كانت فترة ساخنة في نيويورك ، وكنت اكتب في صحيفة مهجرية تقريبا أغلب الموضوعات ، ومنها مقالات وقصص وطرائف إلخ.
وبعد صلاة الجمعة في مسجد بروكلين الذي كان الخطيب الشهير الدكتور عمر عبد الرحمن يخطب فيه ، قام الرجل بمهاجمتي من علي المنبر بسبب مقالاتي في تلك الصحيفة ، وخرجت مظاهرات تهتف ضدي ، بل وتم توزيع منشورات تتهمني باتهامات متعددة .
كان الدكتور نبيل العربي يشغل وقتها منصب المندوب الدائم لمصر في الأمم المتحدة ، وكنت آنذاك سكرتير اول في قنصليتنا بنيويورك.
فوجئت بإتصاله بعد الأحداث السابقة ، وطلب أن أقابله في مكتبه .
أوضح لي أن الوزير عمرو موسي أتصل به كي يعرف ماذا يحدث بالضبط في نيويورك ، بعد أن أكد لي إعجابه وإعجاب السيد الوزير بجهودي في عملي ، بل ومبادرتي بخلق إعلام مصري في أمريكا ، وأن لديه معلومات بمؤتمر عقدته مع بعض الإعلاميين العرب المهاجرين بغرض عمل نقابة للإعلاميين العرب المهاجرين تدافع عن حقوقهم ، وتنظم أعمالهم ، وترتب لخلق لوبي عربي قوي في أمريكا.
شرحت له أبعاد ما حدث ، مندهشا من الموقف الذي اتخذه الشيخ د عمر عبد الرحمن الذي كان قد أرسل طبيبا مصريا أمريكيا كي يتوسط في عمل إجراء غير قانوني للشيخ ، وهو ما رفضته.
بعد حديث مطول شمل موضوعات أخري غير الموضوع السابق ، قدم لي بعض الأوراق البيضاء ، وطلب أن أكتب بالنيابة عنه الرد علي الوزير عمرو موسي .
أي أن هذا الدبلوماسي النبيل تصرف بفروسية معلومة عنه ، ولم يشأ أن يطعنني من الخلف ، وقال أنه للأسف يوجد زميل كتب عنك بشكل سيئ ، مصورا الأمر بأن نيويورك كلها خرجت تهتف ضد اسمي.
وعندما حاولت الإعتذار عن الكتابة بإسمه إلي الوزير ، رفض إعتذاري ، مؤكدا أن ذلك حقي في الدفاع عن نفسي ، خاصة وأنه مقتنع تماما ببراءتي ويتابع الجهد الذي أبذله .
لقد تقلدت فيما بعد منصب مدير إدارة المعاهدات الدولية ، وهو نفس الموقع الذي سبق للدكتور نبيل العربي شغله ( وكذلك الوزير السابق أحمد ماهر ) ، وتقاطعت أراؤنا القانونية ، وتعلمت منه كثيرا.
لقد ترجل أخيرا الرجل النبيل د نبيل العربي ، غادرنا في هدوء عن عمر يناهز 89 عاما ، وهو الذي كانت مذكراته القانونية والسياسية شديدة القوة والإقناع ،
فقدت مصر ، بل والعالم ، فقيها دوليا من الطراز الأول ، ودبلوماسيا رفيعا ، وبالإضافة إلي كل هذا افتقده كإنسان فاضل متواضع وعالم معلم .
رحم الله القاضي النزيه ، ووزير الخارجية العظيم ، وأحد أبرز من شرف بهم منصب أمين عام جامعة الدول العربية ، وارجو من شبابنا النابهين في القطاع القانوني بوزارة الخارجية أو بكليات الحقوق أن يجمعوا مقالات وآراء المرحوم كي تظل مشاعلا مضيئة لكل من يأتي بعدنا .