مرت أربعة عقود (40 عاما) على بدء مشاركات الرياضة العمانيَّة في دورات الألعاب الأولمبيَّة (الأولمبياد العالَمي) حيث كانت أولى تلك المشاركات في أولمبياد لوس أنجلوس عام 1984م وقد تابعنا ذلك الحدث العالَمي من خلف الشاشات بشيء من التفاؤل عل وعسى أن نظفر بميداليَّة أولمبيَّة منذ أول مشاركة، لا سيما أن الرياضة العمانيَّة حققت ميداليَّة برونزيَّة في دورة الالعاب الاسيويَّة في تلك الفترة عن طريق العداء محمد بن عامر المالكي، كما حقق ذهبيَّة 400 متر في دورة آسيويَّة أخرى، خلال تلك المرحلة.
ويجدر الاشارة هنا أن المشاركات العمانيَّة بالألعاب الآسيوية في عقد الثمانينيات تفوقت على عدد من الدول الخليجيَّة في القائمة النهائية للميداليات؛ نظرا لوجود منتخب متميز لألعاب القوى كان يضم نخبة من النجوم أبرزهم العداءون: محمد المالكي والدلهمي والهوتي والحارثي، وشاركت الرياضة العمانيَّة في أولمبياد سول عام 1988م وكانت بدايَّة الانطلاقة العمانيَّة بشكل مشرف ومبشرة بمستقبل جيد، حيث اقترب المالكي من المنافسة النهائيَّة في سباق 400 متر، كما جاء الرامي عبداللطيف البلوشي في المركز ال14 من بَيْنَ المشاركين في بطولة رمايَّة الشوزن، وهذا يعد رقم مشرف في بدايَّة مشاركة رياضتنا العمانيَّة. ولكن ماذا بعد؟!!
منذ عام 1984م الَّذي سجل أول مشاركة عمانيَّة في الاولمبياد العالَمي وذلك بعد اعتماد اللجنة الاولمبيَّة العمانيَّة في العام 1982م كان يُمكِن للرياضة العمانيَّة أن تسير إلى الامام في المشاركات الاولمبيَّة التاليَّة والَّتي بلغت حتى الان 10 مشاركات في الدورة الاولمبيَّة الاخيرة – باريس 2024م ولكن للأسف الشديد ما حدث أن الرياضة العمانيَّة منذ ذلك الحين، وهي تدور في الفراغ، حتى في دورات الالعاب الآسيويَّة تراجعنا للوراء، فالمنتخبات الخليجيَّة المشاركة كلها تقدمت علينا وأصبحت مشاركتنا لحفظ ماء الوجه؟! نعم حققنا بعض الميداليات اسيويا، ولكن كانت الرياضة العمانيَّة هي الأقل حظا بالفوز بالميداليات في نهايَّة كل مشاركة آسيويَّة أما المشاركة الأولمبيَّة فحدث ولا حرج، حيث جاء أغلبها من خلال بطاقات الدعم من قبل اللجنة الاولمبيَّة الدوليَّة فهل هكذا تدار الرياضة؟!!
تطور الرياضة وتحقيق النتائج الايجابيَّة بلا شك يحتاج لخطة عمل طويلة وطموحة وميزانيَّة معقولة، ولا نقول هنا ميزانيَّة ضخمة لأننا لا نطمح الآن للتواجد بَيْنَ دول الصدارة آسيويا وعالَميا، ونعلم أن ذلك يحتاج إلى وقت وأرقام والارقام لا تأتي صدفة أو بمجرد وضع خطة عمل أو تخصيص موازنات لها ولكنها تحتاج إلى زمن ورؤيَّة مستقبليَّة وخطة عمل نموذجيَّة تبدأ بعمل حقيقي لاكتشاف المواهب، وهذا كان يُمكِن أن يتحقق لو كانت هناك خطة عمل حقيقيَّة وموازنات مضبوطة ومنظمة وخطة اكتشاف للمواهب بشكل حقيقي وصقل هذه المواهب، لكن كل ذلك غير متوافر لنا في الرياضة العمانيَّة وهذا الحديث ليس وليد اليوم، وقد طرحناه منذ 3 عقود ونكرره كل 10 سنوات وسوف نظل نكرره حتى 100 عام طالما لا يوجد رغبة حقيقيَّة، وخطة واقعيَّة وإرادة قرار ترسم المستقبل الرياضي، لذلك لا عتب أن نشارك بعد 40 عاما منذ أول مشاركة ببطاقات دعم أولمبيَّة وأرقام معياريَّة حققها بعض نجوم رياضتنا العمانيَّة الَّذين قدموا مؤشرات أن الواقع الرياضي الوطني في عمان يزخر بالمواهب والكوادر والنجوم ولكن لا يوجد للأسف قرار رياضي يوجه للمرحلة المستقبليَّة للرياضة العمانيَّة، ولا توجد خطة عمل حقيقيَّة لاكتشاف المواهب، وكل ما يحدث مجرد تحصيل حاصل اعتمادا على مؤسسات تفرز بعض الرياضيين العاملين لديها مثل قوات السلطان المسلحة وشرطة عمان السلطانيَّة، لكن أن نقدم مشروعا رياضيا حقيقيا نعده للمستقبل على يد اللجنة الاولمبيَّة العمانيَّة فهذا لا يوجد ؟!
الجغرافيا والتضاريس العمانيَّة لا شك تضم مواهب ونجوم تمثل الورقة الرابحة في أي مشروع للرياضة العمانيَّة ولكن أين هي الخطة الرياضيَّة؟! نعلم أن القضيَّة ليست بالتنظير الرياضي وما يقوله الاعلام الرياضي، ولكن نحن نود أن تقدم اللجنة الاولمبيَّة و»وزارة الرياضة» مشروعا واضحا يسبر كل جغرافية السلطنة لاكتشاف المواهب وتنميتها على يد خبراء وكشافين والاخذ بيد تلك المواهب والكوادر الرياضيَّة وتطبيق خطة عمل مضبوطة موقتة زمنيا تماشيا مع الرؤيَّة الرياضيَّة المستقبليَّة للرياضة العمانيَّة، ولا شك ان أي خطة عمل تبدأ أولا بالكشف عن المواهب بمختلف محافظات السلطنة في جميع الالعاب الرياضيَّة وخصوصا ألعاب القوى والسباحة والماراثون والالعاب البحريَّة والدراجات والالعاب الجماعيَّة، ومن هناك تبدأ خطة الاعداد توافقا مع الخطة الزمنيَّة .
للأسف الشديد كل ذلك لم يتحقق للرياضة العمانيَّة، وكلها خبط عشواء مجرد بطولات عسكريَّة أو بطولات محليَّة من قبل الاتحادات الرياضيَّة لأنديَّة محددة ومعروفة أو كوادر معروفة سلفا وهذا الموجود يتم المناورة به، وضخ موازنات في الاتجاه الخطأ، وبعدها نعود لنكرر نفس العبارة ماذا حققنا طوال تاريخ مشاركاتنا الاولمبيَّة؟! هكذا لن يتحقق شيء ومن الاجدى للرياضة العمانيَّة التوقف عن هكذا مشاركات دوليَّة طالما لا يوجد قرار رياضي يقدم مشروعا رياضيا أو رؤيَّة مستقبليَّة ولا توجد خطة رياضيَّة حقيقيَّة، وعندما ندرك أين الخطأ وندرك كيف يُمكِن تصحيح الاخطاء، وكيف يُمكِن تحقيق مشروع رياضي حينها يحق لنا أن نقرر وضع أقدامنا في البطولات الدوليَّة .
خميس بن عبيد القطيطي