مليونيّ ريال، واستبشر به البعض خيراً، غير أنَّ ما حدث بعد ذلك أثار العديد من علامات الاستفهام والدهشة، والخلاف والاختلاف.
ففي الوقت الذي تم فيه إزالة سوق صحم التقليدي القديم (الفرضة) من الوجود قبل سنوات، ومسْحهُ عن وجه الأرض بحجة مشروع طريق الباطنة الساحلي وتجليّاته، (بعد أن ظل هذا المكان طيلة عقود شاهدا على الحياة الاقتصادية المزدهرة في الولاية، وسوقاً تجارية نشطة، وملاذا للصيادين، والباعة، والتجار، وتوريد البضائع من الهند والعراق وغيرها، ومعْلماً بارزاً ومهماً من معالم الولاية، فهو يقع قبالة الساحل مباشرة، وقريباً من حصن الولاية، ومكتب الوالي القديم، حيث أصبح هذا السوق التقليدي أثرا بعد عين، خسرت ذاكرة أهالي ولاية صحم واحدا من أهم آثارها الشاهدة على عصورٍ متعاقبة)، وقامت وزارة الزراعة والثروة السمكية ـ في تلك الفترة ـ بإنشاء ميناء صيد بحري يضم سوقا للأسماك في قرية (خور الحمام) عوضاً عنه، إلى أن يتم تجهيز (السوق المركزي الجديد)، وانتقل الناس والصيادون إلى الموقع الجديد، واعتادوا عليه، واعتاشوا منه، وألِفهُ الأهالي ولو بعد حين.
وبعد أن تمَّ إنجاز السوق المركزي الجديد، وهُيئت له الأسباب، وبعد فترة انتظار طويلة، صدرت (الأوامر) للصيادين بالانتقال إلى المبنى الجديد، وهو ما نفّذه البعض، وتلكأ عنه آخرون، وانقسم المستهدفون من السوق (بائعي وصيادي الأسماك والمستهلكون) إلى فئتين، الأولى: تُؤيد الموقع الجديد وتصفق له، وتُبشّر به، والثانية تعترض على موقعه وتندد به، فالموقع يبعد عن البحر حوالي مائتي متر، وهذا يشكّل عبئاً على الصيادين لنقل الأسماك، وتداولها، كما أنّ سوق (خور الحمام) أكثر ملاءمة لهم، فمراكب الصيد في متناول اليد، وذلك يعني سهولة إنزال وتحميل الأسماك، غير أن الأمر حُسم تحت التهديد والوعيد بالقانون، وحزم الصيادون أمرهم، واتجهوا بالفعل إلى السوق الجديد، وتم تخصيص مبنى الأسماك في ميناء الصيد البحري بمنطقة (خور الحمام) لغرض البيع بالجملة، بينما تم تخصيص السوق الحديث للبيع بالمفرد!!.
إلى هنا، ولم ينته الأمر حيث احتج المعترضون على هذا الأمر، وهذا التقسيم، وأصر كل فريق على رأيه، إلى أن تفتقت أذهان المسؤولين عن الأمر إلى حل (عبقري)، وهو الحل الذي ما زال سارياً، وهو يسعى إلى إرضاء الطرفين، حيث تم الاتفاق مع ممثلي الصيادين والأهالي على أن تقسّم عملية التداول في السوقين على فترتين، الأولى: تكون في سوق ميناء الصيد بمنطقة (خور الحمام) إلى حدود الساعة العاشرة صباحاً، ثم يُغلق السوق، وينتقل الصيادون والمستهلكون بقضهم وقضيضهم وأسماكهم وبراداتهم وأدواتهم، إلى سوق الأسماك المركزي الجديد بوسط الولاية، علمًا بأنَّ المسافة بين الموقعين تزيد عن خمسة كيلو مترات!!..ولكم أن تتخيّلوا بقية هذا المشهد اليوميّ.
إنّ وضع سوق صحم المركزي لا يسر، وهو يشكل عبئا على الصيادين والبائعين والمستهلكين على حد سواء، وهو يحتاج إلى حل واقعي وعملي، وليس حلا ترقيعيا، فاختيار موقع السوق لم يكن موفقا من البداية، علما بأن الأهالي كان لهم دور في هذا الاختيار، كما أن طريقة التشغيل الحالية غير مجدية، ولعل أحد الحلول ـ التي يراها البعض ـ، هي في تشغيل سوق صحم المركزي الجديد في الفترة الصباحية، ويتم تشغيل سوق ميناء الصيد البحري في الفترة المسائية، حتى يتم استكمال بقية المشروعات التابعة للسوق في يوم ما، لعل ذلك يرضي الطرفين ـ مؤقتا-، وإن كان ذلك مستبعدا، وكما يقول المثل (بين حانا ومانا ضاعت لحانا)، ولعل للقصة بقية.