بعد خروج مُنتخَبِنا الوطني من نهائيَّات كأس آسيا لِكُرَةِ القَدَمِ، كَتَبْنا مقالًا عَبْرَ منبر هذه الصَّحيفة الغرَّاء (الوطن) في يناير من العام الجاري 2024م بعنوان: «نقاط على حروف الرِّياضة .. مُنتخَبُنا الوطني لِكُرَةِ القَدَم». واليوم نُعِيدُ العنوان أعْلاه كمسألةٍ وطنيَّة لا بُدَّ من تسليطِ الضَّوء عَلَيْها؛ وذلك عطفًا على المُتابعة والرَّصد لِكُرَةِ القَدَم والرِّياضة العُمانيَّة بشكلٍ عامٍّ منذُ أربعة عقود تقريبًا، فأصبحَ من الضرورة تقديم النَّقد البنَّاء للحالةِ الرِّياضيَّة من منطلَقٍ وطني. وحيث إنَّ الرِّياضة تُشكِّل رافعةً وطنيَّة للحضور العُماني على الصَّعيد الخارجي شأنها شأن السِّياسة الخارجيَّة الَّتي تُشرِّف عُمان على الدَّوام ولله الحمد.
عِندما نتحدَّثُ عنِ النَّقدِ البنَّاء وآليَّاتِ المُعالجة الصَّحيحة ليس رغبةُ في جَلْدِ الذَّاتِ أو التَّوازي مع ردَّة الفعل العارمة الَّتي تَسودُ الأوساط الرِّياضيَّة، ولكن من أجْلِ وضْعِ اليَدِ على الأخطاء وإمكانيَّة المُعالجة علَّ وعسى أن يتحقَّقَ المأمول للرِّياضة العُمانيَّة، إلَّا أنَّ المؤسفَ أنَّ قرارَ المُعالجةِ لا يُتَّخذ في الزَّمان والمكان المُناسِبَيْنِ؛ انتظارًا لصدماتٍ أخرى تُثقل كاهلَ الرِّياضة الوطنيَّة وتُعقِّد الحلول والمُعالجة لاحقًا وتُضعف الرُّوح المعنويَّة الَّتي تُمثِّل شريان التَّجديد والمُعالجة اللَّازمة، وعِندما كَتَبْنا وقدَّمنا النُّصحَ سابقًا كبقيَّة النقَّاد الرِّياضيِّين الَّذين أجمعوا على أنَّ الخللَ يتسلَّل في المنظومة المُشرِفة على المُنتخَبِ الوطني، وأنَّه في ظلِّ غياب الرُّؤية الاستراتيجيَّة والخطَّة وأهدافها وأدواتها وآليَّات تنفيذِها، والسَّير بقافلةِ الكُرَة العُمانيَّة دُونَ استراتيجيَّةٍ واضحة سوف يؤدِّي إلى تراجُع المستوى العامِّ والفردي للمُنتخَبِ الوطني، وهو ما يحدُثُ منذُ بطولةِ الخليج بالبصرة. وتواصَلَ الانحدارُ ـ للأسف الشَّديد ـ لا سِيَّما مع أنَّ المُنتخَب كان يستعدُّ لأهمِّ استحقاقَيْنِ لِلكُرَةِ العُمانيَّة هُمَا نهائيَّات كأس آسيا وتصفيات كأس العالَم بنظامِها الجديد الَّذي يُتيح المجالَ للقارَّة الآسيويَّة صُعودَ (8) مُنتخَبات، إضافةً إلى نصفِ بطاقةٍ أُخرى ممَّا يضعُ حسابات المُنتخَب على مستوًى متقدِّم وآمالٍ مرتفعة، وخطَّةٍ واقعيَّةٍ دقيقة للمسارَيْنِ الفنِّي والإداري مع تعزيز الحضور الجماهيري والمعنوي، ومشاركة الإعلام والنقَّاد بشكلٍ منهجي دُونَ تهويلٍ أو تشويشٍ لِتَحقيقِ الهدف المنشود يُلبِّي طموحات الوطن .
في البطولة الآسيويَّة فُوجئَ الوسطُ الرِّياضي بانحدارِ مستوَى المُنتخَب ولم يتمكَّنْ مُنتخَبُنا إلَّا من تسجيلِ هدفَيْنِ، أحَدُهما بضربةِ جزاءٍ، والآخرُ بمناورةٍ جماعيَّة أمام مرمى مُنتخَب قيرغيزستان دفعَتِ الكُرَةَ دفعًا في المَرمى، وخرجَ مُنتخَبُنا بانكسارٍ حزينٍ لم نكُنْ نتوقَّعه ممَّا يُوحي أنَّ البناء كان ضعيفًا، وكان على الاتِّحاد الرِّياضي لِكُرَةِ القَدَمِ أن يتدارك الأخطاء وكيفيَّة المُعالجة؟ لكن ما حدَثَ هو إنهاء عقْدِ المُدرِّب المُنتهِي أصلًا مع التَّعجُّل بالتَّعاقدِ مع مُدرِّبٍ جديد يُجنِّب الاصطدام مع الوسط الرِّياضي، ويتجاوز حالة الاحتقان الجماهيري؟! وهُنَا كانتِ الخطيئة الأكبر، فكيفَ لنَا أن نعالجَ الأخطاء بارتكابِ خطأ أكبر؟ وقُلْنا حينَها إنَّ التَّعاقدَ مع مُدرِّب ليس لدَيْه سِيرة تاريخيَّة، ولم يعملْ مع الكُرَة الخليجيَّة أو الآسيويَّة، وليس له حضورٌ في كأس العالَم في وقتٍ مُقبلٌ فيه مُنتخَبُنا على استحقاقٍ عالَمي سوف يضعُنا في الزَّاوية الحرجة مُجدَّدًا، وهو ما اتَّضحَ سريعًا بعد مباراتَي العراق وكوريا، فمَن يتحمَّلُ هذه الخطيئة الآن؟!
الإشكاليَّة هُنَا ليستْ في التَّغيير والتَّكاليف الباهظة في الاستغناء عن المُدرِّب، بل في الرُّوح المعنويَّة الَّتي بدَتْ تتضعضع ـ للأسف ـ بَيْنَ صفوفِ المُنتخَب، مِن مُنتخَبٍ يُقارعُ كِبار الكُرَةِ الآسيويَّة والعربيَّة إلى مُنتخَبٍ مُتهالكٍ متذبذبٍ يتَّضح عَلَيْه التَّراجُع المعنوي، وتأثُّر مستواه بشكلٍ جماعي وفردي للأسف الشَّديد! وهُنَا نقول إنَّ الوقودَ الحيويَّ للمُنتخَبِ ممكنٌ، ولكن أين يكمنُ الحلُّ وكيف؟
الإصلاحُ الَّذي يأتي بعد تحرُّكِ القافلة قد لا يُحقِّق المطلوبَ، ولكنْ تَدارُكُ الأمْرِ قَبل فوات الأوان رُبَّما يُحقِّق شيئًا من النَّجاح؛ لأنَّ المُعالجةَ المُتأخرة تضعُك أمام معالجة أمرَيْنِ المعنوي أوَّلًا والمادِّي ثانيًا، ولكنْ يُمكِن من خلال الإسراع بالمعالجة الجذريَّة تحقيقُ الهدفِ المأمول، وتجاوزُ كُلِّ الظُّروف، لا سِيَّما إذا شعَرَ لاعبو المُنتخَبِ أنَّ هُنَاك تغيُّرًا ناجعًا واضحًا حدَث. وفي حالةِ مُنتخَبِنا الوطني الرَّاهنة هُنَاك تغيير مُهمٌّ لا بُدَّ مِنْه، وهو تغيير المُدرِّب شيلافي بشكلٍ عاجلٍ، ودراسة أكثر من خيار عالَمي لدَيْه الرَّغبة على قَبول التَّحدِّي، وهُنَا من الخطأ الآن التَّعاقُد مع مُدرِّب وطني مع الاحترام للمُدرِّب الوطني مع التَّذكير بتصفياتِ كأس العالَم 2010 الَّتي جاءت بالمُدرِّب الأورجواني وأعقبَه المُدرِّب الوطني ولم نتجاوزِ التَّصفيات الأولى، وحينَها كان مُنتخَبُنا الأفضلَ خليجيًّا ولم يصعدْ للتَّصفيات النِّهائيَّة الأخيرة، وكُلُّ ذلك بسببِ قرارٍ خاطئ بالتَّعاقُد مع مُدرِّب ليس له سجلٌّ يتواكَبُ مع طموحات الكُرَةِ العُمانيَّة؛ وبالتَّالي فأيُّ مُهِمَّة تدريبٍ يتمُّ التَّعاقُد معها لا بُدَّ أن يكُونَ ضِمْنَ حساباتها تجاوُزُ التَّصفيات الحاليَّة بالصُّعودِ على أقلّ تقدير ضِمْنَ البطاقات الأربع، وهذا مُمكنٌ قياسًا بطولِ وقتِ التَّصفيات، وإمكانيَّة المُعالجة مع إمكانيَّة تطعيمِ المُنتخَبِ بشكلٍ محدودٍ جدًّا، ورفعِ الحالةِ المعنويَّة للمُنتخَبِ، والتَّركيزِ والحرصِ على اقتناصِ النّقاط الثلاث يوم 10/10 مع مُنتخَب الكويت، وبعدها سوف تتجدَّد آمال الصُّعود مع حراكٍ فنِّي مُنظَّم، وعودة جماهيريَّة داعمة للمُنتخَبِ. ويجدرُ الإشارةُ هُنَا إلى أنَّ الكُرَةَ العمانيَّة تمتلكُ عددًا من أوراق القوَّة من أبرزها المواهب الكرويَّة والقاعدة الجماهيريَّة الدَّاعمة للمُنتخَبِ واهتمام الشَّارع الرِّياضي بكُرَةِ القَدَمِ، وهذه المميّزات لا تتوافرُ إلَّا في دوَلٍ معيَّنة؛ وبالتَّالي يجِبُ استثمار هذه الأوراق بالشَّكل الصَّحيح والنّموذجي لرفعِ تصنيفِ الكُرَةِ العُمانيَّة على الصَّعيد القارِّي والدّولي بَشَرطِ وجودِ كوادرَ إداريَّة تَفقَهُ الحركة الرِّياضيَّة وتستطيعُ أن تُقدِّمَ رؤية استراتيجيَّة وخطَّة منهجيَّة، وتستقدمَ أجهزةً فنيَّة على مستوًى عالَمي يُمكِنها مُعالجة مَواطنِ الخلَلِ في صفوف المُنتخَبِ، وتضع بصمتَها على أداء المُنتخَبِ لِتَحقيقِ آمالِ الوطنِ بإذنِ الله، واللهُ وليُّ التَّوفيق والسَّداد .
خميس بن عبيد القطيطي