إن خطاب الكراهية والتمييز العنصري لا يُعتبر مجرد إجراءات لغوية بل هو عبارة عن سلوك يهدف إلى إظهار التفوق أو التمييز السلبي ضد فئة معينة بناءً على أصول عرقية أو دينية أو ثقافية أو غيرها، ففي حالة الكيان الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني في غزة، يتجلى خطاب الكراهية والتمييز العنصري في سلوكيات وتصريحات تعبّر بشكل مباشر عن التفوق العنصري “للإسرائيليين” على الفلسطينيين، وذلك بناءً على الانتماء القومي والديني.
ففي السياق الصهيوني، يُظهر خطاب الكراهية والتمييز العنصري تجليات عديدة، منها استخدام لغة مهينة وتحديدية تستهدف الفلسطينيين مما ينعكس على تفاقم التفاوت في المعاملة والفرز العنصري، كما تشمل هذه التصريحات استخدام توجيهات تعتبر تجاهلًا لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بالإضافة إلى ذلك، يتضمن خطاب الكراهية والتمييز العنصري لدى الكيان الصهيوني استخدام مفاهيم دينية أو قومية لتبرير السياسات العنصرية والتمييزية، مما يعمل على تفاقم التوترات العرقية والدينية في المنطقة، على سبيل المثال، تستخدم بعض التصريحات الدينية في “إسرائيل” لتبرير السياسات التوسعية والاستيطانية على حساب الفلسطينيين، مما يعكس وجهاً آخر للتمييز العنصري والتحيز الديني.
إلى جانب ذلك، يُظهر خطاب الكراهية والتمييز العنصري في “إسرائيل” في السياسات والتشريعات التي تفرض قيوداً ممنهجة على حياة الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك الحصار الاقتصادي والعسكري الذي يفرضه الاحتلال الصهيوني على القطاع، ويتجلى هذا الخطاب في استهداف البنية التحتية والمدنية في غزة، مما يعرض حياة المدنيين الفلسطينيين للخطر ويزيد من معاناتهم بشكل كبير.
بهذه الطريقة، يُظهر خطاب الكراهية والتمييز العنصري الذي يمارسه الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في غزة بوضوح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقوانين الدولية، مما يتطلب استجابة دولية فورية وفعالة لضمان المحاسبة والعدالة وحماية السكان المدنيين الفلسطينيين.
من هنا، أعرب كبار المسؤولين في الحكومة “الإسرائيلية”، بما في ذلك رؤساء الدول والحكومات والجيش، بالإضافة إلى المسؤولين الحكوميين والعسكريين على المستويات الدنيا، بشكل علني ومتكرر عن نواياهم في تدمير الفلسطينيين والمجتمع الفلسطيني في غزة؛ ممارسة العقاب الجماعي والتسبب في معاناتهم عبر الهجمات العسكرية والحصار على الضروريات الأساسية؛ وطرد السكان الفلسطينيين من غزة، وذلك من خلال القيام بذلك، فقد عمدوا إلى طمس الخطوط الفاصلة بين المدنيين والمقاتلين، وشجعوا الجيش الصهيوني على التسبب في الموت والدمار على نطاق واسع، أبرز مثال على ذلك تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي استحضر نصوصاً دينية تبرر القضاء على أمة بأكملها، بما في ذلك الرجال والنساء والأطفال، في سياق جهود الحرب الصهيونية.
ففي خطاب متلفز ليلة 7 أكتوبر 2023، أمر رئيس الوزراء نتنياهو 2.2 مليون فلسطيني في غزة بمغادرة المنطقة قائلاً: “الخروج الآن، سنكون في كل مكان وبكل قوتنا”، وفي 28 أكتوبر 2023، أشار نتنياهو في خطاب علني إلى وصايا الكتاب المقدس التي تدعو للقضاء على الأعداء بالكامل، مؤكداً على هذا النهج مرة أخرى في منشور بتاريخ 3 نوفمبر 2023، تلا ذلك تدمير شامل للبنية التحتية، حيث أعلن وزير الدفاع “الإسرائيلي” يوآف غالانت عن “حصار كامل على قطاع غزة” واصفاً الفلسطينيين بـ “الحيوانات البشرية”.
ولم تقتصر هذه التصريحات على نتنياهو وغالانت فحسب، بل امتدت لتشمل مسؤولين آخرين مثل الرئيس “الإسرائيلي” إسحاق هرتسوج الذي أعلن أن “الأمة بأكملها مسؤولة” عن الوضع في غزة، كما صرح وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بأن “القضاء على حماس يعني القضاء على كل من يغني ويدعم ويحتفل”. وبنفس الصدد، دعا وزير الاقتصاد “الإسرائيلي” بتسلئيل سموتريش إلى “الإبادة الكاملة” لغزة، مستشهداً بوصية عماليق من الكتاب المقدس.
وعندما قطع وزير الطاقة “الإسرائيلي” يسرائيل كاتس كل الكهرباء عن قطاع غزة، أكد أن “ما كان لن يكون”، مما يعكس نية واضحة لتدمير الحياة الفلسطينية في القطاع، بالإضافة إلى ذلك، صرح اللواء غسان عليان، المسؤول عن إدارة الحصار على غزة، بأن “الحيوانات البشرية يجب أن تعامل على هذا النحو، لن يكون هناك كهرباء ولا ماء، ولن يكون هناك سوى الدمار”، بالتالي، إن هذه التصريحات العلنية تشكل أدلة واضحة على نية الإبادة الجماعية، بما يتوافق مع تعريف الإبادة الجماعية في القانون الدولي الذي يتطلب نية تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية جزئياً أو كلياً، إن الاعتراف بهذه النية يتم من خلال الأدلة الظرفية والتصريحات العلنية، كما هو موثق في سوابق المحاكم الدولية مثل محاكمات المحكمة الجنائية الدولية لرواندا ويوغوسلافيا السابقة.
بالتالي، إن نية الحكومة الصهيونية لتدمير الفلسطينيين في غزة تتجلى بشكل واضح من خلال التصريحات والأفعال المتكررة التي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، كما أن تدمير البنية التحتية الحيوية واستخدام الخطاب العلني الذي يعبر عن نية تدمير جماعة محددة يستدعي تدخل المجتمع الدولي بشكل عاجل، حيث يجب على المحكمة الجنائية الدولية والدول الأعضاء في الأمم المتحدة اتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم وتقديمهم للعدالة، ومنع تكرار مثل هذه الأعمال الفظيعة في المستقبل، إذ أن تحقيق العدالة للفلسطينيين وضمان حقوقهم الإنسانية هو ليس فقط ضرورة قانونية، بل هو أيضاً واجب أخلاقي تجاه الإنسانية جمعاء.
من هنا، إن نية ضم أجزاء من غزة تبرز بشكل واضح في تصريحات الوزير “الإسرائيلي” جدعون ساعر، عضو في “حكومة الحرب” التي تم تشكيلها حديثاً، حيث أكد أن غزة “يجب أن تصبح أصغر في نهاية الحرب”، حيث تعزز هذه التصريحات من نوايا الحكومة الصهيونية لتقليص حجم غزة وضم أجزاء منها بشكل مباشر أو غير مباشر، كما عبرت غاليت ديستل اتباريان، وزيرة الدبلوماسية العامة السابقة وعضو الكنيست الحالي عن حزب الليكود، عن رغبتها في “مسح غزة كلها من على وجه الأرض”، مشيرة إلى أن “الوحوش الغزية” يجب أن تُجبر على مغادرة غزة أو تواجه الموت، كما دعت ديستل اتباريان إلى تدخل عسكري صهيوني قاسٍ، معتبرة أن أي إجراء أقل من ذلك هو “غير أخلاقي”.
وأضاف نائب رئيس الكنيست وعضو ائتلاف الليكود الحاكم نسيم فاتوري أن الهدف المشترك هو “محو قطاع غزة من على وجه الأرض”، كما أعلن عضو الكنيست أريئيل كالنر عن هدف “النكبة”، مشيراً إلى أن هذه النكبة الجديدة ستفوق نكبة 1948 في حجم الدمار والتشريد، وتوالت التصريحات العدائية من أعضاء الكنيست مثل حانوخ ميلبيتسكي الذي هدد عضو الكنيست أيمن عودة، وهو مواطن عربي فلسطيني في “إسرائيل”، قائلاً: “سوف تموت، وسيموت أطفالك، وسيموت أحفادك، ولن تكون هناك دولة فلسطينية، ولن تكون هناك أبداً”.
بالتالي، هذه التصريحات المتكررة من المسؤولين “الإسرائيليين” تعكس نية واضحة للإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين في غزة، مما يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان، إن هذه النوايا تتعارض بشكل مباشر مع اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، التي تلزم الدول الأطراف بمنع ومعاقبة الأفعال المرتكبة بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بالإضافة إلى ذلك، تُعد هذه التصريحات انتهاكاً لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب، والتي تحظر العقاب الجماعي والتدمير العشوائي للممتلكات المدنية، وتؤكد أيضاً على انتهاك ميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر التهديد باستخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة.
التجرد من الإنسانية
إلى جانب التصريحات التي تعبر صراحة عن النية وتحدد خططاً للتسبب في دمار شامل للفلسطينيين والمجتمع الفلسطيني في غزة، استخدم المسؤولون من أعلى إلى أدنى المستويات في الحكومة “الإسرائيلية” خطاباً مهيناً وتمييزياً ضد الفلسطينيين، مما يعزز من تحليل النوايا العدائية، كما تعتبر هذه اللغة المهينة دليلاً قوياً على وجود نية محددة لارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، كما أظهرت سوابق قضائية سابقة، فعلى سبيل المثال، في قضية كاييشيما وروزيندانا، أخذت المحكمة بعين الاعتبار اللغة المهينة التي استخدمها المتهمون للإشارة إلى التوتسي، مما ساعد في تقييم نيتهم لارتكاب الإبادة الجماعية.
كما أن رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو استخدم مراراً خطاباً يجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم، مستخدماً لغة تصورهم كأشرار عالميين، ففي رسالة إلى الجنود “الإسرائيليين” نُشرت على منصة X (تويتر سابقاً)، وصف نتنياهو الصراع بأنه “حرب بين أبناء النور وأبناء الظلام”، مؤكداً على ضرورة “تغلب النور على الظلام” و”الخير على الشر الشديد الذي يهددنا ويهدد العالم بأسره”، وفي مناسبات متعددة، عبّر نتنياهو عن مشاعر مماثلة، حيث قال: “سيكون هذا انتصاراً للخير على الشر، والنور على الظلام، والحياة على الموت”، كما وصف الهجمات “الإسرائيلية” على غزة بأنها “صراع بين أبناء النور وأبناء الظلام، بين الإنسانية وشريعة الغاب”، وفي رسالة عيد الميلاد، أكد نتنياهو أن “إسرائيل” تواجه “وحوشاً تقتل الأطفال أمام والديهم… هذه ليست معركة “إسرائيل” فقط ضد هؤلاء البرابرة، بل هي معركة حضارة ضد الهمجية”.
بالإضافة إلى ذلك، انخرط العديد من المسؤولين “الإسرائيليين” في استخدام تكتيك التجريد من الإنسانية عند الإشارة إلى الفلسطينيين في غزة، حيث وصفوهم بأنهم “حيوانات بشرية”، وزير الدفاع “الإسرائيلي” يوآف غالانت، على سبيل المثال، صرح عند بدء الحصار الشامل على غزة قائلاً: “لقد أمرت بفرض حصار كامل على قطاع غزة، لن يكون هناك كهرباء ولا طعام ولا وقود، كل شيء مغلق… نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف وفقاً لذلك”، مثل هذه اللغة تستخدم لتمهيد الطريق للعنف المنهجي وتبرير الأعمال العدائية ضد السكان الفلسطينيين.
هذا النوع من الخطاب ليس مجرد كلمات عابرة، بل يشكل جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى نزع الإنسانية عن الفلسطينيين وتبرير العنف الموجه ضدهم، كما يعتبر هذا الخطاب انتهاكاً للقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنسان، فوفقاً لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، يُعد التحريض على الإبادة الجماعية جريمة بحد ذاتها، كما تحظر اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949 استخدام العقاب الجماعي والتدمير العشوائي للممتلكات المدنية.
إضافة إلى ذلك، تشكل هذه التصريحات انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر التهديد باستخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة، وعلى هذا النحو، يتعين على المجتمع الدولي أن يتخذ إجراءات فورية لمحاسبة المسؤولين “الإسرائيليين” عن هذه الانتهاكات الجسيمة، حيث يجب أن تشمل هذه الإجراءات تحقيقات من قبل المحكمة الجنائية الدولية وفرض عقوبات دولية صارمة لضمان وقف هذه السياسات العدائية وحماية المدنيين الفلسطينيين.
من هنا، يجب أن نؤكد على أن الخطاب العنصري الذي يمارسه الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في غزة لا يتوافق مع مبادئ القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، إذ تعتبر القوانين الدولية التي تم تبنيها من قبل المجتمع الدولي لحماية حقوق الإنسان والمنع من الإبادة الجماعية والتمييز العنصري كما هو موضح في المواد التالية:
المادة 7 من ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية: تحظر المادة 7 الإبادة الجماعية وتعتبرها جريمة ضد الإنسانية، حيث يشمل هذا التعريف التمييز العنصري كوسيلة للقضاء على جماعة إثنية أو دينية بأكملها.
المادة 2 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري: تحظر هذه المادة التمييز العنصري في جميع أشكاله وتلتزم الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لمنع ومعاقبة أي أشكال من أشكال التمييز العنصري.
المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: تؤكد هذه المادة على أن كل فرد له الحق في الحياة والحرية والأمان الشخصي دون تمييز بأي نوع من الأنواع، بما في ذلك التمييز العنصري.
وبناءً على ما سبق، يعكس الخطاب العنصري الذي يمارسه الكيان الصهيوني في غزة انتهاكاً فادحاً للقانون الدولي وحقوق الإنسان، ويستدعي استجابة فورية من المجتمع الدولي لمعاقبة المسؤولين عن هذه الجرائم وضمان تحقيق العدالة للضحايا، بالتالي إن عدم محاسبة الجناة يؤدي إلى تفاقم حالات انتهاكات حقوق الإنسان ويعزز ثقافة الإفلات من العقاب، مما يهدد بزعزعة النظام الدولي وتقويض القيم الأساسية التي يقوم عليها.
عبدالعزيز بن بدر القطان: مستشار قانوني – الكويت.