الحوار نيوز – بروكسل
الحرب قائمة ،ومنذ ما يقارب العام ، ونعيش والعالم خطر توسّعها وتمدّدها في كل لبنان وغير لبنان ، وكل طرف يتربصّ للآخر وينتظر منه خطوة البداية .
طرف يتميّز بضبط النفس ( المقاومة ) و آخر يُظهر الاستفزاز والتهوّر ( إسرائيل ) ،و ما جولات التفاوض والوساطات الاّ وسيلة لإسرائيل لتحقيق اهدافها بالنقاط وبأقل خسائر ممكنة ،وليس وسيلة للوصول إلى اتفاق .
اهم انجاز حقّقته إسرائيل ،خلال الحرب قبل توسعّها ، هي الاغتيالات . تجد إسرائيل مرحلة الحرب قبل توسعّها هي الفترة المناسبة لممارسة الاغتيالات ،والتي تطال قياديين في ميدان القتال ، لانها اغتيالات مدفوعة الثمن ،ثمنها هو ما تتلقاه اسرائيل كل يوم من ضربات موجعة لجيشها و مغتصباتها في شمال فلسطين ،فلماذا تتردّد في الاقدام على ارتكاب جريمة غدر واغتيال هنا وهناك ؟ ولماذا تخشى التصعيد طالما هي في حرب تجاوزت فيها كل الخطوط الحمر ؟
أمريكا ،مثل إسرائيل ،تريد القضاء على حماس ، وتريد القضاء على حزب الله ،وتريد القضاء على الحشد الشعبي ،و تريد و تريد ،ولما لا، حتى تصل إلى تخوم روسيا . ولكنها ( واقصد امريكا ) لا تريد الآن الحرب لاسباب عديدة ،اهمها تعثرها في الحرب مع روسيا في أوكرانيا .
بين نتنياهو وبايدن اتفاق : الاول يريد الحرب ، لانه يعتقد بتحقيق اهدافه بأسرع وقت ،والثاني لا يريد الحرب . وفقاً لهذا الاتفاق مسموح لنتنياهو ارتكاب ما يحلو له من جرائم ،وتجاوز كل الخطوط ،ولكن من دون البدء بتوسيع الحرب ، والثاني ( واقصد الرئيس بايدن او الادارة الأمريكية ) يقف على هبّة الاستعداد في منع المقاومة على البدء بتوسيع الحرب ،من خلال ثلاثة اجراءات تكتيكية : خدعة المفاوضات ، مطالبة محور المقاومة بضبط النفس والاتصال بأصدقاء الطرفين لممارسة الضغوط على ايران او على حزب الله من اجل عدم الرّدْ والذهاب إلى توسيع الحرب الخ .. ، والاجراء الثالث هو ارسال البوارج الحربية و الطائرات و الاسلحة ،إلى المنطقة و استعراض القوة والتصريح علناً بان مجيء هذه البوارج والطائرات والتعزيزات هي للدفاع عن اسرائيل . وامس ، 2024/8/22 ، صرّح البنتاغون بأنَّ ما قمنا به من تعزيزات عسكرية إلى المنطقة بعد اغتيال الشهيد هنيَة ،ساهمت بردع إيران والتفكير بعدم الرّدْ ، والذهاب إلى توسيع الحرب .
ولكن ، احتمال توسّع الحرب وارد ، ووارد جداً ،حتى ان بعض المراقبين و المتابعين يتوقعها خلال الايام العشرة المقبلة، وبعض الدول ،والصين منها ،نصحت رعاياها بمغادرة لبنان فوراً . ولطالما الاحتمال وارد ووارد جداً ، وتوسّع الحرب يعني مهاجمة لبنان ،كل لبنان ،فلماذا لا يقدم حزب الله على مبادرة الهجوم ،و نعلمُ كما يقال ” الهجوم خير وسيلة للدفاع ” ؟
لا الحزب ولا حلفاء الحزب يريدون الحرب ، ليست ضرورة قصوى و ليس وقتها ، لأنَ مساحة الكره والعداء لإسرائيل في المنطقة وفي العالم تزداد يوماً بعد يوم . يجدون الحالة او المرحلة الحالية ،والتي وصفتها ( الحرب قبل توسعّها ) ،وهي ،في الحقيقة حرب استنزاف اسرائيل ،مناسبة ،وتؤدي الغرض ، بإنهاك واضعاف اسرائيل وخرابها .
ولكن ماذا لو فُرِضَ توسعّ الحرب على الجميع ؟
هل ستدافع أيران عن لبنان ،كما صرّح بعض القادة الإيرانيين بذلك ؟وهل ستدخل سوريّة الحرب ؟ هل ستدخل روسيا الحرب للدفاع عن سوريّة ،وبينهما اتفاقيات عسكرية واستراتيجية ؟ واسئلة اخرى يفرضها سيناريو توسّع الحرب .
سبقَ لحزب الله ان خاضَ غمار الحرب ووحده مع اسرائيل اكثر من مرّة عام 2000 وعام 2006 ، وانتصر .
وهو الآن ، وحسب ما يعلنه الحزب ،يكشف عن جزء من قدراته العسكرية المتطورة ،وقادر على القتال و محاربة اسرائيل، دون الاستعانة بمشاركة من ايران او من غير ايران ،وقد قالها السيد حسن نصر في خطاباته اكثر من مرّة .
تقديري ،توسّع الحرب ،إن حدث ، سيكون محصوراً جغرافياً وعسكرياً بين جبهة لبنان والكيان المحتل ،ولن يدوم طويلاً ،سيسارع رعاة الطرفيّن إلى احتواء الموقف ، و سترضخ إسرائيل و تطالب بوقف إطلاق النار مع حزب الله ،اي تجميد جبهة الإسناد . هل سيوافق حزب الله او المقاومة في لبنان على وقف الحرب مع اسرائيل،و تجميد جبهة الإسناد ،دون انهاء الحرب في غزّة ؟ لا اعتقد .
حينها ،ستتوسع دائرة المفاوضات لتشمل غزّة ولبنان ،وفي الأمر ،بطبيعة الحال ،تفاصيل .
أستبعدُ تماماً توسّع الحرب وخروجها عن ميدانها المعهود، واقصد غزّة واطراف جبهة الإسناد ( حزب الله ،اليمن ، فصائل المقاومة في العراق ) ، لن تدخل إيران الحرب ، ولن تدخل روسيا الحرب .
هدف الحضور العسكري الأمريكي والغربي في المنطقة برّاً و بحراً و جواً ،هو الحيلولة دون مشاركة أيران في الحرب ،والعمل على احتوائها عند توسعّها في لبنان ، والدفاع عن إسرائيل وعلناً عند الضرورة .
لدى امريكا والغرب شبه قناعة بعدم انخراط عسكري إيراني في الحرب ، ولكن قلقهم وخوفهم على إسرائيل إنما من جبهة جنوب لبنان ،من حزب الله والمقاومة اللبنانية .
يدركون تماماً البون الشاسع في القتال وفي الصبر بين لبنان جنوباً وشعباً وبين مفردات الكيان المحتل .
ويدركون بانهم غير قادرين عن صّدْ صواريخ و اسقاط مسيّرات حزب الله الغائرة على مواقع و منشآت اسرائيل ،لانها قادمة إلى اسرائيل من مسافة صفر .
يدركُ نتنياهو كل هذه الحقائق المؤلمة له ولكيانه ،ولذلك هو لا يقدمُ على توسيع الحرب . تردّده وخوفه مصدرهما جبهة جنوب لبنان ،حزب الله و قدراته العسكرية . وحزب الله يحاول ،يوما بعد يوم ،ان يزيد منسوب خوف و تردّدْ نتنياهو ويثنيه من الاقدام على توسيع الحرب ،من خلال اظهار، وبالتدريج، قدراته العسكرية .
يموت الكيان ويهرب او يفّر من فيه ليس بالضرورة بسلاح او بقنبلة ، وانما من الخوف والتردّدْ والقلق والفزع .
اليوم ،ادركَ الاسرائيليون وغيرهم وهمْ ما كان يراودهم من هدف القضاء على حزب الله ، كونهم عاجزين حتى عن الاقدام على توسّع الحرب مع حزب الله .
د. جواد الهنداوي