تؤدِّي مؤسَّسة خدمات الأمن والسَّلامة دَوْرًا محوريًّا في مَسيرة التَّنمية الوطنيَّة الشَّاملة وتحقيق مستهدفات رؤية عُمان 2040 في تنظيم سُوق العمل الوطني، وجاء تدشين وحدة التفتيش التَّابعة لمؤسَّسة خدمات الأمن والسَّلامة في 2023 بموجب الاتفاقيَّة الموقَّعة مع وزارة العمل لتقومَ بِدَوْر حيويٍّ في أداء المهام والواجبات في التَّفتيش وتقديم الخدمات المساندة الأمنيَّة وإدارة وتشغيل مقار الرعاية العمَّاليَّة التَّابعة لوزارة العمل. والَّتي قضتِ التَّوجيهات فيها بقيام وحدة التَّفتيش التَّابعة لمؤسَّسة الأمن والسَّلامة بالتَّفتيش الرّقابي والتَّأكد من التزام كافَّة الأطراف بتنفيذ القرارات الحكوميَّة المتعلِّقة بِنَسبِ التَّعمين والمِهن الَّتي يحظر مزاولتها من قِبل القوى العاملة الوافدة. لترسمَ صورة تحوُّل إيجابيَّة في مشهد العمل الرّقابي العمَّالي القادم. وتُشير الإحصائيَّات إلى أنَّ الوحدة ضبطت 11910 عاملًا خلال (8) أشْهُر من بَيْنِهم (8068) عملًا خلال حملات التَّفتيش، في حين سلَّم (249) عاملًا أنْفُسهم للتَّرحيل طواعية، و(400) عامل تسلَّمتهم الوحدة من شُرطة عُمان السُّلطانيَّة، و(2443) استلمتهم الوحدة من سفارات بُلدانهم في سلطنة عُمان، و(750) عاملًا تمَّ إحالتهم من وزارة العمل للتَّرحيل؛ وبلغ عدد العمَّال الَّذين تمَّ الإفراج عَنْهم (1161) عاملًا بَيْنَهم (469) أُفرج عَنْهم لصحَّة بياناتهم بعد عمليَّة الفرز المباشر، و(692) تمَّ الإفراج عَنْهم، سواء من قِبل وزارة العمل أو الادِّعاء العامِّ. كما سلَّمت الوحدة (587) عاملًا بَيْنَهم (169) عاملًا متسللًا إلى شُرطة عُمان السُّلطانيَّة، و(70) آخرين تمَّ نقلُهم لمركزِ الإيواء بسمائل لتنفيذِ أحكامٍ صدرت بحقِّهم، و(227) عاملًا مخالِفًا لقانون العمل تمَّ تسليمهم لشُرطة عُمان السُّلطانيَّة و(121) من المطلوبِين أمنيًّا تمَّ تسليمهم للشُّرطة. وأشارت الإحصائيَّات أيضًا إلى أنَّ عدد العمَّال الَّذين تمَّ ترحيلهم إلى بُلدانهم بلغ (9703) بَيْنَهم (2435) تمَّ ترحيلهم عن طريق سفارات بُلدانهم، و(6520) عن طريق وحدة التَّفتيش و(748) عن طريق وزارة العمل، وتمَّ التحفُّظ على (465) عاملًا لاستكمالِ الإجراءات اللَّاحقة بالتَّنسيق مع وزارة العمل. وبالتَّالي فإنَّ المؤمَّلَ في ظلِّ ما ترصده الإحصائيَّات ومؤشِّرات العمل، أن يُسهمَ في ظلِّ الممكنات الإداريَّة والتنظيميَّة والرقابيَّة في الحدِّ من انتشار الظواهر السلبيَّة للقوى العاملة الوافدة وتداعياتها الأمنيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة ومخاطرها على مُجتمع سلطنة عُمان وسُوق العمل، بالإضافة إلى توجيه بعض الفرص الوظيفيَّة المناسبة، والَّتي كانت تشغلها القوى العاملة الوافدة المخالِفة للقوانين للمواطنين الباحثين عن عمل، ناهيك عن أنَّ كفاءة هذه الإجراءات وثبات الأدوات الرقابيَّة الَّتي تنتهجها يُمكِن أن تسهمَ في إيجاد سُوق عمل محلِّي جاذب وأكثر تنظيمًا يصنع الفرص وينتج الوظائف ويتَّسم بوفرةِ وتنوُّع الأنشطة الاقتصاديَّة والخدميَّة فيه. ما يعكس عكس الصورة المُثلى المراد تحقيقها من إنشاء وحدة التَّفتيش في مؤسَّسة خدمات الأمن والسَّلامة، في إطار دَوْرها الرّقابي الطموح؛ المُعزِّزة بوجود سياسات وطنيَّة واضحة في تعقُّب الفئات العمَّاليَّة والمؤسَّسات المخالِفة لقانون العمل ولوائحه التَّنفيذيَّة والقرارات والتَّعميمات الصَّادرة في هذا الشَّأن، وسدِّ الثَّغرات والمنافذ الَّتي تُشكِّل مبررًا لهذه الممارسات، الأمْرُ الَّذي يضْمن أن تتخذَ آليَّة العمل الوطني شكْلَ العمل المُنظَّم والمدروس الَّذي يؤسِّس لمرحلةِ إعادة هندسة ملف القوى العالة الوافدة بطريقةٍ أكثر استدامة وواقعيَّة ومهنيَّة، تضع الجميع أمام تحمُّل مسؤوليَّته، إذ على المنشآت العاملة في القِطاع الخاصِّ والأهلي تحمُّل مسؤوليَّتها في نتائج وتبعات التَّعاطي السّلبي مع الوافدين المخالِفين للقوانين واللَّوائح العمَّاليَّة وقانون إقامة الأجانب، كما تتَّجه مسؤوليَّة المواطن في الإبلاغ عن هذه الفئة وعدم التستُّر عَلَيْها أو إيوائها أو تشغيلها بِدُونِ ترخيص، والجزاءات والعقوبات النَّافذة في حالة مخالفته لذلك، ودَوْره في مساعدة فِرق عمل وحدة التَّفتيش المشتركة، في ترصُّد وتعقُّب وضبط العمَّال المخالِفين في مختلف محافظات سلطنة عُمان.
وبالتَّالي ما يطرحه هذا الملف اليوم من إشكاليَّات يجِبُ التَّعاطي معها في إطار فلسفة بناء ثقافة وطنيَّة تضع حدًّا لممارسات القوى العاملة الوافدة المخالفة، وفي الوقت نَفْسه تضع المنشآت العاملة في القِطاع الخاصِّ والمواطن على حدٍّ سواء مسؤوليَّة الالتزام بالتَّشريعات واللوائح المنظِّمة لعمل هذه الفئات في أولويَّة الاهتمام؛ كون هذه الفئة تعمل بطريقة غير مشروعة فإمَّا أن تكُونَ هاربة أو متسلِّلة أو مسرَّحة أو مؤجَّرة لدى الغير أو مُشغَّلة في مِهن مخصَّصة للعُمانيِّين، ومسؤوليَّتها الجمعيَّة في تحمُّل تبعات التَّجاوزات الحاصلة بقصدٍ أو بغير قصد، في ظلِّ ما يحصل من استيعاب هذه المنشآت للقوى العاملة السَّائبة وتشغيلها بطريقة غير قانونيَّة، مخالِفةً بذلك قانون العمل وقانون إقامة الأجانب وكُلَّ القوانين ذات الصِّلة بهذه المنظومة. أو كذلك ما يظهر من عدم اهتمام أصحاب العمل أو الكفيل بتوفير عمل فعلي للعمَّال المصرَّح له بتشغيلهم، واقتصار الأمْرِ على مجرَّد استقِطاع مبلغ شهري يودع في حسابه الشَّخصي دُونَ سؤالٍ عن الأعمَّال الَّتي تقوم بها هذه الفئة، ودُونَ مراعاةٍ لِمَا قد تُسبِّبه أو تسبب فيه من ضررٍ لمُجتمعه؛ أو ما تمارسه من جرائم الغشِّ والتَّزوير، أو قيامها بممارسة أنشطة اقتصاديَّة مخصَّصة للمواطن دُونَ غيره. وعَلَيْه يبقى دَوْر المواطن ووعيُه قائمًا، بما يُقدِّمه من معلومات صحيحة أو يرصده من سلوكيَّات، أو يؤطِّره من مبادرات توعويَّة وتثقيفيَّة موجَّهة نَحْوَ هذه الفئة من واقع المشاهدات والملاحظات والتصرُّفات اليوميَّة لها في الأماكن العامَّة، وبناء شراكات مؤسَّسيَّة اجتماعيَّة فاعلة في تعزيز ثقافة الالتزام بالقوانين والأنظمة، بما يضْمَن وصولها لهذه الفئة واستيعابها لها. من هُنَا فإنَّ مؤشِّرات العمل الحاليَّة الَّتي تؤكِّدها الإحصائيَّات تصنع من وحدة التَّفتيش في مؤسَّسة خدمات الأمن والسَّلامة، الطريق لإعادة هيكلة ورسم معالم هذا الملف وتصحيح مساراته، والوقوف على معطياته مراعية في ذلك خصوصيَّة الحالة العُمانيَّة، في ظلِّ ما يؤمل مِنْها من توفير الدِّراسة الأمنيَّة وكافَّة الخدمات التَّشغيليَّة لتشغيلِ وإدارة مقارِّ الرِّعاية العمَّاليَّة وتقديمها لخدمات المساندة الأمنيَّة، وفي تبنِّي برامج رادعة لنموِّ ظاهرة المخالفات العمَّاليَّة، وضبط حالات الهروب، وتأطير مسار المحاسبة والمساءلة وتنفيذ العقوبات التعزيريَّة بالقوى العاملة الهاربة، إذ لا تؤدِّي عمليَّة التَّرحيل الَّتي يدفع تذكرتها المواطن إلَّا إلى مزيدٍ من هذه الممارسات واتِّساع هذه الظاهرة، وبالتَّالي أن تمتلكَ وحدة التَّفتيش آليَّة البحث عن الأسباب الَّتي أدَّت إلى لجوء هذه العمالة الوافدة إلى مخالَفة النِّظام، وضرورة حفظ حقِّ المواطن من هذه العمالة كما حافظت وزارة العمل على حقوق الوافدين، بالإضافة إلى رفع مستوى الحسِّ الأمني باستخدام كفاءة البيانات والرَّصد الفوري للمعلومات وتتبع وجود العمَّال المخالِفين في الشَّركات والمؤسَّسات من خلال برامج تعقُّب متخصِّصة وأنظمة استشعار عن بُعد، وإجراءات عمَّاليَّة تلزم منشآت القِطاع الخاصِّ بالعمل بها، وأن تُسهمَ القنوات الإعلاميَّة والمنصَّات الاجتماعيَّة بِدَوْرٍ أكبر في التَّوعية والتَّثقيف، في ظلِّ تعدُّد لُغات الخِطاب الموَجَّهة في تفسير القوانين النَّافذة لهذه الفئة، بما من شأنه أن يضعَها أمام مسؤوليَّة ضبط ممارساتها، واحترام مكان وجودها، وتعزيز دَوْر فِرق الدَّعم والتَّوجيه والرِّقابة والرِّعاية العمَّاليَّة في إدارة هذا السُّلوك.
أخيرًا، فإنَّ تعظيم الدَّور الرّقابي لوحدة التَّفتيش بمؤسَّسة خدمات الأمن والسَّلامة في تحقيق مهام عملها بكفاءة عالية، وفي ظلِّ ما رصدته مؤشِّرات العمل الإيجابيَّة في الفترة القليلة الماضية، يؤكِّد اليوم على أهميَّة تعزيزها بالصلاحيَّات والممكنات وفرص التَّدريب والتَّأهيل للكوادر العاملة بالمؤسَّسة، وكفاءة الضبطيَّة الممنوحة لها والَّتي سوف تصنع لها القوَّة في تنفيذ مهامها المتعلِّقة بعمليَّات التَّفتيش والضبطيَّة والمراقبة العمَّاليَّة بكُلِّ جدارة، وجملة المراجعات الَّتي يجِبُ أن تطولَ قانون العمل واللَّوائح والأنظمة الَّتي تعمل على تنفيذه، في ما من شأنه الحدُّ من الظواهر السلبيَّة والتَّراكمات والترهُّلات الَّتي ارتبطت بعمليَّة التَّنفيذ وحجم التَّنازلات الحاصلة لصالحِ القوى العاملة الوافدة وحقوقها على حساب واجباتها المهنيَّة والتزاماتها الأخلاقيَّة ومسؤوليَّاتها العمَّاليَّة وتحت مبرِّر متابعة المنظَّمات الدوليَّة لهذا الملف؛ في حين سلبت حقَّ المواطن في التزام هذه الفئة بواجباتها المهنيَّة والوظيفيَّة الَّتي حدَّدها القانون وعقود العمل بَيْنَما ظلَّت عمليَّة قرار التَّنفيذ فيها بِيَدِ العامل الوافد.
د.رجب بن علي العويسي