يحتفل العالم اليوم في 29 يوليو من كل عام باليوم العالمي للتنوع الثقافي ومحاربة التمييز العنصري وهي مناسبة عظيمة لتعزيز ثقافة التنوع وقبول الآخر وترسيخ قيم الحوار ونبذ الكراهية والعنصرية التي تضر بالمجتمعات والأفراد على حد سواء.
وتأتي هذه المناسبة تذكيرا بأهمية وضع القيم والنظم والتشريعات التي تدعم مفهوم التنوع الثقافي وتكريسا للحريات والحقوق المدنية والسياسية لمختلف الفئات الثقافية في العالم مما يضمن تحقيق التلاحم والاندماج الاجتماعي بين جميع أفراد المجتمع.
ويمكننا تعريف مفهوم التنوع الثقافي بانه عبارة عن مجموعة من المُعتقدات والسلوكيات التي يهدف وجودها للاعتراف بوجود كل الأطياف البشرية المتنوعة ضمن مجتمع معين متوازناً مع التقدير بوجود الاختلافات الاجتماعية والثقافية ويعبّر التنوع الثقافي عن تواجد مختلف الثقافات والأعراق والأديان في مجتمع واحد مما يؤدي إلى تبادل الأفكار والمعتقدات والعادات بين هذه المجموعات المختلفة.
ولتعزيز هذا التنوع الثقافي حسب رأي أحد المُختصين في علم الاجتماع فإنّ هناك عدة إجراءات يمكن اتباعها لتعزيز هذا المفهوم ومنها على النحو الآتي:
- احترام الاختلافات: يجب أن يكون هناك احترام متبادل بين الأفراد المختلفين في مجتمع معين بحيث يتم قبول واحترام الفروقات بين هؤلاء الأفراد دون تمييز.
- تقدير وتثمين ما تقدمه الثقافات الأخرى: يجب الاعتراف بقيمة وأهمية الثقافات الأخرى وما تقدمه من إسهامات في مختلف المجالات مثل الفنون والعلوم والأدب.
- الإقرار بوجود التنوع الثقافي الغزير: ويتطلب ذلك الاعتراف بوجود تنوع كبير وغني في الثقافات داخل المجتمع الواحد والعمل على تعزيز هذا التنوع.
- الاعتراف بتنوع أشكال التعبير الثقافية المختلفة: يشمل ذلك الاعتراف بأن هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها التعبير عن الثقافة مثل الفنون الشعبية والاحتفالات الدينية وغيرها من المناسبات .
اما عن فوائد التنوع الثقافي في مجال الأعمال فيتعدى أثر التنوع الثقافي الجانب الاجتماعي ليشمل مجال الأعمال حيث يترتب على اتصاف الناس بالتنوع الثقافي العديد من الفوائد والثمار التي يجنوها من ذلك منها :
- زيادة الإبداع والابتكار: يسهم التنوع الثقافي في جلب مجموعة متنوعة من الأفكار وتقارب وجهات النظر مما يزيد من فرص الإبداع والابتكار في مجال الاعمال.
- تحسين اتخاذ القرارات: يمكن للمؤسسات التي تتبنى التنوع الثقافي أن تستفيد من مجموعة متنوعة من الخبرات والمعارف المكتسبة مما يساعد في اتخاذ قرارات أكثر شمولية ودقة.
- جذب المواهب: تعتبر الشركات التي تعزز التنوع الثقافي أكثر جاذبية للموظفين المحتملين وتقلل الدوران الوظيفي حيث يفضل العديد من الأفراد العمل في بيئة متنوعة وشاملة.
- توسيع الأسواق: يساعد التنوع الثقافي الشركات على فهم احتياجات العملاء المتنوعين بشكل أفضل مما يمكنها من تقديم منتجات وخدمات تتناسب مع تلك الاحتياجات.
- تعزيز سمعة الشركة: تعكس الشركة التي تتبنى التنوع الثقافي صورة إيجابية عنها في المجتمع مما يعزز سمعتها ويسهم في بناء علاقات قوية مع مختلف الجهات.
مما يجعل التنوع الثقافي يمثل عنصراً أساسياً في بناء مجتمعات متكاملة ومزدهرة من خلال احترام وتقدير الفروقات الثقافية ويمكنها من تحقيق الفوائد التي تتعدى الجانب الاجتماعي لتشمل المجالات الاقتصادية والمهنية مما يساهم في تطوير مؤسسات أكثر إبداعاً وكفاءة وقدرة على مواجهة التحديات.
ويعتبر التسامح أحد المبادئ الإنسانية الأساسية التي حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف ويمثل أهمية خاصة في تعزيز وحدة وتضامن وتماسك المجتمعات ويسهم في ردع اي خلافات ونزاعات بين أفراد المجتمع مما يحد من أخطار العنف والعنصرية والكراهيه التي تزيد من المعاناة الإنسانية وتهدم العلاقات الاجتماعية.
وهو بمثابة خارطة الطريق لإرساء أرضية صلبة متماسكة وفاعلة لتحقيق الحراك الدبلوماسي والإنساني بين البلدان بهدف نشر التفاهم والسلام وتعزيز التنوع الثقافي بينها وإنهاء اضطراب المجتمعات الإنسانية وتفكك نسيجها في الدول.
وفي هذا العصر المضطرب أن عالمنا فعلا بحاجة ماسة إلى خطاب متسامح ومتزن يقرب بين الشعوب ولا يفرق بينها بسبب الدين أو العرق أو اللون أو أي اختلافات أخرى ويجب علينا مكافحة العنصرية والتمييز بجميع أشكاله والعمل على مكافحة الصور النمطية التي تؤدي إلى وصم الأفراد أو الشعوب بسبب اللون أو الانتماء أو الدين وعلاوة على ذلك يتعين دعم كل المبادئ التي تعزز بناء تنوع ثقافي متناغم يسهم في الارتقاء بحوار الحضارات والثقافات ونشر قيم التسامح والتفاهم والاحترام المتبادل بين الأمم والشعوب.
من خلال تعزيز الأمن والسلم الدوليين وتحقيق أهداف التنمية المستدامة يمكن للدول رفع مستوى الوعي بأهمية هذا التنوع الثقافي في إثراء حضارات الأمم والشعوب لان هذا العالم بحاجة إلى تعزيز كل القيم الإنسانية النبيلة وان البشر على اختلاف مكوناتهم وأشكالهم ينتمون إلى أصل واحد وهم متساوون في إنسانيتهم كما بين الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” (سورة النساء ، الآية 1).
ويعتبر نجاح أي حراك دولي في نشر ثقافة التسامح ونبذ العنف والتعصب بين أفراد المجتمع يؤدي حتماً إلى تكريس ثقافة التوافق الاجتماعي والتعايش والحوار العقلاني البعيد عن الكراهية ويفسح هذا النجاح المجال أمام المجتمعات للمضي قدماً في تحقيق الغاية المشتركة بينهم ويعزز احترام الحقوق الإنسانية والاحترام المتبادل بين مختلف الحضارات والثقافات في جميع دول العالم واستغلال هذه المناسبة العالمية لتجديد الالتزام بنشر التسامح والسلام في ربوع هذا العالم والعمل معاً على بناء عالم أكثر عدلاً ووئاماً يسوده المحبه والسلام المتبادل بين جميع الشعوب والثقافات .
وتُشير الإحصائيات العالمية أن المجتمعات التي تعزز التنوع الثقافي وتحارب التمييز العنصري تعيش في وئام واستقرار أكبر.
و تُعد هذه المجتمعات أكثر قدرة على الابتكار والإبداع لأنها تستفيد من التنوع الفكري والخبرات المتنوعة التي تجنيها من مختلف الثقافات وان تعزيز هذا التنوع الثقافي يعزز الاقتصاد والناتج المحلي لهذه الدول لأن المجتمعات التي تحتضن هذا التنوع الثقافي تشهد نمواً اقتصادياً أكبر بفضل التعاون والتبادل الثقافي بين الدول .
وفي هذا الإطار يلعب التعليم دوراً محورياً في تعزيز ثقافة التسامح ونبذ التمييز لذا يجب على المدارس والمؤسسات التعليمية أن تدمج في مناهجها مفاهيم التنوع الثقافي وقيم التسامح والتعايش السلمي وأن تشجع الطلاب على فهم واحترام الثقافات الأخرى كما يجب أن تلعب وسائل الإعلام دوراً إيجابياً في نشر ثقافة التنوع وقبول الآخر من خلال تقديم برامج ومحتويات تعزز قيم الحوار والتفاهم بين الشعوب.
الدور الريادي لسلطنة عمان في تعزيز التنوع الثقافي ومحاربة التمييز العنصري:
تقوم سلطنة عمان بدوراً بارزاً ومحورياً في تعزيز قيم التنوع الثقافي ومحاربة التمييز العنصري على المستويين المحلي والدولي من خلال التزامها بالعديد من المبادرات والبرامج الأممية التي تسعى إلى تعزيز ثقافة التسامح مما يسهم في تحقيق السلام والاستقرار في السلطنة والمنطقة والعالم أجمع ويمكن من خلال هذه الجهود المتكاملة التي تسعى لها سلطنة عمان إلى بناء مجتمع متسامح ومتناغم يتميز بالسلام والاستقرار ويأتي التزام السلطنة بقيم التسامح مما يجعلها نموذجاً يحتذى به في المنطقة والعالم ويساهم في تعزيز التفاهم والتعايش السلمي بين مختلف الثقافات والشعوب.
إن الاحتفال بهذا اليوم العالمي للتنوع الثقافي ومحاربة التمييز العنصري يفتح قلوبنا وعقولنا لتقبل الآخر ونبذ كل وسائل واشكال العنف العنصري والعمل من أجل بناء مجتمعات أكثر تسامحاً وعدلاً وان يكون الجميع جزءاً من هذا الحراك العالمي لنشر السلام والتفاهم بين الشعوب ولنجعل من كل يوم فرصة لتعزيز التنوع الثقافي ونبذ الكراهية والعنصرية من أجل مستقبل أفضل لنا ولأجيالنا القادمة.
خميس بن سالم الحراصي – ماجستير إدارة أعمال