عندما يَطَّلِعُ الإنسان على ردود فعل دولنا العربية على تبني مجلس الأمن لمشروع القرار الأمريكي الأخير بخصوص غزة، ويرى تلك الترحيباتِ منقطعةَ النظير، وإلى ترداد كلمة “شركائنا” بحق الأمريكيين في تناول رد المقاومة، وإلى التواصلات البينية الطبيعية و “المهذبة” بين معالي الصهيوني بلنكن وغيره من مجرمي الحرب الأمريكيين مع معالي وزراء خارجيتنا ومسؤولينا دون شعور بأي مبعث حياة في تلك التواصلات، أو حنق وغضب من ساستنا العرب للقتل الذي ينال أهلهم في غزة وفلسطين، غير التعبير عن القلق والخوف، ومطالبة المجتمع الدولي (يعني بالمختصر أمريكا) بالتدخل، يدرك مدى الأزمة التي تعيشها الأمة بشيخوخة سياستها وساستها، وذاكرتهم القصيرة والمهترئة، ونظرتهم السطحية القاصرة، حتى إنهم نسوا أن الإدارة الأمريكية ليست شريكا ولا حتى وسيطا يمكن أن يوصف بالنزاهة وعدمها، بل هي طرفٌ آثمٌ مجرم مشارك بشكل مباشر في الإبادة القائمة على غزة، فكيف يُسَلَّمُ لمبادراتها، ومقترحاتِها على أنها حياديةٌ ومستقلة، ويُصَفَّق لها بحرارة؟! ويُتعاطى مع إداراتها الصهيونية في سفاراتها وقنصلياتها ومسؤولي خارجيتها ورئاستها بكل أريحية وكأنها ليست هي من يبيد العرب في غزة ويقتل؟!
إن هذا الخَرَفَ الذي تَمَكَّنَ من عقل السياسي العربي، والضعفَ في الدبلوماسية العربية سببٌ رئيسٌ وأولُّ في النظرة الممتهنةِ التي يرى بها العالمُ أمةَ العرب، والاحتقارِ الذي يَلُفُّ جنسهم العربي، وعدمِ عدِّهم شيئا، وقد تم ترجمةُ تلكم النظرةِ الدونية وذالكم الاحتقارِ بالأحداث القائمة في فلسطين، وتصريحاتِ الساسة الصهاينة في الكيان المحتل وفي الكونجرس الأمريكي، دون أي رد معتبر للسياسي العربي، سوى الانبطاح، وليس شيئا سوى الانبطاح، وتبني الزهايمر المبكر في ما نرى من تصريحات وبيانات باهتة متردية..
لا شكَ أن سببَ ذلك هو انبتاتُ هذه الأمةِ عن حبل عزتها، المتمثلِ في دستورها وقرآنها وتراثها وثقافتها وحضارتها المبنية على دين الفطرة المنتخب لهم وللبشرية، والقيمِ العالية التي بناهم عليها، والعقيدة التي استطاعت بها ثلةٌ من الصادقين مجابهة أعتى الدول جبروتا والصمود أمامها لثمانية أشهر وما زالت رغم تواضع مقدراتها، فلما سقطتْ قيمهم وفطرتهم وعقيدتهم سقطوا جميعا، وبصورة مهينة ومدوية ومُذِلة كما نرى اليوم…
على العرب حفظُ بعض ماء وجههم، برفع عقيرتهم عاليا، وانتزاع هامتهم السياسية عن موضع شباشب الساسة الأمريكان، وتصعيدِ سقف حوارهم وبيانهم، بدل الولولة، وبيانات الغفلة، التي يلوكونها كما تفعل “الُوْلِيَّة” التي فقدت زوجها، وأن يكونوا لهم ندا بند، وعينا بعين، رجالا أحرارا، وأن لا يغفلوا عن كيد الصهاينة الأمريكان المنخرطين في الإبادة عليهم في غزة، فهم أخطر من كيد الصهاينة المحتلين في فلسطين، وأن يتركوا عنهم التملق والتزلف، فهناك إبادة عبر الأسلحة والتجويع وحرمان الناس من الدواء والماء والهواء والطعام واقعةٌ على أطفالهم ونسائهم وشيوخهم بغزة… وأن تتوجه الشعوبُ العربيةُ الحرةُ في تحركها بدل أن تتوجه لسفارات الكيان تتوجه جهة الضغط على الإدارة الأمريكية الفاشية، وتزحف نحو تمثيلياتها سفارات وقنصليات للتعبير عن الرفض والاستنكار والامتعاض، وجهة أسوار من يسندهم من الجهات الرسمية العربية حكوميةً وغيرهم، من رأس الهرم إلى آخر مسؤول وصاحب قرار فيه… ونحو أسوارهم وأبراجهم العالية… فهؤلاء أولى بالإسقاط ولعنة الشعوب من الصهاينة المحتلين، لأنهم لولا هم في مواطن القرار لما تجرأ الطغيان على أهلهم بغزة وفلسطين وعليهم في أقطارهم العربية وفي العالم عموما…
عبد الحميد بن حميد بن عبد الله الجامعي
الجمعة :
٧ ذو الحجة ١٤٤٥ هـ
١٤ يونيو ٢٠٢٤ م