في زمنٍ تتجلى فيه الصراعات والمحن على مستوى الأمة الإسلامية، يُظهر واقع الحال صورة قاتمة لمآلات أمةٍ لطالما كانت منبعاً للعدل والنصرة، ومن أبرز المشاهد التي تعكس هذه الحال هو البذخ والإسراف في المظاهر الحسينية خلال عاشوراء، والتي قد يكون الأجدر بها أن تُوَجَّه لمساعدة إخواننا في شمال غزة والسودان وكل بقعةٍ تُعاني من الحروب والمجاعات، ويذكرنا هذا الوضع بأن الأمة تُظهر علامات الموت الروحي والمعنوي، وتبدو بلا سبيل لإحيائها.
غزة الجريحة، غزة التي تُذبح على مرأى ومسمع الجميع حول العالم، ألا تستحق منا توجيه كل ما يلزم لتخفيف معاناتهم بعد فشل الحكّام في إنقاذ الأطفال والنساء والعجائز، هل نذبحها مرتين؟!
عارٌ علينا إن لم نتدخل، إن ما يحدث لعالمنا العربي، صفعة مؤلمة على جبين الإنسانية، لكن كيف نساعد وضمير الأمة يتجه نحو الاستثمارات والتطبيع والمساعدة في قتل إخواننا، لمصالح دنيوية ضيقة، سطحية وتافهة، فبدل أن نبذخ على أمور تحت عناوين مختلفة، يجب توجيه البوصلة نحو فلسطين، فلا أحد يزاود على الأمة ويدّعي، فما يحدث بعيد كل البعد عن الدين الإسلامي وحتى عن الإنسانية.
إن نصرة المظلومين والمستضعفين هو من القيم الأساسية في الإسلام، وقد وردت في القرآن الكريم آيات تحث المسلمين على التآزر والتكاتف ومساعدة المظلومين، يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: “وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليًا واجعل لنا من لدنك نصيرًا” (النساء: 75)، هذه الآية تؤكد على أهمية الدفاع عن المظلومين والوقوف إلى جانبهم، وهو ما يجب أن يكون جوهر العمل الإسلامي في مواجهة الظلم والعدوان.
وفي وقتٍ يُفترض أن تتوحد فيه الجهود لدعم المستضعفين، نرى مظاهر البذخ والإسراف تُنفق على ما يسمّى “شعائر دينية قد تكون لها رمزية خاصة لدى البعض، لكنها تفتقر إلى الفعالية في تحسين حياة المسلمين الذين يُكابدون المشاق ويعانون من ويلات الحروب والكوارث، ففي غزة، يعيش الفلسطينيون تحت حصارٍ خانق وظروفٍ إنسانية قاسية، حيث يعاني الأطفال والنساء والشيوخ من نقص الغذاء والدواء والمأوى، وكذلك في السودان، تُواجه الأسر نقصاً حاداً في المواد الأساسية نتيجة للنزاعات المستمرة والكوارث الطبيعية.
ويتجلى في هذا الوضع تَناقض صارخ بين ما تُمليه علينا تعاليم ديننا الحنيف وبين ما تُمارسه بعض فئات الأمة من إسرافٍ في أمور يمكن الاستغناء عنها أو توجيهها إلى ما هو أكثر نفعاً وأجراً، يقول الله تبارك وتعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” (المائدة: 2)، بالتالي، إن التعاون على البر والتقوى يشمل تقديم المساعدة للمحتاجين والمساهمة في رفع الظلم عن المظلومين، وهو ما يتطلب منا توجيه الأموال والجهود نحو دعم هذه القضايا الأساسية.
من هنا، لا يمكن للأمة أن تستعيد مجدها وعزتها ما لم تُراجع مواقفها وتُعيد ترتيب أولوياتها بما يتفق مع القيم الإسلامية الحقة، نحن بحاجة إلى وقفة جادة وصادقة مع أنفسنا، لنرى كيف يمكننا تحويل هذه الطاقات والإمكانات إلى جهود ملموسة تُخفف من معاناة إخواننا في كل بقاع العالم الإسلامي، كما يجب علينا أن نُحيي في قلوبنا مشاعر الأخوة والتضامن، وأن نستحضر قول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: “مَثَلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
إن الأمة بحاجة إلى نهضة روحية وأخلاقية تعيد إليها قوتها وتُجدد فيها روح العطاء والإيثار، فلنتذكر أن الله تبارك وتعالى لا يُغير ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسهم، وأن البداية تكون بإحياء الضمائر وإعادة توجيه الجهود إلى حيث يجب أن تكون، نصرةً للمظلومين والمستضعفين في كل مكان، هذا هو السبيل الوحيد لإحياء الأمة من جديد، وإعادة الحياة إلى جسدها الذي أنهكته الأزمات والصراعات.
عبد العزيز بن بدر القطان