العدوان الجديد على الضفة الغربية، يتطابق جغرافيا مع خارطة مخطط الاستيطان في شمال الضفة الغربية والاغوار الشمالية، الأقل كثافة من حيث الاستيطان، والاكثر كثافة فلسطينيا، وهي المناطق المخطط لها ان تكون غير قابلة لحياة الفلسطينيين وقابلة تماما لحياة المستوطنين والمراد اسرائيليا أن تكون لهم فقط. ضمن اعتبار اسرائيلي بأن الاستيطان لن يتحقق في هذه المناطق إذا لم يتم القضاء على اية مقاومة، واذا لم يتم إجراء تغيير سكاني جوهري فيها.
يهدف العدوان الى تغيير الواقع السكاني الفلسطيني في الضفة الغربية. والحديث عن النزوح، يصبح رسميا لأول مرة في الضفة الغربية ويأتي في ظل النزوح القسري في غزة منذ بداية حرب الابادة عليها، والعقيدة الصهيونية المعمول بها منذ نكبة العام 1948 يبدأ بالنزوح الموقت للفلسطينيين في العرف الاسرائيلي، تمهيدا بل للخطوة التالية التي ستكون في منع العودة.
تم استهداف المخيمات واقتلاعها وتدمير بنية وكالة غوث اللاجئين وشن حرب استنزاف على قدراتها ومرافقها، فهذا نفسه ما يحدث في العدوان الحالي وما سبقه.
وفي هذا السياق، يأتي العدوان الواسع الشامل وغير محدود المدة ومدعوما باستخدام سلاح الجو بشكل واسع، بعد عملية استنزاف مكثفة جدا وواسعة للغاية للفلسطينيين في الضفة الغربية، واعتقال اكثر من عشرة الاف من الشباب واغتيال المئات،إضافة لالاف الجرحى، ناهيك عن تدمير البنية التحتية والمعيشية للسكان. يضاف اليه حظر دخول العمال الفلسطينيين الى المرافق الاسرائيلية، كل ذلك في سياق المسعى المتسارع والمنهجي الهادف الى تقويض السلطة الفلسطينية. في بداية الحرب على غزة سعت اسرائيل الى تهجير سكان القطاع الى شمال سيناء،تمهيدا لنقلهم لاحقا بالبوارج الامريكية والغربية الى أماكن اللجوء والشتات الدائمين. ولولا الرفض المصري القاطع والموقف الفلسطيني لتم تطبيق المشروع،وفي الآونة الأخيرة غلبت على الاجواء السياسية الإسرائيلية النوايا المعلنة للإمعان في طرد الفلسطينيين من بلداتهم وحصرهم في معازل وبقع في الضفة، ومنها باتجاه الاردن.
ومنذ اسابيع عدة يجري في اوساط اقصى اليمين ووسائل اعلامه التحريض على الاردن وحصريا على الحدود الاردنية الفلسطينية، والتي تعتبرها اسرائيل حاليا ومستقبليا حدودا امنية لها، وكذا الامر بالنسبة الى الأغوار. وتتوقف هذه التقارير عند حجم الاتجار بالبشر من دول اسيوية وافريقية، و”تهريب الاسلحة” والمخدرات، وفي مسعى لاتهام إيران بأنها المعنية بذلك.
وهنا تسعى اسرائيل بعدوانها المستمر الى تشتيت كيانية شعب فلسطين وقضيته، اذ تواصل حرب الابادة على غزة وتقوم بتكثيفها، وتقوم بنقل النموذج الى الضفة الغربية، بينما تواصل مفاوضات الصفقة كما لو كانت قضايا منفصلة، بينما المخطط الاسرائيلي واحد وتكاملي.ألا وهو تصفية القضية.
وكما توحي الذهنية الإسرائيلية السائدة، فإن العدوان الذي بدأ في غزة ثم في الضفة،سيلحق بفلسطينيي 48.
إن العملية الإسرائيلية الممنهجة لن تتوقف لإنها في صلب عملية الإبادة والتهجير التي تظهر ملامحها بوضوح في تصريحات المسؤولين في هذا الكيان.
إن العدوان على الضفة الغربية هو مشروع احتلالي تكاملي مع حرب الابادة على غزة وهدفه تغيير الواقع السكاني والنزوح القسري، وفيه مقدمات لمشروع “الوطن البديل”.
العميد محمود الجمل.