الهدف الإستراتيجي واضح منذ البداية:
“استدراج إيران في حرب، تتورط فيها أمريكا، كي يتم إزالة العامل الإيراني من جبهة الصراع ضد الكيان الصهيوني، بحيث تخلو المنطقة تماما من أي عوائق أمام تنفيذ غلاة الصهاينة الحدود القصوي لمشروعهم العنصري التوسعي” .
ومثلما كان دور ” المحافظين الجدد ” ( الصهاينة الأمريكيين ) حاسما في شطب ” العراق ” من معادلات المقاومة ، فإن اليمين الصهيوني ، وسنده في واشنطن ، لن يكتمل مشروعهم إلا بشطب آخر دولتين في الشرق الأوسط يمكن أن يمثلا خطرا علي الكيان الصهيوني، الدولة الأولي والهدف الحالي هو إيران ، إما الدولة الثانية في الترتيب فهي بلا أي شك مصر .
والخطة حيال مصر بدأت فور صمت المدافع في خريف 1973 ، حيث بدأ النظام الصهيوني في اتباع ” إستراتيجية القضمات ” ، بالإضعاف المتدرج لمكونات قوة ونفوذ مصر ، بما في ذلك قوتها الناعمة ، وفي ذلك كان لابد من ضرب مصر من الداخل ، بتقويض مقدراتها الإقتصادية ، وإرتهان مستقبلها عبر شبكة معقدة من أدوات جهنمية مالية وثقافية ودينية ، كي تتحول مصر في النهاية إلي نمر من ورق ، حتي تأتي اللحظة المواتية لإستدراجها أيضا في معركة لا تكون فيها جاهزة بعد كل ما اعتراها من ضعف ، كي تعيد إحتلال سيناء ، أو تسترجعها كما يقول بعض المتعصبين الصهاينة الآن بلا خوف من العاقبة .
ويبدو أن إيران أدركت أبعاد الإستراتيجية الصهيونية ، فاختارت ألا تتورط في حرب واسعة خلال هذه الفترة الضبابية ، علي أن تواصل تطبيق ” إستراتيجية القضمات ” لإضعاف الكيان الصهيوني وهز هيبته ، باستخدام وكلاء إقليميين في لبنان واليمن والعراق وسوريا .
إلا أن الصهاينة وقد أدركوا الخطة الفارسية ، بدأوا في رفع درجة حرارة المواجهات من خلال إستفزازات عسكرية تعتمد علي التفوق النسبي لهم في مجال المعلومات والتجسس والتكنولوجيا ، كي تدفع أيران ( أو مصر في مرحلة لاحقة ) للتورط في معركة نظامية يمتلك فيها الكيان قدرات لا شك فيها ، مع مدد لا ينفذ من اقوي دولة في العالم .
لو نجح التخطيط الصهيوني ، فسوف يخيم ” الزمن الصهيوني” علي منطقة الشرق الأوسط لمدة قرن قبل أن تتوفر أدوات هزيمته ، وسوف لا تفلت دولة من دول الشرق الأوسط من الأمطار السوداء القاتلة لذلك الزمن العنصري الذي يحمل كل مواصفات ” الجنون النازي ” .
ولا سبيل لدول المنطقة لتفادي ذلك المصير الأسود إلا بسرعة ترتيب نظام أمني إقليمي قادر علي فرملة هذا الكيان المشوه الذي يهدد مستقبل كل المنطقة ، وهو ما يستدعي أساسا البدء فورا في بناء نواة صلبة تجمع بين كبار هذه المنطقة في القاهرة وطهران وأنقرة ، كي تقود المواجهة الحتمية ضد الأطماع الصهيونية التوسعية قبل فوات الأوان .
معصوم مرزوق