أشار تقرير إخباري لوزارة التَّربية والتَّعليم تمَّ نشره يوم الاثنين السَّادس والعشرين من أغسطس لعام 2024 بمناسبة بدء العام الدِّراسي الجديد 2024/2025 ودوام المُشرِفين والهيئات التَّعليميَّة والوظائف المُرتبطة بها، والفئات المُسانِدة لها أعمالهم بمختلف مدارس سلطنة عُمان في جميع الصُّحف المحليَّة الورقيَّة والإلكترونيَّة، إلَّا أنَّ أعداد المُعلِّمين في المدارس الحكوميَّة بلغ (61195) مُعلِّمًا ومُعلِّمة بنسبة تعمين بلغت (87.6%)، موزَّعين على (1269) مدرسةً، كما بلغ عدد الإداريِّين، والفنيِّين بالمدارس الحكوميَّة (10652) إداريًّا، وفنيًّا مِنْهم (4306) من الذكور، و(6346) من الإناث بنسبة تعمين بلغت (99.8%)، أمَّا عدد المُعلِّمين في مدارس التَّربية الخاصَّة فبلغ (220) مُعلِّمًا ومُعلِّمة بنسبة تعمين بلغت (93%)، وإجمالي عدد الإداريِّين في مدارس التَّربية الخاصَّة (52) إداريًّا وإداريَّة بنسبة تعمين بلغت (83%.)، ولم يتمَّ الإشارة في التَّقرير إلى مستوى الزِّيادة في أعداد المُعلِّمين الوافدين في المدارس الحكوميَّة بسلطنة عُمان، إلَّا أنَّ مفهوم نسبة التَّعمين الوارد في التَّقرير باتَ واضحًا ويُعطي دلالات صادمة ترفع أعداد المُعلِّمين الوافدين إلى ما يزيد على (7000) مُعلِّم ومُعلِّمة، وبنسبة بلغت (12.4%) من أعداد المُعلِّمين، في مشهدٍ صادمٍ يعكس حالةً من العشوائيَّة وغياب التَّخطيط السَّليم في منظومة الموارد البَشَريَّة بوزارة التَّربية والتَّعليم.
وعَلَيْه، فإنَّ مشهد الارتفاع في أعداد المُعلِّمين الوافدين في المدارس الحكوميَّة يحمل الكثير من التَّساؤلات ويضع النّقاط على الحروف، كما يطرح علامات استفهام كُبرى في مسار التَّخطيط للموارد البَشَريَّة، واحتياجات المدارس الحكوميَّة، ثمَّ غياب الرُّؤية الاستشرافيَّة في قراءة المشهد التَّعليمي بسلطنة عُمان والحدس أو التنبُّؤ بالتحَوُّلات الحاصلة في ظلِّ المؤشِّرات الإيجابيَّة الَّتي تتحدَّث عَنْها وزارة التَّربية والتَّعليم بشأن نسبة المُعلِّمين لأعداد الطَّلبة في الصُّفوف الدراسيَّة أو التَّسرُّب والانقِطاع ومَحْوِ الأُمِّيَّة وزمن التَّعلُّم والنِّصاب التَّدريسي للمُعلِّمين والخطَّة الدِّراسيَّة، في حين يظلُّ ملفُّ المُعلِّمين الوافدين في طَيِّ الكتمان دُونَ وضوحٍ في تفسير الأسباب الَّتي دعَتْ إلى زيادة أعداد المُعلِّمين الوافدين؛ ذلك أنَّ ما تُشير إِلَيْه إحصائيَّات التَّعمين في المواد الدِّراسيَّة يُشعر بخيبةِ أمَل، إذ رغم هذا التَّحفُّظ على الأرقام في أعداد المُعلِّمين الوافدين إلَّا أنَّ عودة إلى الوراء قليلًا ووفق إحصائيَّات (2023/2024) فإنَّ نسبة التَّعمين في مواد التَّربية الإسلاميَّة (96.1%) واللُّغة العربيَّة (91.6%) واللُّغة الإنجليزيَّة (85.8%) والتَّاريخ (88.3%) والجغرافيا (91.1%) وغيرها من المواد، في ظلِّ وجود المخرجات الوطنيَّة في التَّخصُّصات التَّربوية كباحثينَ عن عمل، يدعو إلى التَّعجُّب، ليس في عدم وجود المخرجات الَّتي تنتظر الدَّوْر وتُواجِه حوائط الصَّدِّ في تسلُّط الإجراءات والقرارات التَّعجيزيَّة على خيار استحقاق المواطن الوظيفي وحقِّ المخرجات في أن يكُونَ لها موقع الصَّدارة في سدِّ فجوة التَّعمين.
من هُنَا تُعِيدُ هذه الأعداد الصَّادمة جهود التَّوطين والتَّعمين إلى المربَّع الأوَّل، وبالنَّظر إلى المشهد التَّعليمي قَبل خمسة عشر عامًا فإنَّ قلَّ أن تجدَ مُعلِّما وافدًا في محافظة مسقط ومراكز المحافظات الأخرى في المواد الدِّراسيَّة وأكثر تركُّزهم في المهارات الموسيقيَّة، بَيْنَما قد يكُونُ لَهُم وجود في المدارس البعيدة بالمحافظات وبخاصَّة محافظتا ظفار والوسطى، بَيْنَما نجد اليوم انتشارًا واسعًا للمُعلِّمين الوافدين في مراكز المُدُن وبنسبٍ كبيرة قد تصل إلى (30%) من أعداد المُعلِّمين في المدارس وبالتَّالي يدعو هذا الأمْرُ إلى التَّأمُّل وتَبنِّي مسار وطني واضح في المراجعة والمعالجة، فإن كانت المسألة مرتبطةً بقلَّة المخرجات في التَّخصُّصات التَّربوية من الذكور فيعادُ توفيرها من خلال جامعة السُّلطان قابوس وكُليَّة الرستاق وفتح المجال للتَّأهيل التَّروي بَيْنَ الذكور، وإن كانت المسألة مرتبطةً بغيابِ التَّخطيط والرَّصد والتَّشخيص فينظر إلى منظومة البيانات والإحصاءات الوطنيَّة عَبْرَ المركز الوطني للإحصاء والمعلومات ووزارة العمل بشأن تحديث بيانات الباحثين عن عمل من مخرجات التَّخصُّصات التَّربوية، وإن كانت المسألة مرتبطةً بضعف الرَّغبة لدى المُجتمع في مهنة التَّعليم وأنَّها غير جاذبة فيجِبُ تعزيزها بمنظومة واسعة من الحوافز والممكنات والصَّلاحيَّات، وأن يتَّجهَ العمل في إطار قانون التَّعليم إلى تعظيم منظومة الحوافز.
على أنَّ ما يَظهر من وجود المُعلِّمين الوافدين في تخصُّصات من الممكن أن يشغلَها الشَّباب العُماني والمخرجات الوطنيَّة في التَّخصُّصات التَّربوية، سواء من مخرجات جامعة السُّلطان قابوس ومؤسَّسات التَّعليم العالي يضع اليوم من مسألة ازدواجيَّة المعايير وغياب التَّقنين وعدم وضوح المسار واتجاه الأدوات إلى البيروقراطيَّة والتّكراريَّة والتَّقليديَّة والصورة القاتمة الَّتي ولَّدتها الاختبارات التَّعجيزيَّة والَّتي ـ بلا شك ـ لا يُمكِن أن تحدِّدَ شخصيَّة المُعلِّم وكثرة القرارات التَّغييريَّة في التَّعليم الَّتي تختزل الأبعاد الاجتماعيَّة والإنسانيَّة والوطنيَّة، للقناعة بأنَّ عمليَّة التَّدريس قَبل أن تكُونَ معلومات نظريَّة، إنَّما هي منهج عمل وسلوك يعكس قدرة المُعلِّم على إدارة الصَّف والتَّعامل مع الطَّلبة، واستيعاب التَّغييرات الداخليَّة، والجاهزيَّة الأدائيَّة وقدرته على التَّخطيط ووضع الأهداف، وهي أمور تطبيقيَّة عمليَّة تتَّجه إلى تَبنِّي سياسات تقييميَّة أخرى في انخراط المُعلِّمين في المدارس والالتحاق بالتَّدريس وعَبْرَ وضع المُعلِّم في نُظُم محاكاة ومواضع التَّجربة والتَّقييم، بالإضافة إلى تَبنِّي مسار رُتب المُعلِّمين وتدرُّج الكادر التَّعليمي بالمدارس بحيث يبدأ تعيين المُعلِّمين في وظيفة المُعلِّم المبتدئ ثمَّ المُعلِّم ثمَّ المُعلِّم الأوَّل وفق مسار متدرِّج ومعايير وأُطُر واضحة. هذا الأمْرُ يأتي في ظلِّ تصدُّر المشهد المالي في واجهة الحدَث، وقناعة القائمين على وزارة الماليَّة بأنَّ ما يُمكِن أن يدفعَ من راتب للمُعلِّم العُماني الواحد قد يوفِّر مُعلِّمين أو ثلاثة وافدين، وقد تناسَى أصحاب هذه الأفكار أنَّ ما توفِّره الوزارة من خدمات الإقامة والتَّأشيرات ومرافقة أُسرة المُعلِّم الوافد وسَفره يفوق بكثير ما يُنفق على المُعلِّم العُماني، وحسبي أن تكُونَ عقليَّة النّدرة وهاجس الخواجات ما زال يلاحق المسؤول الحكومي، الأمْرُ الَّذي يوفِّر مساحة أوسع لنُموِّ هذه الأفكار ويصنع في الوافد قوَّة وثقة وهو ما قد يسري أيضًا على قِطاع الأعمال وارتفاع أعداد الوافدين في القِطاع الخاصِّ.
عَلَيْه، فإنَّ هذا التَّباين الحاصل في الموضوع وكومة الأفكار الَّتي طرحت بشأن موضوع الباحثين عن عمل ومنظومة التَّشغيل وتوطين الوظائف، يؤكِّد اليوم على أهميَّة تَبنِّي مسار وطني واضح في الإحلال، من خلال إيجاد خطط إحلال دقيقة في المواد الَّتي لم تصلْ إلى التشبُّع من خلال تشجيع المخرجات على التَّأهيل التَّربوي في التَّخصُّصات القريبة من التَّخصُّصات التَّربويَّة، وغيرها من المُحفِّزات الَّتي تضْمَن انخراط الشَّباب العُماني في التَّخصُّصات التَّربويَّة كما نؤكِّد على أهميَّة مراجعة هذه التَّخصُّصات الأكاديميَّة في جامعة السُّلطان قابوس ووزارة التَّعليم العالي والبحث العلمي والابتكار والبعثات الخارجيَّة، بحيث يكُونُ القَبول لطلبة الدبلوم العامِّ في التَّخصُّصات التَّربوية بحسب الاحتياج الفعلي لهذه التَّخصُّصات مع وقف المخرجات التَّربوية في التَّخصُّصات المُتشبِّعة وأهميَّة أن تضعَ الدَّولة وعَبْرَ مجلس الوزراء الموقَّر يدَها على الموضوع برفعِ سقف التَّوطين وتوظيف العُمانيِّين في التَّخصُّصات التَّربويَّة، إذ من غير المقبول أن نبحثَ عن المُعلِّم الوافد لتدريسِ موادَّ وصلتْ في يومٍ من الأيَّام إلى درجة التشبُّع فيها بدرجة (100%)! وتبقى مؤشِّرات التَّعمين السَّابقة الذِّكر إجابةً شافية يدحض أيَّ مبرِّر لاستقطابِ المُعلِّمين الوافدين في الموادِّ الدراسيَّة لمختلف الصُّفوف أو في المجالَيْنِ الأوَّل والثَّاني والمهارات الفرديَّة ومواد تقنيَّة المعلومات والرِّياضة المدرسيَّة والمهارات الحياتيَّة وصعوبات التَّعلُّم والتَّربية الخاصَّة عدا مادَّة المهارات الموسيقيَّة الَّتي تُواجه عزوف المخرجات الوطنيَّة عن الالتحاق بها وما زالت نسبة التَّعمين فيها لا تتعدَّى (25%)، ما يؤسِّس أيضًا إلى إعادة النَّظر في مسار هذه المادَّة وتصحيحها وإدماجها في مناهج ومواد أخرى لِمَا باتتْ تُسبِّبه من هدر في الموارد وتعطي مبرِّرًا لاستقدامِ المُعلِّمين الوافدين، ويبقى ما يَدُور في فلَكِ المُعلِّمين الوافدين أو غيرهم دعوةً إلى أهميَّة زيادة مستوى التَّنسيق والتَّكامل والتَّفاعل بَيْنَ جميع القِطاعات بحيث تتَّجه التَّخصُّصات إلى سدِّ الاحتياج الفعلي في المدارس من المُعلِّمين لضمانِ تحقيق الأولويَّات التَّعليميَّة في رؤية «عُمان 2040».
د.رجب بن علي العويسي