الحوار / نيوز
يبدو للوهّلة الاولى ، أنَّ الجواب سهلٌ و بديهي ، و لتعدّد الأجوبة والاسباب ، ربّما نقول هل مِنْ معنى للسؤال ؟
نعم ،للسؤال معان ،وليس معنى ، سنتوقف عندها وستكشف لنا حقائق . ولا يوجد افضل من الحقائق كمقومات لرسم السياسات ومعرفة استراتيجية الأصدقاء والخصوم و الاعداء .
ليست الامم المتحدة او الصين او روسيا مَنْ يتبّنى مسعى تفادي الحرب في لبنان ، او على الاقل تشارك امريكا الدور ،لاسيما والحرب في لبنان تعني حرباً في المنطقة ، وتتعدى حدود المنطقة ، والجميع يتحدث ويتخوف و يحذّر من تداعياتها ،فعلام تنفردُ امريكا بهذا المسعى، مع الإشارة الى أنَّ لروسيا علاقات جيدة مع اطراف النزاع ،ولها ايضاً تأثير على اسرائيل ،بخلاف الحال مع امريكا ، حيث لإسرائيل التأثير على امريكا وليس العكس . مع الاشارة ايضاً الى انَّ الامم المتحدة هي المعني اساساً في السعي لحلول الامن والاستقرار في العالم ،بل هي المعني بفرض الحلول !
قد تكون نوايا الادارة الامريكة صادقة في مسعاها لتفادي الحرب ، ولكن ،في السياسية لا تكفي النوايا و يُعّول على الافعال . ما تقوم به الادارة الأمريكية هو استجابة لإسرائيل ونقل رسائلها إلى الوسطاء مع قيادات المقاومة في غزّة وقيادات المقاومة في لبنان والحكومة اللبنانية ، وكذلك الضغط ،ليس على حكومة اسرائيل ،و انما على الوسطاء مع الأطراف العربية . ويكفي ان نستشهد بدعوة بايدن لنتنياهو لزيارة واشنطن و القاء كلمة في الكونغرس الاميركي للدلالة على مدى تأثير إسرائيل على امريكا ، وليس العكس ، وعلى قدر “الدلال ” الذي تحظى به إسرائيل لدى الادارة الأمريكية ، هذا بالرغم من التظاهرات و المقاطعة الشعبية والأكاديمة الأمريكية ضّدَ إسرائيل لجرائمها بحق الإنسانية .
ليس لأمريكا مسعى حقيقي ،و انما تخّوف حقيقي وتخبّط حقيقي ، وما تشعرُ به امريكا هو انعكاس لشعور الكيان المحتل .
المساعي الأمريكية ، او بالأحرى ،الضغوط الأمريكية ، من اجل تفادي الحرب وبالشروط التي تريدها اسرائيل ، يدلُ على انها معنيّة بالحرب بالمشاركة الفعّالة ،سلاحاً وجيشاً و مالاً ودعماً ،يدلُ الأمر ايضاً بأن الحرب ،إنْ وقعت ،فهي حربها ( اقصد حرب امريكا ) ، وليس فقط حرب اسرائيل .
أمريكا تُريد ولا تُريد :
تريد تفادي الحرب ،ولكن بالشروط المرسومة من قبل الصهيونية واسرائيل ، لذلك جهودها ومساعيها لم تتوقف . مبعوثها الخاص إلى المنطقة هوكشتاين لم يتوقف عن جولاته بين دول المنطقة ،وخاصة بين لبنان والكيان المحتل ، ولم يتوقف عن اجتماعاته ولقاءاته بقادة لبنان وبنتنياهو ، وكذلك مع قادة دول الوساطة في المنطقة ، وعلى لسانه التهديد تارة والترغيب تارة اخرى . و تداولت وسائل الإعلام معلومات رسميّة مُسّربة ،مفادها ان إسرائيل بعثت رسالة إلى الادارة الأمريكية ،تعلمها بنيتها استخدام اسلحة تدميرية ولأول مرّة إذا اندلعت الحرب مع لبنان . وطبعاً ، وبغض النظر عن صحة او عدم صحة المعلومة ،الهدف هو تخويف وردع حزب الله و لبنان ، كما لا نستبعد قيام اسرائيل باستخدام كل ما تستطيع من السلاح كماً و نوعاً ، وقد برهنت إسرائيل عن قدرتها على ارتكاب ابشع الجرائم والممارسات اللاإنسانية ،وبحق ليس فقط المقاتلين من المقاومة ،وانما بحق الأطفال والنساء و الشيوخ .
إسرائيل منحت النازية فرصة الولادة من جديد في غزّة ، بل وتغلّبت بشراستها على النازية التي شهدها العالم في ثلاثينيات القرن الماضي .
تريد امريكا ان تمّرَ الانتخابات الرئاسية الامريكة ،والمقررة في شهر تشرين الثاني لهذا العام ،من دون حرب .
تريد امريكا الا تتورط في حرب اخرى في منطقة الشرق الأوسط ،وهي وحلفاؤها ،يخوضون الحرب مع روسيا المنتصرة في أوكرانيا .
تريد امريكا حماية اسرائيل من حرب قد تؤدي إلى انهيارها عسكرياً وتفككها داخلياً ، او على الاقل حماية اسرائيل من حرب خاسرة .
ولكن امريكا لا تريد أيضاً .
لا تريد أن تشاركها الصين في اي ملف مِنْ ملفات الشرق الأوسط ، والأسباب معروفة ،فالمنافسة بينهما ، وعلى كافة الصُعد ، تتطلب ابعاد الصين او روسيا او غيرهما من الدول الخارجة عن المدار الأمريكي ، من اي دور يعزّز وجودها وحضورها في المنطقة . ونتذّكر كيف انزعجت امريكا عندما نجحت الصين في جهودها لاعادة العلاقات بين ايران والسعودية في شهر آذار عام 2023 ، حينها صرّح السيد جون كيربي ،الامين العام للامن القومي الأمريكي ” ان الولايات المتحدة تتابع عن كثب سلوك الصين في الشرق الأوسط و أماكن اخرى ” .
امريكا لا تريد تطبيق القانون الدولي و القرارات الامميّة على اسرائيل، ولا تريد ان تتولى الامم المتحدة او مجلس الامن اصدار او تطبيق قرار يُلزمْ اسرائيل بمواقف تتعارض مع ارادتها وسياساتها .
انفراد امريكا ، ومنذ اكثر من سبعة عقود ، بإدارة ملف الصراع العربي الإسرائيلي ،ثمَّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي اصبح صراع مقاومة فلسطينية ضد اسرائيل لم يفضْ سوى الى تعزيز قوة الاحتلال وتمكّنه من التنكيل والبطش وارتكاب جرائم حرب و ابادة .
د. جواد الهنداوي – سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيزالقدرات /بروكسل /