إن القرآن الكريم هو معجزة الله الخالدة، تحدى به أفصح العرب وأبلغهم، واحتوى في طياته على أعظم البيان وأبلغ الكلام، ومن بين سوره المباركة، نجد سورة النمل التي تميزت بأسلوبها البلاغي الفريد وأسلوبها المؤثر، لقد تضمنت السورة العديد من القصص القرآنية التي تحمل في طياتها دروساً عظيمة وعبراً جليلة، تهدف إلى توجيه المسلمين نحو القيم الأخلاقية والدينية السامية.
ومن الأمثلة القرآنية على ذلك، قصة النبي سليمان عليه السلام والنملة، حيث قال الله تبارك وتعالى: “حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ” (النمل: 18-19).
هذه القصة ليست مجرد سرد تاريخي، بل هي توجيه رباني يحمل في طياته أهمية الشكر على النعم، والتواضع، والتفكر في عظمة خلق الله عز وجل، بالتالي، إن تعليمات القرآن الكريم والكتب السماوية تُعدّ بمثابة البوصلة التي ترشد المسلم في حياته، وتزرع في قلبه الإيمان واليقين وتدفعه للسير على الصراط المستقيم.
بالنسبة لسورة النمل التي وقع اختيارنا عليها، إن سورة النمل تبرز جوانب متعددة من التربية الروحية والعقلية والخلقية والاجتماعية، من خلال أساليب بلاغية متقنة وأساليب تربوية مؤثرة، وهذا ما سنقوم بتسليط الضوء عليه، لنستنبط منه الدروس والعبر، ولندرك الحكمة الإلهية في كل آية من آياتها المباركة.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ، وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ.
تتحدث الآيات الكريمة في سورة النمل عن قصص أنبياء الله داود وسليمان عليهما السلام وما آتاهم الله من علم وفضل، يقول الله تبارك وتعالى: “وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ”. يبين الله تعالى في هذه الآية أن الكفار أنكروا آيات الله رغم علمهم ويقينهم بصدقها، ولكنهم فعلوا ذلك ظلماً وتكبراً، وقد أشار المفسرون إلى أن هذا الإنكار كان بدافع الجحود والاستكبار عن الحق، مما أدى بهم إلى مصير الهلاك والفساد.
ثم يقول الله تبارك وتعالى: “وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ”، لقد منح الله تعالى داود وسليمان علمًا وحكمة، فكانا يشكران الله على هذه النعمة ويفتخران بفضله عليهما. وهذا يبرز أهمية الشكر لله على نعمه وفضله، ويضيف تعالى: “وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ”، فقد ورث سليمان عليه السلام عن والده داود العلم والحكمة، وكان قادرًا على فهم لغة الطيور وغيرها من الكائنات، وهذا من أعظم نعم الله عليه.
ثم يستمر القرآن الكريم في ذكر جنود سليمان من الجن والإنس والطير وكيف كانوا يسيرون بترتيب وانتظام، حتى وصلوا إلى وادي النمل. “حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ”. فتبسم سليمان ضاحكاً من قول النملة وشكر الله تعالى على نعمه قائلاً: “رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ”.
وهنا إن الرأي الشرعي في هذه الآيات يؤكد على عدة نقاط جوهرية:
أولاً، يشدد على ضرورة الاعتراف بنعم الله وشكره عليها، كما فعل داود وسليمان، فالشكر يعزز العلاقة بين العبد وربه ويزيد من النعم؛
ثانياً، يبرز أهمية العلم والحكمة في حياة المسلم، حيث أن العلم منحة إلهية تستوجب الشكر والعمل بها بما يرضي الله؛
ثالثاً، يتعلم المسلم من قصة سليمان العدل في التعامل حتى مع أصغر المخلوقات، فالإسلام يدعو إلى الرحمة والرفق بجميع الكائنات.
ومن الجدير بالذكر أن القصص القرآنية ليست مجرد حكايات، بل هي دروس وعبر تهدف إلى تعليم المسلمين القيم الأخلاقية والدينية، وتوجيههم نحو السلوك القويم في حياتهم اليومية، ففهم هذه القصص وتدبرها يعزز من إيمان المسلم ويزيد من وعيه بأهمية الشكر والعلم والعدل في حياته.
أما بالنسبة لتفسير الآيات الواردة في سورة النمل وفق أهم علماء التفسير مثل ابن كثير والطبري والقرطبي يشمل العديد من النقاط المهمة التي تسلط الضوء على معاني هذه الآيات والدروس المستفادة منها.
يقول الله تعالى في سورة النمل: “وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ”. يفسر ابن كثير هذه الآية بأن الكفار أنكروا آيات الله وكفروا بها رغم يقينهم بصدقها في قلوبهم، ولكن دفعهم الظلم والتكبر إلى الجحود بها، هذا الجحود والإفساد الذي مارسوه أدى بهم إلى الهلاك والدمار، كما يظهر في القصص القرآنية العديدة عن عواقب المفسدين.
ثم يقول الله تعالى: “وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ”. يوضح الطبري أن الله منح داود وسليمان عليهما السلام علمًا عظيمًا وحكمة واسعة، وكانا يشكران الله على هذه النعم والفضل، ويرون في هذا التفاضل منة إلهية تستوجب الحمد والثناء.
ويتابع الله تبارك وتعالى في قوله: “وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ”. وفقًا لتفسير القرطبي، ورث سليمان الملك والحكمة من أبيه داود، وكان يتحدث بلغة الطيور ويفهمها، وقد أُعطي من كل شيء من نعم الدنيا والآخرة، هذا الفضل العظيم جعل سليمان يشكر الله ويعترف بفضله المبين.
في الآية التالية: “وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ”. يشير ابن كثير إلى أن سليمان عليه السلام كان لديه جيش عظيم يتألف من الجن والإنس والطير، وكلهم يسيرون بأمره وفي خدمته، منظَّمين في صفوف مرتبة ومنضبطة.
“حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ”. يرى الطبري أن هذه الآية تظهر مدى دقة تنظيم مملكة سليمان، حيث كانت حتى النمل تعرفه وتخاف من جيشه، مما يدل على عظمته وقوة سلطانه.
وأخيراً، “فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ”، في تفسير القرطبي، تبسم سليمان عليه السلام ضاحكًا من قول النملة، وكان هذا التبسم نتيجة فهمه لقولها ودهشته من دقتها. ثم دعا الله أن يوفقه لشكر نعمته والعمل الصالح ودخول الجنة مع عباده الصالحين.
بالتالي، ومن خلال هذه التفسيرات، يتضح أن الآيات تركز على أهمية الشكر لله على نعمه، والتواضع، والتقدير للحكمة والعلم، وكذلك العدالة والرفق في التعامل مع جميع المخلوقات، حتى أصغرها مثل النمل، هذه القيم تعتبر أساسية في الإسلام وتظهر في تعاليم النبي سليمان ووالده داود عليهما السلام، كأمثلة يحتذى بها للمؤمنين، وهذا يؤكد أن القرآن الكريم هو معجزة عظيمة، ومن أبرز جوانب إعجازه هي اللغة التي يستخدمها، كما يتميز القرآن بأسلوب بلاغي فريد، ويتجلى ذلك بوضوح في علم المعاني الذي يدرس أحوال الألفاظ العربية وكيفية مطابقتها لمقتضى الحال، ويشمل القرآن الكريم أيضاً جوانب متعددة من التربية الإسلامية، ويظهر ذلك بوضوح في سورة النمل كما أشرنا في مواضع مختلفة.
وجدير بالذكر أن سورة النمل، وهي من السور المكية، تأتي بعد سورة الشعراء وقبل سورة القصص، وتضم 93 آية، سميت السورة بهذا الاسم لأنها تتضمن قصة النمل، وتحديداً الملك النملة وجنوده، كما تحوي السورة العديد من القصص القرآنية لأبرز الأنبياء، مثل قصة سليمان، وقصة موسى، وقصة لوط، وقصة صالح عليهم السلام.
أما فيما يتعلق بالجوانب البلاغية في سورة النمل، وفق علم المعاني، تحتوي السورة على 86 جملة خبرية، و70 جملة إنشائية، و18 جملة دالة على الوصل، و10 جمل دالة على الفصل، و15 جملة دالة على القصر، وجملتين دالتين على الإيجاز، أما جوانب التربية الإسلامية في سورة النمل فتتنوع بين التربية الروحية والعقلية والخلقية والاجتماعية. من الناحية الروحية، تركز السورة على الدعوة لعبادة الله وتوحيده، والتحذير من العذاب لمن لا يؤمن بالآخرة، مما يزيد من خوف الإنسان من الله ويدفعه للتفكر في الكون لزيادة إيمانه.
وفي الجانب العقلي، تبرز السورة أهمية أخذ العبر والدروس من قصص الأنبياء والأمم السابقة، ومن الجانب الخلقي، تدعو السورة إلى التواضع والشكر لله واحترام الآخرين والصدق في القول. وفي الجانب الاجتماعي، تسلط السورة الضوء على ضرورة الحكمة في القيادة والمشاورة لتحقيق التوافق بين الناس.
بالإضافة إلى ذلك، عند تفسير الآيات من قبل علماء التفسير مثل ابن كثير والطبري والقرطبي، نجد أنهم يوضحون أن الآيات الكريمة تسلط الضوء على عاقبة المفسدين الذين ينكرون آيات الله رغم يقينهم بصدقها. كما يؤكدون على أهمية الشكر لله على نعمه، كما فعل داود وسليمان عليهما السلام، فقد ورث سليمان من والده العلم والحكمة، وكان قادراً على فهم لغة الطيور والكائنات، مما جعله يشكر الله على هذه النعم العظيمة.
وفي هذه السورة، نرى كيف كان جيش سليمان منظماً من الجن والإنس والطير، وكيف أن النملة حذرت قومها من جيش سليمان، مما يدل على عظمة ملكه، أما رد فعل سليمان على قول النملة كان بابتسامة ودعاء لله أن يوفقه لشكر نعمه والعمل الصالح.
من الناحية الشرعية، تعزز هذه الآيات أهمية الاعتراف بنعم الله وشكره، والتمسك بالعلم والحكمة، والعدل في التعامل مع جميع المخلوقات، كما تُظهر القصص القرآنية أهمية القيم الأخلاقية والدينية في حياة المسلم، وتدعو للتأمل والتدبر لتعزيز الإيمان والوعي الديني، بالتالي يجدر بالمؤمنين التأمل في هذه الآيات واستخلاص العبر والدروس منها، فهي ليست مجرد حكايات، بل هي توجيهات إلهية تهدف إلى تعليم القيم النبيلة والسلوك القويم.
وحول الأسلوبية في سورة النمل فهي تعد من المناهج التي تنطلق من النص ابتداءً من أصغر أجزائه، وصولاً إلى النص بصورة كاملة، لتحديد مواضع الانزياح والإبداع فيه، وتحديد مواطن التأثير ومدى توافقه مع الرؤى التي يعبر عنها، حيث تعتبر هذه الأسلوبية من المناهج المعاصرة التي شكلت نقطة تحول في النقد بصورة عامة، فقد شكلت أسلوبية الالتفات في سورة النمل ظاهرة بارزة ذات تأثير جمالي، إذ تساهم في تنبيه السامع وجذب انتباهه، حيث يظهر الانزياح التركيبي في آيات عديدة، كذلك، كان لأسلوبية التقديم والتأخير دور بارز في السورة، مما أضفى عليها جمالية وإبداعاً، إذ يتجلى هذا الأسلوب من خلال تقديم الجار والمجرور، أو تقديم المفعول على فاعله، أو تقديم الخبر على المبتدأ، مما يعزز الفائدة الدلالية والنغمية في الفاصلة القرآنية، ويساهم في إغناء السياق وإيصال بلاغة النص إلى حد الإعجاز.
كما كان لأسلوبية التوكيد دور مهم في ترسيخ حكم النص القرآني وإزالة الشك من ذهن المتلقي، فقد تعددت أساليب التوكيد في السورة، واستخدمت ألفاظ وأدوات وأساليب مختلفة لخدمة دلالة النص، حيث تجري هذه الأساليب ضمن سياق محكم إعجازي، خاضع لقصدية عالية المستوى.
من هنا، من المعروف أن القرآن الكريم معجزة عظيمة، ومن معجزاته هي في ناحية اللغة، وذلك يظهر من خلال استخدام علم البلاغة، ويشمل القرآن جانب التربية الإسلامية، كما في سورة النمل التي تتضمن قصص الأنبياء، كما تحوي السورة جوانب بلاغية متعددة وفق علم المعاني، حيث تحتوي على جمل خبرية وإنشائية، وجمل دالة على الوصل والفصل، وأخرى دالة على القصر والإيجاز.
فيما يتعلق بالجوانب التربوية في السورة، تركز على التربية الروحية من خلال الدعوة لعبادة الله وتوحيده، والتحذير من العذاب لمن لا يؤمن بالآخرة، كما تبرز أهمية التفكير في الكون لزيادة الإيمان، أما من الجانب العقلي، تدعو السورة إلى أخذ العبر والدروس من قصص الأنبياء والأمم السابقة، أما من الجانب الخلقي، تشدد على التواضع والشكر لله واحترام الآخرين والصدق في القول، وفي الجانب الاجتماعي، تبرز أهمية الحكمة في القيادة والمشاورة لتحقيق التوافق بين الناس.
وحول تفسير الآيات من قبل علماء التفسير مثل ابن كثير والطبري والقرطبي يوضح أن الآيات تسلط الضوء على عاقبة المفسدين الذين ينكرون آيات الله رغم يقينهم بصدقها، كما يؤكدون على أهمية الشكر لله على نعمه، كما فعل داود وسليمان عليهما السلام، فقد ورث سليمان من والده العلم والحكمة، وكان قادرًا على فهم لغة الطيور والكائنات، مما جعله يشكر الله على هذه النعم العظيمة، وتتحدث الآيات أيضاً عن تنظيم جيش سليمان المكون من الجن والإنس والطير، وكيف أن النملة حذرت قومها من جيش سليمان، كما ذكرنا آنفاً، مما يدل على عظمة ملكه، وكذلك رد فعل سليمان على قول النملة كان بابتسامة ودعاء لله أن يوفقه لشكر نعمه والعمل الصالح.
من الناحية الشرعية، تعزز هذه الآيات أهمية الاعتراف بنعم الله وشكره، والتمسك بالعلم والحكمة، والعدل في التعامل مع جميع المخلوقات، حيث تُظهر القصص القرآنية أهمية القيم الأخلاقية والدينية في حياة المسلم، وتدعو للتأمل والتدبر لتعزيز الإيمان والوعي الديني.
في النهاية، يجدر بالمؤمنين التأمل في هذه الآيات واستخلاص العبر والدروس منها، فهي ليست مجرد حكايات، بل هي توجيهات إلهية تهدف إلى تعليم القيم النبيلة والسلوك القويم، والقرآن هو دليل المؤمنين في حياتهم اليومية، يوجههم نحو الصراط المستقيم ويحثهم على اتباع الحق والابتعاد عن الباطل.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ كاتب ومفكر – الكويت.