بين 6-9 من الشهر الجاري ، ستشهد الدول الاوروبية انتخابات البرلمان الأوروبي. وتشير اغلب استطلاعات الرأي ،والتي أُجريت في جميع الدول الاوروبية ، بتقدم ملحوظ للأحزاب اليمينيّة المتطرفة الأوروبية ،قياساً بالانتخابات السابقة ،ونسبة للأحزاب السياسية الأوروبية التقليدية .
ليس المقصود ،في المقال ،تحليل اسباب توقعات فوز أحزاب اليمين المتطرف ، وانما المقصود ،معرفة علاقة الأمر باسرائيل . عن ماذا ولماذا تراهن اسرائيل على فوز احزاب اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي ،اي بعبارة اخرى ،ماذا تنتظر إسرائيل ،و ماهي المشتركات بين اسرائيل واحزاب اليمين المتطرف ؟
تعوّلُ اسرائيل على شعبويّة احزاب اليمين المتطرف لايقاف حالة التدهور والانحطاط لسمعة ومكانة الكيان عند الرأي العام الأوروبي ، ووضع حّدْ لمطالبات الشعوب الأوروبية ،بمختلف قطاعاتها (طلبة ،شركات نقل ، أسواق ، مصانع تسليح ) بمقاطعة إسرائيل .
وتعوّل ايضاً على وصول احزاب اليمين المتطرف إلى سدّة الحكم أو إلى الإمساك بقوة اتخاذ القرار في الدولة ،من اجل الحيلولة دون قيام دول اوروبية اخرى بالاعتراف بدولة فلسطين .
ولكن ،ماهي مصلحة الاحزاب اليمينية المتطرفة مع اسرائيل ،او ،بعبارة اخرى ،ماذا تنتظر الاحزاب اليمينية المتطرفة في اوروبا وفي العالم من اسرائيل؟
تجدرُ الإشارة إلى ان مدريد احتضنت بتاريخ 2024/5/21 تجمعاً او مؤتمراً دولياً للأحزاب اليمينية المتطرفة في العالم ، وذلك استعداداً للانتخابات البرلمانية الأوروبية ليوم الاحد المقبل ، وفي هدف الدعم والتحشيد .
ومن ضمن شعارات و مطالب هذا التجمع او المؤتمر، ” دعم اسرائيل في حربها ضد حماس ” . صحيح أن هذا الشعار او المطلب لم يكْ أساسياً، مقارنة بمواضيع الهجرة و الامن الداخلي لبلدان اوروبا ، ولكن ان يردْ في شعارات و مطالب قادة اليمين المتطرف ، امرُ يسترعي التوقف والاستفهام واستشراف نتائجه او تداعيته في المستقبل ،وخاصة أن بعضا من قادة اليمين المتطرف هم في سدّة الحكم ،في الوقت الحاضر ،كإيطاليا، كما عودتّنا الاحزاب اليمنيّة المتطرفة في اوروبا ، الاهتمام كثيراً في السياسة الداخلية، ونادراً ما تتناول مواضيع السياسة الخارجية ، وخاصة الملفات الساخنة منها .
وتجدر الاشارة ايضاً ،إلى ان السيد سانتياغو آسكال ،رئيس حزب فوكس الإسباني ،وهو حزب يميني متطرف ، زار إسرائيل والتقى رئيس الحكومة ، و اعرب عن آسفه لاعتراف إسبانيا بدولة فلسطين ، و رفض حزبه لهذا الاعتراف . ولم يذهب إلى إسرائيل ،باعتباره رئيس حزب فوكس ، وانما ممثلاً لكافة الاحزاب اليمينية المتطرفة .
أعودُ لأُجيب على السؤال ، لمعرفة مصلحة الاحزاب اليمينية المتطرفة مع إسرائيل .
هي الحركة الصهيونية العالمية ، او المؤسسة العالمية الصهيونية ،التي تجمع الطرفيّن : إسرائيل والاحزاب اليمينية المتطرفة .
لاول مرّة تحقق الاحزاب اليمينيّة المتطرفة ،في حملات تبيان الرأي قبيل الانتخابات ،توقعات مثيرة في نجاحها و فوزها ، وتشعر قيادات هذه الاحزاب انها بحاجة إلى دعم قوي ( مادي واعلامي وسياسي ) من المؤسسة الصهيونية لاجتياز عتبة الفوز والنجاح ، كذلك من مصلحة الحركة الصهيونية ومن مصلحة إسرائيل ايضاً ان يستثمرا في هذه الاحزاب الصاعدة في الساحة الأوروبية .
ألا تخشى الاحزاب اليمينية المتطرفة من فقدان اصوات الناخبين بسبب موقفها المؤيد لإسرائيل وبالرغم من موقف الرأي العام الشعبي المؤيد لفلسطين و للمقاومة ؟
جمهور هذه الاحزاب هو من الاوروبين الرافضين لوجود الأجانب في اوروبا ،والذين ( و اقصد الأجانب ) اغلبهم من المسلمين العرب و غير العرب . لذلك جمهور الاحزاب اليمنية المتطرفة ليس متعاطفا ،لاسباب دينية و قوميّة مع فلسطين ومع ما يجري في غزَة . وما يهّمْ الاحزاب اليمينية المتطرفة هو جمهورها والذي يشكل ،حسب استطلاعات الرأي ، نسبة ثلث الناخبين .
موقف الاحزاب اليمنية المتطرفة في اوروبا وفي امريكا اللاتينية والعالم يلتقي مع موقف إسرائيل والصهيونية على مشتركات عديدة و اساسية :
اول هذه المشتركات هو التطرف المعادي للإسلام . وتندرج كافة حركات المقاومة ضد إسرائيل في المنطقة تحت الهوية الإسلامية ، وبالتالي تلتقي الاحزاب اليمينية المتطرفة مع الصهيونيّة و مع إسرائيل في توافقها على العداء للإسلام .
و المُشترك الثاني هو القومية العربية،حيث ينحدر اغلب المهاجرين في اوروبا من أصول عربية ، وما ذكرناه أعلاه عن تطرّف الاحزاب اليمنية ضد الإسلام ،يصحُ ايضاً على معاداتهم وتطرفهم تجاه المهاجرين من أصول عربية.
و المشترك الثالث ، هو التطرف الفكري الذي يجمع الصهيونية واسرائيل واغلب الاحزاب اليمنية المتطرفة ، و اصوله ومصدره هي النازية و الاحتلال و مصادرة ارادة الشعوب و استغلال ثرواتها .
التلاقي بين اهداف ومواقف الاحزاب اليمينية المتطرفة واسرائيل ليس تلاقيا عابرا ، فهو له مرتكزاته ومساراته المدروسة ، وقادة الحركة الصهيونية العالمية في مراقبة وتتبع لمسارات الاحزاب اليمينية الشعبوية المتطرفة ، لغرض توجيهها نحو ما هو مطلوب أوروبياً و دولياً .
د. جواد الهنداوي- سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل