يأتي إطلاق صاحب السُّمو السَّيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشَّباب ـ حفظه الله ـ شارة البدء لتنفيذ برنامج الانضباط العسكري، والَّذي تُنفِّذه وزارة الثقافة والرياضة والشَّباب بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم وعددٍ من الجهات العسكريَّة والأمنيَّة والمؤسَّسات الحكوميَّة ذات الصِّلة، ويستهدف في مرحلته الأولى (700) شاب من مختلف محافظات سلطنة عُمان، والَّذي تستضيفه محافظة ظفار من الفترة الـ(30) من يونيو وحتَّى الـ(24) من يوليو من عام 2024؛ محطَّة نَوْعيّة في تجسيد مفهوم أعمقَ للتربية العسكريَّة وبناء روح الانضباط العسكري الَّذي يتَّجه لتعظيمِ أبجديَّات الحياة العسكريَّة والأمنيَّة ومتطلباتها ومهاراتها، بحيث تبني في الشَّباب فرصًا أعمقَ في فهمِ متطلبات العمل العسكري وثقافة الجنديَّة وإدراك قِيَمها ومبادئها وأخلاقيَّاتها، وتعزيز القناعات الإيجابيَّة نَحْوَها، وذلك من خلال تقريب مفرداتها ونظام عملها إلى نفوس الشَّباب، وربطه بسلوك الجودة والرُّقيِّ الفكري في حياتهم، وتكوين شعور إيجابي لدَيْهم بقِيمة الالتزام والضبط والربط في ترسيخ معانٍ حياتيَّة مِنْهجيَّة سامية، بما تفتحه لَهُم من آفاقٍ جديدة، وما تقدِّمه لَهُم من أُطر تدريبيَّة وتثقيفيَّة ومحاكاة للواقع العسكري والأمني، تُمكِّنهم من إدارة التحوُّلات الحاصلة في حياتهم في إطار من الفهمِ والوعيِ والثقة والأمانة، والانضباط والنظام، موَجِّهات رصينة تتحقق في ضوئها أهداف الوطن ورؤيته الطموحة (عُمان 2040) لبناء الإنسان وصناعة الأمن.
لقد شكَّلت الثقافة العسكريَّة ضرورةً اقتضتها طبيعة التحوُّلات الحاصلة في عالَمنا المعاصر، وما يتطلبه من إعداد جيل واعٍ مدركٍ لمسؤوليَّاته، يحمل في ذاته المبادئ والقِيَم والسلوكيَّات والمهارات والخبرات والمعلومات والمعارف الَّتي تؤصِّل فيهم مسارات القوَّة والوعي والالتزام والولاء والانتماء والاحترام، حتَّى أصبحت ثقافة الضبط العسكري اليوم أحَد الموَجِّهات لبناء منظومة وطنيَّة قادرة على التكيُّف مع معطيات الحاضر والحدس بتوقُّعات المستقبل، وخلق فرص أكبر للتناغم بَيْنَ هذه المنظومة والواقع الاجتماعي، بحيث تُشكِّل رابطة وطنيَّة تأخذ بِيَدِ التنمية، وتوَجِّه مسارات التطوير وأولويَّاته بما يخدم قضايا أمن الإنسان وتعزيز مسارات الوعي، في ظلِّ عمليَّات التحوُّل الَّتي تنظر لمفهوم الأمن في اتِّساعه وشموليَّته وارتباطه بالسلوك الإنساني السَّوي وقدرته على تكوين ممارسات نَوْعيَّة تحفظ للمُجتمع هُوِيَّته وللإنسان موقعه في برامج التنمية، بما يضْمَن ربط هذه الثقافة بحياة النَّاس اليوميَّة وتجلِّياتها في ممارساتهم الحياتيَّة وفق مبادئ تقوم على الالتزام والوعي والاحترام والولاء والانتماء والمشاركة والجاهزيَّة والاستعداد وحُسن استخدام الموارد وجودة التعامل معها، لذلك كانت لها نكهتها الخاصَّة وهُوِيَّتها الَّتي تتفوق بها على غيرها من الثقافات الحياتيَّة الأخرى، عَبْرَ تأكيدها على تأكيد مسألة الضبط والربط، ومُحدِّدات التمكين والثقة بالنَّفْس، والولاء والانتماء، والمسؤوليَّة والقيادة، والتضحية والفداء، والتطوير والتحديث، والقدرات والقدوات، وقِيَم العمل وأخلاقيَّات المهنة والالتزام والانضباط، والجاهزيَّة وإدارة المواقف الصَّعبة، والاستراتيجيَّات والتكتيكات، والتخطيط الممنهج، والابتكاريَّة والتنويع، وصياغة البدائل ورسم سيناريوهات العمل، وهي مبادئ وقواعد تعكس جانب القوَّة والتأثير والتنوُّع والشفافيَّة والمرونة والحَزم في الوقت نَفْسِه، المُعزَّز بحكمة التصرف في المواقف وإعادة قراءة الواقع في ظلِّ طبيعة الظروف والمستجدَّات، فيبني عَلَيْها سلوك النظام والانتظام الَّذي يؤصِّل فِقْه النظام في حياة الشَّباب في الإعداد والتنفيذ والواجبات والمسؤوليَّات والحقوق، وأسلوب الخِطاب والتواصل، ومنهج العمل وآليَّة التعامل، وتنفيذ الأوامر وصناعة البدائل، وبناء الخطط وصياغة سيناريوهات عمل جديدة في ظلِّ وعي ناضج، وتوجيهات نافذة تُعزِّز فيه مستوى الجاهزيَّة والاستعداد وحسَّ المسؤوليَّة.
وعَلَيْه، يأتي عودة برنامج الانضباط العسكري في حياة المؤسَّسة التعليميَّة؛ استشعارًا لِدَوْر الانضباط العسكري وقِيَمه ومفرداته الأصيلة في بناء شخصيَّة الشَّباب وصقلها وفق مبادئ وأُطر محدَّدة تتطلب من منتسبيها تقيُّدهم بأنساقٍ معيَّنة، تقوم على الالتزام والجِديَّة والاتِّزان والامتثال للأوامر العسكريَّة، وهو بذلك يجسِّد في منظوره المتوازن في أعماق المَجد العُماني، معاني المسؤوليَّة باستدامة هذا العطاء وامتداد خيوطه، مَسيرة عطاء ممتدَّة ترعاها مَسيرة الخير لِمُجدِّد النّهضة مولانا حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ لِتضعَنا جميعًا أبناء عُمان وبناتها أمام مسؤوليَّة الوفاء للمنجز العسكري الوطني والمساهمة فيه وإبرازه بالشَّكل الَّذي يضْمَن الوصول إلى الأهداف السَّامية لعُمان، فتعكس مدلولاته الاستثنائيَّة في ترسيخ الثقافة العسكريَّة في سلوك طلبة المدارس، وما تستهدفه من تنمية مواهبهم العسكريَّة والأمنيَّة والقِيميَّة في الجوانب الَّتي تهمُّ حياتهم وعاداتهم الأمنيَّة، وتكوين اتِّجاهات إيجابيَّة وقناعات مبنيَّة على ثقتهم بأنْفُسهم وقدرتهم على تشخيص واقعهم، والتعامل مع قضايا مُجتمعهم بكُلِّ ثقة ومهنيَّة، فنبني فيهم مساحات الوعي والإنتاجيَّة وثقافة العطاء للوطن، وبناء جسور التواصل والثقة المصحوبة بهيبة المؤسَّسة العسكريَّة والأمنيَّة، ومساندتها في تحقيق مهِمِّتها، فترسِّخ فيهم مستويات الاستجابة والجاهزيَّة لتحقيقِ أعلى مستويات الجِديَّة في التعاون وإدارة المخاطر وتوفير الحماية، وفق أساليب مبتكرَة وأدوات مجرَّبة تتناسب مع مراحلهم العمريَّة، وتتناغم مع طبيعة المفردات المعرفيَّة العسكريَّة والأمنيَّة واستيعابهم لها وإدراكهم لمقاصدِها وتوظيف الفرص اليوميَّة المتحقِّقة من عمليَّات التدريب وبناء القدرات والضبط والربط في تقوية الحسِّ الأمني لدَيْهم، وتنمية الملكات الإدراكيَّة في كُلِّ ما من شأنه ربط الشَّباب بواقع الصورة المعايشة الَّتي يعيشها العسكري وتعويدهم على التعامل مع المواقف الَّتي تتطلب مِنْهم عملًا تكتيكيًّا، ومهارات في المواجهة والدَّعم،
وبالتَّالي فإنَّ إسقاط هذه المعاني العظيمة والدلالات الكبيرة على الانضباط العسكري يحمل في طيَّاته دلالات نَوْعيَّة في بناء شخصيَّة الناشئة ويجسِّد عُمق التربية العسكريَّة وقِيمتها في حياة النَّشء ودَوْرها في تشكيل شخصيَّاتهم وبناء قدراتهم وتعميق روح المسؤوليَّة وحُب الوطن والتضحية من أجْلِه في وجدانهم، وهو أمْر نابع من طبيعة الحياة العسكريَّة وطابعها الخاصِّ في ظلِّ وجود قواعد عمل مختلفة وتقاليد أداء ورُتَب عسكريَّة معروفة، قائمة على قِيَم الضبط والربط والالتزام والطَّاعة، والعطاء والإنجاز، والصبر والتحمُّل، وحسِّ المسؤوليَّة وعُمق التفكير، وبناء الخطط، ووضع الاستراتيجيَّات وبناء سيناريوهات العمل، والشهامة والإقدام، والفداء لله والوطن وجلالة السُّلطان، وبما تحمله من متعة الإنجاز، وصفاء النَّفْس، واحترام القيادة، والتزام الأوامر، وما يصاحبها من دماثة الخُلق، ولِينِ الجانب وضبطِ النَّفْس، وسِريَّة المهِمَّة، والجاهزيَّة والاستعداد، والضبط والربط، وحُسن التصرف، وتوظيف الإمكانات واغتنام الفرص، في مناخ تسوده المسؤوليَّة، ويعكس الهيبة والجِديَّة والفخر، في ظلِّ ثبات المبدأ، وبصيرة الرؤية، وإدراك المعطيات، وحدسٍ بالتوقُّعات، وما تفرضه من امتلاك المنتسبِينَ للانضباط العسكري للمهارات والقدرات والاستعدادات، في الانضباط واستخدام السِّلاح الَّتي تهيِّئهم للقيام بالمهام الصعبة، والتعامل مع المواقف المعقَّدة، بما يُعزِّز فيهم قِيَم الواجب والمسؤوليَّة، فيؤدِّي كُلٌّ مِنْهم مهِمَّته بطريقةٍ مبتكرة وروح عالية، ليكُونَ على الصورة الَّتي تليق بمقامه، وتعكس سَمْته العسكري وجاهزيَّته الأمنيَّة، بما يقوِّي فيه دافع العطاء للوطن والولاء للقائد الأعلى للقوَّات المُسلَّحة، ملتزمًا التوَجُّهات والتعليمات الصادرة من القائمين على التدريب العسكري، فيضع نصبَ عَيْنَيْه مصلحة الوطن والمواطنين فوق كُلِّ اعتبار، بما تصنعه هذه المبادئ والقِيَم لدى الشَّباب من معاني الفخر والاعتزاز بقِيمة الحياة العسكريَّة في انضباطهم واصطفافهم في طابور الاستعراض وهُمْ يحملون السِّلاح، ويؤدُّون التحيَّة، ويقومون بإيعاز من قائد طابور العرض بحركات الاستعراض العسكري البطيء والسريع في هَيْبة وعزَّة وصمود وانضباط على وقع وأنغام الموسيقى العسكريَّة، يهتفون ثلاثًا بحيـاة حضرةِ صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم القائد الأعلى ـ حفظه الله ورعاه.
أخيرًا، تبقى عودة الانضباط العسكري لطلبة المدارس محطَّات نَوْعيَّة مدروسة في تعظيم ذاكرة الوطن الحضاريَّة الماجدة، «يستشعر فيها أبناء عُمان وبناتها موقع الوطن في الوجدان، وما تنعم به سلطنة عُمان من نعمة الأمن والأمان والسَّلام والاستقرار، والَّذي ما كان ليتحققَ إلَّا بوجود قوَّات مُسلَّحة جاهزة وعصريَّة ومُعدَّة إعدادًا عاليًا بكُلِّ فروعها وقِطاعاتها، وأجهزة أمنيَّة ضمنت استقرار البلاد واحترام المواطنين، فنحن نقدِّر دَوْرها العظيم لضمانِ منجزات ومكتسبات البلاد ونؤكِّد على دعمنا لها واعتزازنا بِدَوْرها» من خِطاب جلالة السُّلطان 11- يناير- 2020.
د.رجب بن علي العويسي