حوار / نيوز
لم أخترْ عنوان المقال ،مثلما يتم تداول السؤال ،في الوقت الحاضر ، وعلى وسائل الإعلام والتواصل و الفضائيات ، وهو : ” ماذا سيكون موقف إيران عندما تَشّنُ اسرائيل حربها على حزب الله او على جنوب لبنان “، وذلك لأن الحرب بين اسرائيل وحزب الله وفي شمال فلسطين و في جنوب لبنان ،هي ، اساساً ،قائمة منذ 8 تشرين الأول 2023 ، أي منذ تاريخ بدء عملية طوفان الأقصى .
ماهو معيار الحرب الشاملة عند اسرائيل؟ هل يعني قصفها جوياً العاصمة بيروت او المرافق العسكرية والحيوية للبنان ؟ وإذا كانت مشكلة اسرائيل هي جنوب لبنان وحزب الله ،فلماذا لا تكتفي بهجوم بري و جوي على جنوب لبنان ،وتصفي حسابها مع حزب الله ؟
ماهي مصلحة اسرائيل إنْ استهدفت آلتها العسكرية مطار بيروت والبنى التحتية للدولة ؟ هل سيستسلم حزب الله أم ستنتصر اسرائيل ؟
اسئلة تستحق الطرح ليس على اسرائبل فقط ،و إنما على مُحبي اسرائيل في لبنان وفي غير لبنان ،او ناصبي العداء لحزب الله .
غرضي مما تقدّم من استفهامات هو لتبيان مدى استفحال النزعة النازيّة والساديّة لنتنياهو ، فهو يقّدّرْ ويقول ضمناً ، بأن عدوه ليس لبنان ، وإنما حزب الله ، ويجب القضاء على سلاحه و تواجده وحلفائه في الجنوب ،ولكن نتنياهو يهّدد بحربٍ شاملة على لبنان .
ينصحهُ الرئيس بايدن ويترجاه ،و تارةً يهدده بقطع المعونة والتسليح بألا يذهب إلى حربٍ في لبنان ، و رجاء بايدن لنتنياهو ليس لإنسانيّته ولا ” كرمال عيون اللبنانين” ، وإنما خوفاً من تداعياتها السلبية على فرصته بالفوز بالانتخابات ، ووضع امريكا العسكري والاقتصادي والشعبي غير ملائم لحرب أخرى وفي منطقة مهمة ، كما ان تقدير امريكا للحرب بين الكيان المحتل و لبنان ستكون خاسرة لاسرائيل ، ولولا هذه الأسباب لما تردّدت امريكا لحظة واحدة في دفع اسرائيل الى الحرب وليس منعها او تحذيرها .
مجرد تردّد اسرائيل وامريكا من الذهاب إلى الحرب ، و شعورهم باحتمال خسارتها ، وتأكدّهم من حجم الدمار الذي سيحّلُ في اسرائيل هو نصف انتصار للمقاومة في لبنان و للبنان .
لماذا لا يكتفي نتنياهو بهجوم بري وجوي على الجنوب و يكتفي جيش الاحتلال بالتوغل في الجنوب ،إذا كان المطلوب هو الحزب و سلاحه ؟
الجواب ،لأنه لا يجرؤ،وهو متأكد من اندحار جيشه أمام حزب الله ،لذلك يلجأ إلى استهداف العاصمة والمرافق و البنى التحية واحداث دمار ،كي يدعّي الانتصار . بالنسبة لنتنياهو ، قتل المدنيين و تدمير البنى التحتية وقتل الناس الأبرياء، هو انتصار ، ومشاهد غزّة دليل على ذلك .
اعودُ الآن إلى السؤال عنوان المقال .
في 2024/3/14 ، وخلال زيارة قائد فيلق القدس ،الجنرال إسماعيل قاآني إلى لبنان ، ولقائه السيد حسن نصر الله ،صرّح الأخير ” بأنَّ الحزب لا يريد ان تنجّر إيران إلى حرب مع اسرائيل و امريكا ” ، وقال السيد ايضاً ” بأننا سنقاتل بمفردنا …” .
ما معنى ذلك ؟
هو إعلان للجميع بأنَّ الحزب قادر على خوض الحرب بمفرده ، إذا فُرضت عليه وعلى لبنان ، وقالها السيد صراحة ” هي معركتنا …” ، و هي رسالة تحدّي لاسرائيل واحدى أسلحة الحرب النفسيّة ، وتوالت بعهدها رسائل عدة ، و أخرها رسالة ” الهدهد ” .
و ما قاله السيد هو ايضاً مؤشر على ان إيران لن تدخل الحرب ،إذا هاجمت اسرائيل لبنان !
ايران لن تدخلْ الحرب وسيكون موقفها غير مختلف عن ذاك الذي تبنتّه مع غزّة وللأسباب التالية:
– لايران ثقة عالية في قدرات الحزب وتجهيزاته وسلاحه ، وللحزب ثقة عالية بمقاتليه وسلاحه وخططه .
– تتحاشى ايران ،كما أعتقد،ان تصطف وتقاتل مع حزب الله كي لا يُفسّر اصطفافها مع حزب الله ،و تجنبها للاصطفاف مع المقاومة في غزّة بدوافع و أسباب طائفيّة .
– لا تريد ايران ان تعطي ذريعة لاسرائيل او لأمريكا بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية ،لاسيما وهي على اعتاب امتلاك القدرات النووية لصنع السلاح النووي ،إنْ قرّرت ذلك .
-استطاعات حماس ان تصمد أمام اسرائيل وامريكا ،رغم القدرات العسكرية المحدودة لحماس ، و استطاعت ان تفوّت على اسرائيل تحقيق الأهداف التي اعلنتها وسعت اليها ، فمن الطبيعي ، اذاً ان يقاتل الحزب ،والذي يمتلك قدرات وسلاح اكثر بكثير من حماس ، بمفرده .
ولكن ،لماذا لم تتوقف امريكا عن التصريحات بتوقعها بدخول إيران إلى جانب حزب الله إذا هاجمت اسرائيل لبنان ؟
تعرف امريكا جيداً بعدم تدخل مباشر لايران الى جانب حزب الله إذا اندلعت الحرب ، وتصريحاتها بخلاف ذلك هو للضغط على نتنياهو وثنيه بعدم الإقدام على الحرب ، ولإدراكها أن بدء الحرب قد يكون سهلاً وتأريخه معلوماً ،ولكن تطورات الحرب ومآلاتها ليست تحت السيطرة ، ولإدراكها ايضاً ، وهو الأهم ، بأن حرب اسرائيل على لبنان هي حرب خاسرة .
هزيمة اسرائيل تعني هزيمة أمريكا في المنطقة و تآكل مكانتها أمام أصدقائها و حلفائها في المنطقة .
الخوض في الموضوع قادني إلى استنتاجيّن :
الأول هو انه في الوقت الذي يصرح السيد حسن نصرّ الله بأن الحزب سيقاتل اسرائيل بمفرده ، تتوسّل قيادات اسرائيل الادارة الأمريكية بضرورة دعمها في الحرب في حال نشوبها مع لبنان .
والاستنتاج الثاني هو أنه لم تعدْ امريكا او اسرائيل قادرتين على تسويق فكرة انهما قوتان ضامنتان لأمن مَن يلوذ ويستجير بحمايتهما . فبعد تزعزع او فقدان الثقة بالدور الأمريكي او بالوعود الأمريكية ، تسقط اليوم الثقة بالقدرات الأمريكية .
د. جواد الهنداوي- سفيرعراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات ، بروكسل