ذكرتُ في سلسلة مقالاتي عن طوفان الأقصى، أنَّ هناك سلسلة طوافين ستتبع طوفان الأقصى المُبارك، الذي بُدء به في السابع من أكتوبر2023م، وصدق من قال: إن معركة طوفان الأقصى بدأت وانتهت في نفس اليوم، وإنَّ الذي يحدث بعد ذلك اليوم، هو مجرد تداعيات لتلك النتيجة الباهرة، والتي حققها طوفان الأقصى العظيم، ومن أهم النتائج التي حققها طوفان الأقصى، تلك الصحوة العالمية العارمة، والتي أيقظت شعوب العالم على خطر اليهود عليهم.. وعلينا وعلى الإنسانية جمعاء.
إذن؛ أصبحت غزة مِشعل تحرُّر لشعوب العالم من الاستعباد اليهودي الصهيوني لهم، وطوفان الأقصى فضح كل زعم كاذب، بأنَّ الغرب يعيش حياة ديمقراطية حقيقية.. وعدالة ناجزة، وقد أظهر كذبهم ذلك العنف الذي مارسته أجهزة الأمن في الدول الغربية على شعوبها، وهي تُعبّر عن تضامنها مع شعب فلسطين، والشعب الفلسطيني في غزة على وجه الخصوص، وقد حدث ذلك العنف الكبير على النَّاس، وهم يقفون وقفات احتجاجية سلمية في الجامعات، وفي الساحات العامة، وكان يكفي لتلك الحكومات الصهيونية الهوى، أن ترى النَّاس ينددون بحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني حتى يثيروا غضب تلك الحكومات المجرمة، لذلك كلفوا الشرطة بالانقضاض على الناس المحتجين، وتمريغ أنوفهم بالأرض، وأن ينهالوا عليهم بالضرب المبرح وكأنَّ بينهم والشرطة عداوة دفينة، وهم في حالة استسلام تام، وانقياد لأؤلئك العتاة القاسية قلوبهم، وضد أبناء جلدتهم، فقط لأنهم ينددون بالطغيان الصهيوني ضد شعب أعزل.
هذا الغرب المنافق؛ كان يعتمد نوعين من الديمقراطية، أحدهما للاستهلاك الداخلي، وهو النوع المحترم من قبلهم، لكونه يؤثر على أصوات الناخبين، لذلك يراعونه رعاية خاصة، حتى لا يؤثر على مستقبلهم السياسي، والنوع الثاني كان للتصدير للدول التي ينون تدميرها، فإن هي قبلت به وطبقته على شعوبها، فلابد من تلغيمه، لكي يتم إدارتها من قبلهم بقوتهم الناعمة، ويسيطرون بها على تلك البلاد سيئة الحظ، أما إن رفضت تلك الدول ديموقراطيتهم المُعلبة، فعليها أن تستعد لمواجهة الناتو أو أية قوات عسكرية أخرى، تأتمر بأمرهم، وليس لها فكاك منهم إلا بتدمير الدولة التي قالت لهم “لا” كما حصل ذلك في ليبيا والعراق وسوريا واليمن.
إذن؛ لا عدالة ولا ديمقراطية ولا احترام للشعوب، حينما يحضر اسم دولة الكيان الصهيوني في شعارات المتظاهرين ضد الطغيان والاستبداد، فيصبح المواطن الغربي مهما علا شأنه وعلمه ومكانته الوظيفية، وذلك أمام أنجس شخص صهيوني، وقد رأينا كيف يمرغ بأنوف الأساتذة على أرض جامعاتهم، لا لجرم ارتكبوه، وإنما لمجرد انتقادهم لوحشية الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني.
ومن بركات طوفان الأقصى، على الأمة العربية، أن أظهر لنا الصهاينة العرب الذين يعيشون بين ظهرانينا، وربما كُنَّا غافلين عن حقيقتهم، وكذلك القنوات الفضائية الصهيونية التي كانت تبث سمومها من داخل الوطن العربي، فكل ذلك أصبح اليوم واضحًا ومعلومًا للجميع، فكلما ضاق الخناق على الخونة والعملاء، كلما زادوا تعرية ووقاحة، ولأنهم عبيد لبني صهيون، ويصعب عليهم أن يرونهم في انزلاق خطر إلى هاوية الزوال، فإنهم مستمرون في المكابرة على الخطأ.
كذلك من بركات طوفان الأقصى، أن تصبح عصابة الصهاينة بلا قيادة، وبلا قرار حاسم، فعندما يكثر فيهم القتل والتنكيل، يسحبون قواتهم ويهربون، ومن ثم يعيدون الكرة، ولا يعترفون بخسائرهم في الحرب، لعلهم يحافظون على معنويات جنودهم، لكي يظلوا مستمرين في قتل النساء والأطفال من الشعب الفلسطيني، والصهاينة لا يجيدون إلاّ القتل والغدر، ولا يقوون على مقاتلة الرجال من المنظمات التحررية الفلسطينية.
وعندما تسمع بأهدافهم تسخر منها، فمن أهمها القضاء على حركة حماس، والإفراج عن الأسرى دون مقابل، وها هم قد وصلوا إلى الشهر الثامن من الحرب، ولم يستطيعوا الحصول على أسير واحد على قيد الحياة، وهم يحاربون في جغرافية ضيقة في غزة، والتي دمرت مُعظم معالمها، وهي من الأساس محاصرة من كل الجهات، أما الكيان الصهيوني فهو محل دعم من العرب قبل غيرهم، ومخازن أمريكا والغرب مفتوحة على مصراعيها لإسرائيل، فكل الذي يكلفها أن تشحن القنابل المدمرة على الطائرات الحربية، وتلقيها من الجو على أي بقعة من أرض غزة، وهذا عمل يمكن أن يقوم به أي معتوه، لا ضمير ولا عقيدة له، وهو فعل لا يحتاج إلى شجاعة أو مهارات في القتال.
لكن الأمر العجيب، أن ترى هذه الاستماتة من الصهاينة العرب في دعم إسرائيل، والعادة عندما ترى من تشجعه يسقط إلى الهاوية، والذي كنت ترجو منه حماية، أن تغسل يدك منه، وأن تبدأ تفكر في مخرج يبقي لك على شيء من ماء الوجه، لكن الاستمرار في الخطأ من قدر المعتوهين والأغبياء، وقد أصبحوا كثرا بيننا هذه الأيام، وربما هذا من كرم الله على الأمة، أن يخلصها من هذا الجرب والداء العضال الخبيث.
فلا نقول؛ إلّا صبرًا أهل غزة العزة.. إنَّ النصر آتٍ مهما بلغت التضحيات، وإن طوفان الأقصى هو بداية النهاية للصهاينة، وأنَّ لا أحد سيموت بغير تقدير من الله، وهم مكرمون بالشهادة والحياة الأبدية عند ربهم، ومن يجرؤ ويصبر ينتصر.. وإنه لجهاد.. نصرٌ أو استشهاد.
حمد بن سالم العلوي