مع تجاوز المواجهات شهرها الثامن وتوسع ميدان المعارك بعد توحد الجبهات، خرج تقييم المرحلة الحالية عند قادة كيان إسرائيل حاملا مفاهيم جديدة، وسط حالة من القلق العجز والفشل ، عن تحقيق أي إنجاز ؛ فعلى لسان يوني بن مناحيم إدارة الرئيس الأمريكي الحالي لا يمكنها إبعاد حزب الله عن الحدود وهذا يوجب على إسرائيل أن تستعد لحرب مكلفة ونتائجها غير مضمونة ؛ فوسط تشاؤم كبير داخل كيان إسرائيل وخارجها من الدول الداعمة والخشية من تكاليف حرب مدمرة غير مضمونة النتائج ، فإن بعض قادة الكيان يعلقوا كثيرا من الآمال على جولة هوكشتاين الأخيرة بعد لقاءات جمعته بقادة العدو ، ونتيجة لرسم واقع عسكري أصبح تحقيق وقف إطلاق النار في لبنان مرتبط بقدرة نتنياهو على الالتزام وهذا متعذر ، فتقدير المستوى العسكري داخل كيان إسرائيل “إن الحرب مع حزب الله أمر لا مفر منه” وهذه قناعة ييتفيد من تسويقها الإسرائيلي ومن يتقاطع معه بالمصالح والأهداف ، حتى لو نمقت بعبارات الخوف من الحرب وعدم قدرة لبنان على المواجهة وصولا إلى التهديد بحرب داخلية مذهبية ، هذا يأتي بإطار دعم واقع الصهيوني المأزوم والمهزوم في شتَّى الجبهات من داخل ومواجهات رفح إلى جباليا وصولا إلى إيلات يبقى الخاسر الاسرائيلي الذي لم يحقق أهدافه ويخسر ويلتزم جيشه هدنة تكتيكية هي إعلان عجز عن استمرار المعركة .
فداخل الكيان الإسرائيلي انقسامات حادة بجبهات متعددة سياسية وغير سياسية متاريس حتى داخل الحكومة ،
والسبب هو حجم الخسائر ثم إخفاقات الجيش الذي وصل مرحلة رفض المستوطنين لجيشهم ، وهذا فرض على بعض السياسيين تحميل الفشل لأداء الحكومة والبحث عن سبل لحماية مستقبلهم السياسي ، أدت لإستقالة بني غينتس وحليفِه غادي ايزينكوت واستتبع بما قاله ايزينكوت و أحرج فيه نتنياهو “وأهم من يعتقد أن الجيش لديه قدرة إنهاء كتائب حماس المقاتلة في رفح وإعادة المحتجزين”.
لم يكن بحاجة لكلام ايزينكوت حتى نتأكد أن نتنياهو يزرع وهم ويحصد كذب ، فمعالم الفشل حددها الميدان مع الكشف اليومي للإعلام العبري عن صعوبة المواجهات في القطاع ، وصمود المقاومة فلا يكاد يخلو يوم من الإعلان عن مقتل جنود وضباط وإصابة آخرين ولا يمر بيان لجيش العدو من الاعتراف باصابات خطرة ، فالإعلام العبري اعتمد أسلوب مخاطبة مستوطنيه أن حادث يصفه بالصعب جداً ، بالعودة للميدان فأنباء المعارك في رفح تؤكد خطورة المعركة ، الطوافات العسكريةُ تحول عملها نقل مصابين الى المستشفيات الاسرائيلية.
ويبقى المشهد السياسي داخل الكيان هو الأصعب ، فبعد لقاء ثلاثة من زعماء المعارضة يائير لابيد ، جدعون ساعر وافغدور ليبرمان وإعلانهم العمل لإسقاطِ حكومة بنيامين نتنياهو ، بوقت كان نتنياهو يعلن أن المعركةَ تحتاج سبعة أشهر إضافية ، صحيح أن نتنياهو محمي من تحالف يغطيه الأمريكيُ بدعم كبير ، رغم النفاق الذي تحاول أن تتلطى خلفه إدارةُ جو بايدن فهي لا تزال تغدق على جيش العدو كل أنواع السلاح ، وهي بشراكة فعلية و أمنية معه ولم تبقَ سياسية بل تستعمل نفوذها مع دول العالم والمنظمات ومع الحكومات عربية وإسلامية وتضغط على دول جوار الكيان لإنتزاع التزام وقف المعارك خدمة نتنياهو وبهذا الإطار أتت جولات هوكشتاين إلى لبنان وكذلك تحريك المعارضات في لبنان مع حملات تضليل إعلامية ومؤتمرات تديرها أمريكا ، يكفي إدانة لإدارة بايدن أنها رأت بعدد شهداء مذبحة رفح مقبول لا بل أخطر من موقفها هو انصياع دول وأنظمة لأوامرها وحكومات عربية يتلطخ أيادي خذلانهم كل يوم بدماء أطفال ونساء شعب يذبح في غزة والأسرى عندما يذرفون دموع التماسيح أو ينتقدون من يساند غزة وأهلها ويدعم مقاومتها بعد أن أقلقتهم وحدة ساحات المواجهة وتسعير المعركة بوجه المحتل الصهيوني بالصواريخ اليمنية التي تصل أهدافِها في البحر المتوسط ، تلاقيها مسيّرات عراقية تستهدف إيلات وتتوج المواجهة بالجبهة اللبنانية معركة رتقي فيها مجاهدو المقاومة على طول الجبهة ، عمليات نوعية منها مركبة وإدارة مواجهات بأساليب مختلفة ، صواريخ مسيرات انقضاضية تدمر مواقع العدو الصهيوني وتحصيناته النوعية ثم يأتي الهدد بنبأ عظيم يبلغ أن أنظمة الردع في إسرائيل سقطت وهي فعلا كيان مؤقت أوهن من بيت العنكبوت.
د.محمد هزيمة- كاتب سياسي وباحث استراتيجي