الحوارنيوز- بروكسل
بين الطرفيّن ،و اقصد بين أميركا وإسرائيل والمقاومة في غزّة ،معركتان : الاولى معركة حرب الابادة والثانية معركة التفاوض ، وبقدر ما تكون الاولى مؤلمة جداً لشعب ومقاومي غزّة ، تكون الثانية مؤلمة أيضاً لإسرائيل ولأميركا .
كيف ؟
بالرغم من مرور ما يقارب عام على حرب الابادة في غزّة ،وبالرغم من استخدام أميركا و اسرائيل وغيرهما لكل وسائل القتل والتدمير والسلاح المحرّم ،والتجويع والحصار ،لم تستسلمْ المقاومة في غزّة ،وبقيتْ صامدة و ثابتة في موقفها على شروطها في التفاوض . وهذا ما لم يتوقعه لا نتنياهو ولا بايدن ولا غيرهما من اصحاب الأيادي الملطخة بدماء الأبرياء من الأطفال و النساء والشيوخ .
كرّستْ المقاومة في غزّة عملياً المقولة المعروفة ” مَنْ يبدأ الحرب ليس بالضرورة يكون قادراً على ايقافها او إنهائها ” . اصبحت أميركا العظمى تعبّر عن أسفها لعدم تجاوب حركة حماس مع المقترحات الأمريكية، او التعديلات الأمريكية، على مشروع وقف حرب الابادة .
أصبحَ للتفاوض جولات و مقترحات و مشاريع و عواصم ،ورغم كل الضغوط التي تتعرض لها المقاومة في غزّة في الميدان و في اروقة السياسة و العلاقات الدولية ،لم تستسلمْ ،ولم تخضعْ .
الجدير بالملاحظة هو أنَّ المقاومة في غزّة مدعوة للتفاوض غير المباشر وعبر وسطاء ليس مع إسرائيل فقط ،وانما مع إسرائيل وأميركا ، باعتبارهما طرفا واحدا ! وهذا يعني أنَّ أميركا لم تكْ ، في يوم من الايام وعلى مدار سنوات الصراع العربي الإسرائيلي ، وسيطاً محايداً ،غير منحاز لإسرائيل ،و نزيهاً .
لكليهما ( أميركا واسرائيل ) تاريخ اسود، ليس فقط في ارتكاب الجرائم و المجازر بحق الشعوب ،و انما ايضا في المفاوضات ،حيث يستخدمونها وسيلة للخداع والتضليل وكسب الوقت ،وحتى إنْ كُللّت المفاوضات معهما بأتفاق او معاهدة ، فمن النادر التزامهما ببنود وشروط ما اتفقوا عليه . واتفاقيات أوسلو عام 1993 ، بين السلطة الفلسطينية، وإسرائيل و أميركا و برعاية دولية و اممية ، خير مثال على ذلك ،حيث ،وبعد ثلاثة عقود على ابرام الاتفاقيات ،فعلت اسرائيل وبدعم أميركا عكس ما تمَ الاتفاق عليه. فبدلاً من دولة فلسطينية، توسّعت رويداً رويدا إسرائيل و ضمّت اليها مزيداً من الأراضي الفلسطينية،إلى ان شهدنا اليوم قرارا اسرائيليا صريحا وعلنيا من الكنيست يقضي برفض اي مشروع لإقامة دولة فلسطينية.
لم تنسحب أميركا عسكرياً و سياسياً من افغانستان الاّ بالمقاومة ، وموضوع المفاوضات التي جرت بين حركة طالبان و أميركا ،وفي الدوحة ،عام 2020 ، كان حصراً لتسهيل وضمان انسحاب آمن للقوات الأمريكية من افغانستان ،ولم تكْ مفاوضات لضمان او مراعاة مصالح أميركا او نفوذ أميركا في افغانستان ،كانت مفاوضات لترتيب هزيمة القوات الأمريكية .
لم تلتزمْ أميركا ببنود الاتفاق النووي الدولي و الاممي ،الذي وقعّته مع ايران ،بعد مفاوضات طويلة وشاقة ،حيث ، كما هو معلوم ، الغى الرئيس السابق ترامب ، ومن طرف واحد ، الاتفاق ، في عام 2018 .
ما ينطبق على أميركا ،ينطبق على إسرائيل سواء في بشاعة الجرائم التي يرتكبونها في حروبهم ،او في تفاوضهم من اجل اتفاق سلام او تعهّد ما .
بالتأكيد ،تستحضر المقاومة في غزّة ما ذكرناه من شواهد على غدر وخداع أميركا و اسرائيل في التفاوض و الالتزام و الانسحاب الخ … وقد استنتجت المقاومة مراوغة نتنياهو و نزعته الاجرامية قبلَ وخلال المفاوضات ، و انسياق أميركا و دعمها له ،ما يجعل قيادة المقاومة في غزّة ،و المعنية بالمفاوضات ،اكثر حذراً وحرصاً على الا تصبح ،هي الأخرى ، ضحيّة غدر اسرائيل .
الفشل المتكرر للمفاوضات يُلزم المقاومة خيار الاستمرار في المقاومة وبتكتيكات مناسبة لحرب استنزاف لإسرائيل ،وهذا هو السلاح او الجواب المناسب والمُرهق لإسرائيل و لأميركا .
السفير الدكتور جواد الهنداوي