عند إبرام عقد خدمات استشارية، فإن المستشار لا يستحق الأجر المتفق عليه إلا عند تنفيذ التزاماته بتقديم الخدمات الاستشارية المنصوص عليها في العقد. ينص القانون على أن المستشار ليس شريكاً أو موظفاً لدى الجهة المستشيرة، وبالتالي لا يحق له المطالبة بأي تعويض مالي إلا بعد الوفاء بما تم الاتفاق عليه في العقد. هذا المبدأ يستند إلى القاعدة القانونية التي تفيد بأن تنفيذ الالتزام هو الشرط الأساسي لاستحقاق الأجر، ولا يمكن المطالبة بمقابل مادي دون تقديم الخدمات المطلوبة وفقاً لبنود العقد.
إن الخدمات الإستشارية يقدمها خبراء ومستشارون في مجال فني معين، فقد يقدمها أشخاص أو مكاتب اوشركات استشارية، والخدمات الإستشارية ليست محصورة في مجالٍ معين بل أنها تكاد تشمل كافة المجالات والتخصصات، وغالباً ما يتضمن عقد تقديم الخدمات الإستشارية تحديد الخدمات الإستشارية التي يلتزم المستشار بتقديمها خلال فترة سريان العقد، وكذا يتضمن العقد تحديد مدة إنجاز الخدمات المحددة وكذا بيان مقابل أو أجور الخدمات الإستشارية، وتختلف عقد الخدمات الإستشارية الخارجية عن المستشار الموظف الذي يتم تعيينه كمستشار أو يتم ترقيته إلى وظيفة مستشار في الجهة أو تدويره من وظيفية تنفيذية إلى مستشار، لأن الموظف المستشار لا ينظم علاقته مع الجهة التي يعمل بها عقد خدمات استشارية بل تتحدد علاقته بالجهة التي يعمل بها وفقاً للنظم واللوائح النافذة في الجهة مثله مثل غيره من الموظفين الذين تحدد حقوقهم وواجباتهم اللوائح والنظم النافذة في الجهة، اما عقد الخدمات الإستشارية الخارجية فهو الذي يحدد التزامات وحقوق الخبير المستشار الذي يقدم الخدمات الإستشارية والجهة المتعاقدة معه، وعلى هذا الأساس فإن عقد تقديم الخدمات الإستشارية لا يجعل الخبير المستشار موظفاً في الجهة التي يقدم لها خدماته الاستشارية لها بموجب عقد خدمات استشارية إلا إذا نص العقد على ذلك ، لأن الخبراء المستشارين أو الإستشاريين يقدموا خدماتهم الإستشارية لمن يطلبها ولهم مهنهم الخاصة بهم ولهم مكاتبهم الخاصة التي يعملوا فيها، فهم لا يتبعوا وظيفياً الجهات التي يقدموا لها خدماتهم الاستشارية ، لأن خدماتهم الاستشارية يتم تقديمها لمن يطلبها، فالجهة التي يقدم لها المستشار خدماته مجرد زبون لدى المستشار، ولذلك فإن الخدمات الإستشارية الخارجية تكتسب أهمية بالغة في ترشيد أعمال الشركات والمنظمات، لأنها تتميز بالاستقلالية والحيادية والموضوعية، لأن الخبراء والمستشارين الذين يقدموا الخدمات الإستشارية الخارجية ليسوا عمالاً أو موظفين لدى الجهة التي يقدموا لها الخدمات الاستشارية، فليس للمستشارين والخبراء الخارجيين مصالح أو ارتباطات أو علاقات بالعاملين في الجهات تجعلهم يميلوا في استشاراتهم مع مصالحهم في الجهة أو مع علاقاته مع العاملين في تلك الشركات، ولذلك تكون اراء ونصائح المستشارين الخارجيين وتوصياتهم أكثر موضوعية ورصانة وحيادية من غيرها.
كما أن العقد الاستشاري يتضمن عادةً تفاصيل دقيقة حول نطاق الخدمات التي يلتزم المستشار بتقديمها، والمدة الزمنية لإنجاز تلك الخدمات، والمقابل المالي المتفق عليه، حيث تختلف هذه العلاقة القانونية عن العلاقة القائمة بين جهة العمل وموظفيها، حيث يخضع الموظفون للوائح والنظم الداخلية التي تنظم حقوقهم وواجباتهم. في حين أن عقد الخدمات الاستشارية يُعد بمثابة اتفاق منفصل يحدد بشكل صريح طبيعة التزامات المستشار تجاه الجهة التي تتعاقد معه.
وأحد أهم الفروق بين المستشار الخارجي والموظف المستشار هو أن المستشار الخارجي لا يرتبط بعلاقة وظيفية دائمة مع الجهة التي يستشارها، وإنما هو مقدم لخدمة معينة بموجب العقد، هذه الاستقلالية تمنح المستشار درجة من الحيادية والموضوعية في تقديم الاستشارات، حيث لا يكون له مصالح مباشرة مع الجهة المتعاقدة أو العاملين فيها، مما يعزز من مصداقية وفعالية تلك الاستشارات.
ومن منظور قانوني، عقد الخدمات الاستشارية لا يُعد توظيفاً بل هو اتفاق تجاري لتنفيذ خدمة معينة، ولا يترتب على هذا العقد حقوق أو التزامات وظيفية كالتي تترتب على علاقة العمل المعتادة.
أما عقد الخدمات الاستشارية، فهو كغيره من العقود، يفرض التزامات متبادلة بين الأطراف المتعاقدة، أي بين المستشار والجهة المستفيدة من الخدمات. من المبادئ الأساسية في القانون الكويتي أن العقد هو شريعة المتعاقدين، مما يعني أن التزامات وحقوق كل طرف يجب أن تكون واضحة ومتوازنة. وفقاً لهذا المبدأ، يلتزم المستشار بتقديم الخدمات المتفق عليها في العقد حتى يستحق الأجر المتفق عليه. وبالتالي، لا يحق للمستشار المطالبة بأي أجر عن خدمات لم يقدمها، حتى لو كانت تلك الخدمات منصوصاً عليها في العقد.
وفي السياق القانوني، لا يمكن للمستشار المطالبة بمقابل مادي إلا عن الخدمات التي قام بتنفيذها فعلياً. هذا الأمر تأكد في حكم قضائي استند إلى أن الجهة الاستشارية كانت تطالب بأجر خمس سنوات، وهي مدة العقد، إلا أن المحكمة قضت باستحقاق أجر سنة واحدة فقط. ذلك لأن المحكمة ثبت لديها أن الخدمات الاستشارية قُدمت بالفعل خلال السنة الأولى، بينما لم تقدم أي خدمات خلال السنوات الأربع المتبقية.
هذا الحكم يبرز أهمية التزام كل طرف بما هو منصوص عليه في العقد، حيث لا يمكن لأي من الطرفين المطالبة بحقوق دون أن يكون قد أوفى بالتزاماته. وبناءً على ذلك، يُعتبر تنفيذ الالتزام شرطاً أساسياً لاستحقاق الأجر في عقود الخدمات الاستشارية، ويجب أن يتم التحقق من تنفيذ الخدمات فعلياً حتى يتم تحديد الحقوق المالية للمستشار.
أما مصطلح “الخدمات الاستشارية” يشير إلى عملية تقديم المشورة المتخصصة من قبل مستشار إلى جهة تطلب هذه الخدمة، مقابل أجر محدد يتم الاتفاق عليه ضمن عقد استشاري. يتنوع نطاق هذه الخدمات اعتماداً على الخبرة التي يمتلكها المستشار، سواء كانت قانونية، هندسية، طبية، أو إدارية. في السياق القانوني، يعد عقد الخدمات الاستشارية ملزماً للطرفين، ويجب على المستشار تقديم الخدمة المتفق عليها لتحقيق استحقاق الأجر.
تاريخياً، نشأت الخدمات الاستشارية في أواخر القرن التاسع عشر، مع ظهور أولى الشركات الاستشارية في الولايات المتحدة، وامتدت لاحقاً إلى أوروبا وبقية العالم. تركزت هذه الخدمات في البداية على معالجة المشكلات الفنية، المالية، والإدارية. اليوم، تُعد الشركات الاستشارية جزءاً أساسياً من المشهد الاقتصادي العالمي، إذ تقدم حلولاً متخصصة في مختلف القطاعات. على سبيل المثال، تقدر الإحصائيات أن هناك أكثر من 9000 شركة استشارية في الهند وحدها، تقدم خدماتها في مجموعة واسعة من المجالات.
الأساس القانوني لعلاقة الاستشاريين مع عملائهم يقوم على “الميزة المعرفية” التي يمتلكها المستشارون، حيث يتم التعاقد معهم لحل المشكلات التي تحتاج إلى خبرة متخصصة غير متوفرة لدى الجهة طالبة الخدمة. الميزة الأخرى التي يتمتع بها المستشارون الخارجيون هي الاستقلالية والحيادية، مما يتيح لهم تقديم تقييمات موضوعية وحلولاً قائمة على تحليل دقيق، بعيداً عن أي مصالح شخصية أو تضارب.
في الكويت، كما هو الحال في العديد من الدول، يميل المستشارون القانونيون إلى تقديم خدماتهم بشكل مستقل دون الحاجة إلى العمل ضمن شركات استشارية، إذ تعتمد الجهات طالبة الخدمة على خبرة المستشارين الشخصية ومؤهلاتهم الفردية. هذا النهج يوفر للجمعيات والشركات تكلفة أقل مما لو كانت الجهة توظف خبراء داخليين. كما يمنحها مرونة أكبر في إدارة التحديات أو التغييرات.
ويعتبر المستشارون في معظم الأحيان من المهنيين الذين حصلوا على مؤهلات علمية عالية واكتسبوا خبرات عملية طويلة الأمد في مجالاتهم. المستشارون يعملون وفق معايير احترافية، وغالباً ما يحملون شهادات عالية تمكنهم من تقديم مستوى عالٍ من الخدمة لعملائهم. قد يعمل المستشار ضمن شركة استشارية، أو كمستقل، أو حتى كمستشار داخلي في مؤسسة خارج نطاق الاستشارات.
بالتالي، إن الخدمات الاستشارية تقوم على أساس تقديم المستشار لخبرته المتخصصة إلى الجهة طالبة الخدمة مقابل رسوم محددة يتم الاتفاق عليها في عقد قانوني ملزم. الغرض من هذه الخدمات يختلف حسب احتياجات الجهة المستفيدة، وقد يتضمن توفير المعلومات، تحليل المشكلات، تقديم التوصيات، وأحيانًا المساعدة في تنفيذ الحلول.
ومن الناحية القانونية، يلتزم المستشار بتقديم المعلومات والخبرات الضرورية للجهة التي تطلب خدماته. وغالبًا ما تلجأ الشركات إلى الاستشاريين للحصول على معلومات دقيقة ومحدثة توفر الوقت والجهد والمال، معتمدة على المعرفة التي يمتلكها المستشار بفضل تجاربه السابقة. في هذا السياق، يجب على المستشار فهم سبب طلب المعلومات وكيف ستستخدمها الجهة، لضمان أن تكون النتائج المقدمة ذات فائدة قانونية وعملية.
أما عند مواجهة مشاكل محددة، تطلب الشركات من المستشارين اقتراح الحلول المناسبة. وفي هذا الإطار، من واجب المستشار أن يستكشف الأسباب الحقيقية للمشكلة، مع التركيز على التفاصيل الدقيقة والتحديات التي قد تواجه الجهة. هذا يتطلب من المستشار عدم الاكتفاء بتقييم سطحي للوضع، بل أن يتعامل مع المشكلة بعمق ويطرح الأسئلة المناسبة، بهدف تقديم حلول قانونية وعملية تحقق الأهداف المطلوبة.
وفيما يتعلق بالتشخيص، فهو جزء أساسي من عمل المستشار، حيث يتطلب فحص البيئة القانونية والاقتصادية للشركة، وكذلك سلوك الإدارة وتحديد الأخطاء المحتملة. التشخيص السليم يساعد على وضع إطار واضح للمشكلة، ويمكن أن يسهم في تحسين العلاقة بين المستشار والجهة المستفيدة، عندما يشارك الطرفان في تحديد أسباب المشكلة وسبل حلها.
وبعد التشخيص، يتم تقديم التوصيات النهائية. هذه التوصيات عادة ما تأتي في شكل تقرير مفصل أو عرض شفهي، يتضمن الحلول المقترحة والخطوات القانونية التي يجب اتباعها. من المهم أن يكون هذا التقرير خالياً من المفاجآت، وأن تتم مناقشته مسبقاً مع الجهة المستفيدة لتجنب أي خلافات لاحقة حول كيفية تنفيذه.
وأخيراً، يتطلب تنفيذ التوصيات تعاوناً وثيقاً بين المستشار والجهة المستفيدة. من الناحية القانونية، فإن تنفيذ التوصيات هو مسؤولية الجهة طالبة الخدمة، ولكن يمكن للمستشار أن يلعب دوراً مساعداً في هذا التنفيذ إذا لزم الأمر. ويعتمد نجاح التنفيذ على مدى تعاون الأطراف والثقة المتبادلة بينهما، وكذلك على فهم الجهة المستفيدة لضرورة إجراء التغييرات المطلوبة في الوقت المناسب وبالطريقة الصحيحة.
في نهاية المطاف، يعتبر التنفيذ جانباً حيوياً في أي عملية استشارية، حيث تتطلب هذه المرحلة من المستشار أن يظل على تواصل مستمر مع الجهة المستفيدة، لضمان التزامها بالتوصيات وتنفيذها على نحو فعال، بما يضمن تحسين الأداء التنظيمي وتحقيق الأهداف المرجوة.
وكما ذكرنا، إن تقديم الخدمات الاستشارية يتضمن سلسلة من الخطوات التي تهدف إلى معالجة المشكلات التي تواجه الجهات طالبة الخدمة. هذه العملية تتميز بطبيعتها المنهجية التي تتطلب الدقة والتحليل المتعمق لضمان تقديم حلول فعالة، مع مراعاة الجوانب القانونية للعقد المبرم بين المستشار والجهة المستفيدة.
الخطوة الأولى تتعلق بتحديد المشكلة الرئيسية التي تواجه الجهة. يتعين على المستشار في هذه المرحلة أن يتعرف على طبيعة المشكلة بدقة، ويحدد مدى تأثيرها وأسبابها المحتملة، مع مراعاة ارتباطها بأي مشكلات أخرى قد تكون قائمة داخل الجهة طالبة الخدمة. هذا التحليل الأولي يضع الأساس القانوني لعلاقة المستشار مع الجهة، حيث يتعين على المستشار التعامل مع جميع البيانات والمعلومات المقدمة بطريقة مهنية ووفقًا للقوانين المعمول بها في الكويت.
وبعد تحديد المشكلة، تأتي مرحلة هيكلة المشكلة. هنا يقوم المستشار بتقسيم المشكلة إلى أجزاء واضحة لتسهيل تحليلها. يتطلب هذا العمل دقة قانونية وتنظيمية لضمان أن كل جزء من المشكلة يتعامل معه بطريقة تتفق مع العقود والقوانين ذات الصلة. الهيكلة الواضحة تسهم في تحديد المسؤوليات وتوزيع المهام بطريقة تضمن معالجة جميع الجوانب ذات الصلة.
المرحلة التالية هي تحديد أولويات القضايا التي تستحق التركيز عليها. يحدد المستشارون القضايا الأكثر أهمية بناءً على تأثيرها القانوني والإداري على الجهة. هذه الخطوة حاسمة لأنها تساعد في توجيه الجهود نحو القضايا التي تحتاج إلى الحل الفوري، مما يوفر الوقت والموارد، ويضمن التركيز على العناصر الأساسية.
وخطة التحليل وخطة العمل تمثل جزءاً أساسياً من العملية. يتم تقسيم المشكلة إلى وحدات عمل يتم التعامل معها بناءً على ترتيب الأولويات، مع إعداد خطة تنفيذية واضحة. يتعين على المستشارين في هذه المرحلة تحديد المواعيد النهائية لكل خطوة وتخصيص المهام لفريق العمل، وذلك بموجب شروط العقد وبما يتماشى مع القوانين ذات الصلة.
بعد إعداد خطة العمل، تأتي مرحلة إجراء التحليل. في هذه المرحلة، يقوم المستشارون بتحليل الأسباب الجذرية للمشكلة وتأثيراتها، ووضع حلول عملية قابلة للتنفيذ. يتم تدريب الأطراف المعنية داخل الجهة طالبة الخدمة على كيفية تطبيق الحلول، مما يضمن أن جميع الإجراءات المتخذة تتفق مع الإطار القانوني والتنظيمي للشركة.
أما تجميع النتائج يمثل المرحلة النهائية من التحليل، حيث يتم إعداد تقرير شامل يتضمن جميع النتائج والتوصيات. يجب أن يكون هذا التقرير واضحًا ودقيقًا من الناحية القانونية، حيث يعكس العلاقة التعاقدية بين الجهة والمستشار ويحدد المسؤوليات والإجراءات المطلوبة.
وأخيراً، تأتي مرحلة تسليم الأعمال. يتم تقديم التقرير النهائي وجميع التوصيات والمخرجات إلى الجهة المستفيدة، مع التأكد من استكمال جميع البنود المتفق عليها في العقد. يتعين على المستشارين التأكد من أن تسليم الأعمال يتم وفقًا لشروط العقد القانونية، مع مراعاة أي متطلبات إضافية قد تكون مطلوبة بموجب القوانين الكويتية.
هذه الخطوات تشكل الإطار القانوني الأساسي لتقديم الخدمات الاستشارية في الكويت، حيث تضمن العملية الالتزام بالعقود والقوانين ذات الصلة وتحقيق الأهداف المرجوة بطريقة فعالة ومنظمة.
عبدالعزيز بن بدر القطان / مستشار قانوني – الكويت.