توجهت ذات صباح قريب إلى مبنى إحدى السفارات بمحافظة مسقط (لا أريد تسمية تلك السفارة، ولا أريد أحد أن يتكهن بهويتها) فنحن جُبلنا أن لا نشهر بأحد، وليس من شيمنا ولا من قيمنا ومبادئنا ذلك، خاصة فيما يتصل بالسلك الدبلوماسي الذي له خصوصيته وهيبته، ونكن له كل الاحترام والتقدير..
وما أورده في هذا السياق هو تعبير عن وجهة نظري المتواضعة حول ما وجدته من بعض العاملين هناك من امتعاض وتأفف أثناء تعاملهم مع المواطنين العمانيين الراغبين في زيارة دولتهم التي متعها الله بمقومات سياحية هائلة، لكن المسافرين إليها قلة قليلة وللأسف الشديد، وربما لأسلوب العاملين بسفارتها دور في هذا العزوف، بالإضافة إلى سبب آخر يعتقده الناس ولا أحبذ ذكره في هذا المقام ..
المهم أدلفت جسدي بتثاقل إلى داخل مبنى تلكم السفارة المتهالك، فتوجست خيفةً من تلك الأجساد العملاقة من الرجال والنساء والصبيان، وهم يتكدسون داخل تلك الصالة البالية التي لا تكاد تميز فيها الموظف من المراجع إلا بتلك الطاولات العتيقة التي يجلسون خلفها، وقد أكل عليها الدهر وشرب، وتتعطر الأجواء فيها برائحة تلك الأجساد المعروفة، وروائح الأطعمة المقلّاة في ذلك المقهى الموجود داخل الصالة، وبجانبه مكتب لنسخ وطباعة المستندات، فتستنشق تلك الروائح المدمجة والتي هي أبعد بكثير عن روائج عطورات أمواج والحرمين وأجمل .. وغيرها..
وبعد انتظار فترة ليست بالطويلة جداً وصل دوري، فتقدمت شاقاً طريقي وسط ذلك الازدحام البشري الكثيف، حاملاً معي جواز سفري وجوازات ثلاثة من أصدقائي تحمسوا لزيارة تلك الدولة، بعدما استمعوا لوصفي لها نتيجة زيارتي لها لثلاث مرات متتالية..
قدمت لموظف الطاولة رقم 7 تلكم الوثائق الرسمية الأربع بلونها الأحمر القاني، المزدان غلافها بالخنجر العمانية المذهبة ذات السيفين والنُصلة، وحييت الموظف الذي لا يكاد يبين وسط تلك الزحمة بأجمل تحية، معرباً له عن رغبتنا العارمة بالتشرف بزيارة بلدهم الساحر الجميل، راجياً منه التعجيل في إصدار التأشيرات لوجود ارتباطات لدينا بعد تاريخ ١٢ أغسطس القادم..
هنالك هز راسه متأففاً وأخبرني أن التأشيرات لن تكون جاهزة قبل سبعة أيام من تقديمها، فصعقني الخبر خاصة ونحن في زمن السرعة ومعظم تأشيرات دول العالم أصبح بالإمكان استخراجها عن طريق الانترنت في زمن لا يتجاوز الساعة الواحدة..
وبعد إلحاح مني وجهني للذهاب إلى الكاونتر رقم 3 وهناك أُبلغت بأن عليَّ انتظار المدير الذي لا يأتي قبل الحادية عشرة صباحاً، فانتظرت إلى حين مقدمه الميمون، وبعد أن شرحت له رغبتي في استعجال إصدار التأشيرات طَلب مني تقديم الطلب ودفع الرسوم المقررة، ففعلت ذلك فوراً، ثم طَلب مني طباعة أمر استعجال معنون إلى القُنصل، فنفذت الأمر فوراً وبدون أي ممانعة،رغم عدم قناعتي بكل هذه الإجراءات التي لا لزوم لها البتة، وليته أخبرني من البداية بعدم الموافقة على تسريع الطلب قبل أن يطلب مني تقديمه ودفع الرسوم المقررة..
في قاعة الانتظار الصغيرة المحشورة أسفل السلم العلوي بمكتب القنصل لم يكن الوضع بأحسن كثيراً عن أسفلها، حيث يتكدس هناك عشرات المراجعين، والأولوية لمن يعرف المترجم أو المترجمة، وأما من أمثالنا فما عليهم إلا الانتظار الطويل، مع التهميش لأدنى درجة ..
حاولت مراراً أن ألفت الانتباه، وأن يكون لي صوتاً مسموعاً يصل إلى المعنيين بالأمر، ولكن دون جدوى، فهم يعلمون أن العربات الفارغة هي الأكثر ضجيجاً..
ولما أعياني الحال.. تسائلت في قرارة نفسي، هل لهذه الوجهة تلك الأهمية لكي يذل الإنسان نفسه إلى هذه الدرجة، طالما أن هذه السفارة لا تريد ترغيب الناس لزيارة دولتها، وجعلها وجهة سياحية يقصدها الناس بيسر وسهولة..
هنالك اتخذت قراراً حاسماً بإلغاء تأشيرات الذهاب إلى هذه الدولة واسترجعت نقودي، وتركت تلك السفارة ظهرياً، وكلي حسرة وأسىً على ذلك الوقت الذي أهدرته في سبيل تحقيق هذا الهدف..
راسلت صاحبنا الذي كان في انتظار زيارتنا في تلكم البلاد، وأخبرته بما حدث، فبكى متأثراً لعدم مجيئنا، منوهاً أنه أعد عجلاً حنيذاً لكي يذبحه ابتهاجاً بزيارتنا المرتقبة التي لم تتم، بسبب سوء معاملة السفارة..
داعياً الله عز وجل أن يصلح الشأن، ويوفق الجميع، ويهيئ لنا ولهم من أمرنا رشدا، واعداً صاحبنا بأن لنا بإذن الله محاولة أخرى في قادم الأيام إذا ما تحسنت الأوضاع، والخير كله فيما يختاره الله، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
مستهزيات يكتبها ناصر بن مسهر العلوي
الخميس ٢٦ محرم ١٤٤٦
الموافق ١ أغسطس ٢٠٢٤