قَبل عَقدَيْنِ من الزَّمن كانتِ الفرصُ الدِّراسيَّة الجامعيَّة من الهموم الوطنيَّة الَّتي عانَى مِنْها أبناء الوطن العزيز؛ وذلك نظرًا لقلَّة المؤسَّسات الجامعيَّة الَّتي تُلبِّي ذلك العددَ المتزايدَ من الطَّلبة خرِّيجي الثَّانويَّة العامَّة، بعدَها ـ ولله الحمد ـ تجاوزت عُمان هذه الإشكاليَّة من خلال تَعدُّد مؤسَّسات التَّعليم العالي (متنوِّعة التَّخصُّصات) فأصبحت وزارة التَّعليم العالي والبحث العلمي والابتكار تُقدِّم سنويًّا من خلال نظام القَبول المُوَحَّد ما يزيد عن (35) ألْفَ فرصةٍ تعليميَّة بشكلٍ مُطَّرد أغْلَبُها بالجامعات والكُليَّات الخاصَّة العُمانيَّة. ولا شكَّ أنَّ هذا الرَّقم يفتح المجال لاستيعاب أعدادٍ من الدَّارسينَ يحدوهم الأمل في بناء مستقبلهم الدِّراسي والعملي لاحقًا. ومع هذه القفزة في التَّعليم العالي برزت هناك إشكاليَّات أخرى تمثَّلتْ في استيعابِ سُوق العملِ لهذه الأعدادِ الَّتي تتخرج سنويًّا، وما زالت هذه الإشكاليَّة قائمةً حتَّى اليوم. الإشكاليَّة الأخرى الَّتي برزت أيضًا هي عدم الإيفاء بالمتطلَّبات المُرافِقة للمِنح الدراسيَّة من سكَنٍ ونقْلٍ وإعاشةٍ ومتطلَّبات دراسيَّة وقعتْ على كاهل الأُسَر العُمانيَّة.. وحتَّى هُنَا بالإمكان القول إنَّ وزارة التَّعليم العالي والبحث العلمي والابتكار أدَّت ما أمكنَها لتجاوُزِ هذا الهمِّ الوطني بتوفيرِ فرصٍ دراسيَّة جامعيَّة تُلبِّي حقوق أبناء عُمان بالتَّعليم الجامعي والمِنح الدِّراسيَّة والابتعاث الدَّاخلي والخارجي، لكنَّها بالمقابل عجزت عن توفير المِنح الماليَّة والمتطلَّبات الأخرى المُرافِقة لتلك المِنح والبعثات (الدَّاخليَّة) وهي الَّتي تستوعبُ النِّسبة الغالِبة في القَبول المُوَحَّد بَيْنَما استمرَّت المِنح الماليَّة للبعثات الخارجيَّة والكُليَّات والجامعات الحكوميَّة ولله الحمد. وهُنَا تصدَّرت مطالِب المواطنين بتوفيرِ مِنح ماليَّة للابتعاث الدَّاخلي أُسوةً بالمِنح الماليَّة المُخصَّصة لطلبةِ الابتعاث الخارجي وطلبة الجامعات والكُليَّات الحكوميَّة. لكن ـ للأسف ـ لم يتمَّ النَّظر إلى الأمْرِ من قَبيلِ المساواة والعدالة في توزيع المِنح الماليَّة، ودُونَ النَّظر إلى أوضاع أغْلَبِ الفئات من أبناء الوطن أو أيِّ اعتباراتٍ أخرى ولم تستطعِ الوزارةُ إعادةَ جدولةِ هذه المِنح؛ لأنَّها لا تريد الاصطدام بهذه القضيَّة الشَّائكة.
المكرمة السُّلطانيَّة السَّامية بتخصيصِ مِنحة ماليَّة للطَّلبة الدَّارسين في البعثات الدَّاخليَّة بدءًا من العام الدِّراسي 2024/2025م بعَثتْ حالةً من السَّعادة والاطمئنان بَيْنَ أبناء هذا الوطن العزيز منذُ إعلانها؛ باعتبارها رَفعتْ عن كاهل الأُسَر العُمانيَّة تلك الالتزامات الماليَّة الَّتي يتمُّ صرفُها شهريًّا لأبنائها الدَّارسين، لا سِيَّما وأنَّ الغالبيَّة العُظمى من المواطنين لدَيْهم نَفْس الظُّروف من الالتزامات الماليَّة والمصروفات الشَّهريَّة والديون واحتياجات الأُسَر المُتعدِّدة. لكن مع إعلان شروط هذه المِنحة ـ للأسف ـ كُسرت خواطر هذه الأُسَر من خلال تلك الشُّروط المُعلَنة في مِنحة الابتعاث الدَّاخلي. وهذا ـ للأسف ـ لا يُمثِّل عدالةً في توزيع المِنح لعموم البعثات وكأنَّ طلبة البعثات الدَّاخليَّة للجامعات والكُليَّات الخاصَّة أتَوا من كوكبٍ آخر وليسوا شركاء مع أقرانهم الدَّارسين المنتفِعِين في وطنٍ واحد، فقُيِّدت هذه المِنحة بِشُروطٍ غير واقعيَّة من خلال ربطِها بنظام الدَّعم الوطني، بَيْنَما هي غير مشروطة في عموم نظام القَبول المُوَحَّد.
الشُّروط الَّتي وُضِعتْ لهذه المِنحة ـ للأسف الشَّديد ـ لم تُراعِ نقاطًا جوهريَّة، مِنْها وجود أكثر من طالِب دارسٍ في أُسرةٍ واحدة، ولم تُراعِ الظُّروف والصُّعوبات الماليَّة والدُّيون الَّتي يرزح تحت طائلتها أغْلَبُ أبناء الوطن، ولم تُراعِ أنَّها مِنحة تنتهي بانتهاء الدِّراسة الجامعيَّة، وليستْ منفعةً تستمرُّ لفتراتٍ زمنيَّة طويلة على غرار قانون الحماية الاجتماعي الَّذي لم يشترطْ مستوَى الدَّخل! فأين يُوَجِّه هذا المواطن نَفْسَه؟ هل يتكفَّل بتوفير متطلَّبات دراسة أبنائه الَّتي تتجاوز للطَّالب الواحد ما يعادل متوسِّط 200 ريال شهريًّا للوفاء بمتطلَّبات أبنائه الدِّراسيَّة من سكَنٍ وإعاشةٍ ونقْلٍ ومصاريفِ دراسةٍ؟ أم يتكفَّل بتوفير متطلَّبات ومصروفات أبنائه الخرِّيجين الباحثين عن عمل؟ أم أنَّه يتوقَّف عن تسديد ديونه الَّتي لم تستطعْ أغْلَبُ الأُسَر تجنُّبها؟!!
من هذا المنبر نرفع النِّداء للضَّمير الوطني المسؤول عن هذا الوطن بإعادة النَّظر لتعميمِ مِنحة الدَّارسين لِتشملَ كُلَّ الفئات، كما هو الحال لنظام الحماية الاجتماعيَّة، وكُلُّنا أمَل في احتواء هذا المشهد الوطني وبوارق الأمل والخير لا شكَّ تعلُو مُحيَّا هذا الوطن العزيز ولله الحمد.
خميس بن عبيد القطيطي