يعد الحق في الحياة من أسمى الحقوق التي كفلتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، إذ تحظى حماية النفس البشرية بأهمية قصوى ضمن الإطار القانوني والأخلاقي، وفي هذا السياق، تتناول العديد من الأنظمة القانونية مسألة القصاص، باعتباره وسيلة للعدالة في الجرائم التي تتعلق بالقتل، حيث يحق لأولياء الدم المطالبة بإنزال العقوبة على القاتل وفقاً لأحكام القضاء وبإشراف السلطات المختصة، ومع ذلك، تظهر في بعض الأحيان حالات انتهاك لهذا الإطار القانوني، حيث يقدم أولياء الدم على قتل الجاني من غير حكم قضائي أو إذن من رئيس الدولة، مما يثير تساؤلات حول مدى مشروعية هذا الفعل وتأثيره على النظام العام وسلطة القانون.
وتبرز أهمية هذا الموضوع في ضرورة التوازن بين حق أولياء الدم في القصاص وحق الجاني في محاكمة عادلة، بما يحقق العدالة دون المساس بسيادة القانون أو افتعال الفوضى، وفي هذا المقال، سنستعرض الأسس القانونية والشرعية التي تحكم هذه المسألة، مع تسليط الضوء على العقوبات المترتبة على القتل خارج إطار القانون، ودور السلطات في فرض النظام وتحقيق العدالة.
إن قتل أولياء الدم للقاتل دون الحصول على حكم قضائي أو إذن من ولي الأمر يعد جريمة قتل عمد وفقاً للقانون، على سبيل المثال في إحدى المحاكمات أن ما قام به أولياء الدم من قتل قاتل مورثهم يعد انتهاكاً صريحاً للقانون، إذ استند الحكم إلى المادتين (909 و910) من القانون المدني، مشيراً إلى أن استيفاء القصاص لا يتم إلا من خلال حكم قضائي بات، كما أن العصمة القانونية للمجني عليه تكون محققة عند مقتله، مما يمنع الأفراد من اتخاذ الحق بالقصاص بأنفسهم دون اللجوء إلى القضاء.
وتبيّن من مجريات القضية أن طعن أولياء الدم في الحكم الاستئنافي كان مبرراً، حيث تطرق الحكم إلى أن التفسيرات التي قدمها الحكم المطعون فيه حول إسقاط القصاص والمادتين (50 و51) من قانون العقوبات كانت غير سليمة، لا يوجد جدل في أن حق القصاص يُعتبر حقاً للمجني عليه وورثته، ولكن هذا الحق مرتبط بمطالبته أمام الجهات المختصة، وليس بتنفيذه بشكل فردي دون الرجوع إلى سلطة الدولة وهيبتها. حتى الفقهاء الذين أجازوا استيفاء القصاص من قبل الورثة، فعلوا ذلك بشروط محددة، حيث يشترط أن يكون هناك حكم قضائي صادر بإثبات الحق في القصاص وأن يُحصل على إذن من ولي الأمر.
وبناءً عليه، فإن تنفيذ القصاص بيد أولياء الدم دون حكم أو إذن يعد تجاوزاً لسلطة القانون، ويعكس عدم احترام الإجراءات القانونية اللازمة لتحقيق العدالة. يجب على أولياء الدم التوجه إلى الجهات المختصة للحصول على الحق في القصاص، لضمان عدم الفوضى في تطبيق القانون وحفاظًا على هيبة الدولة.
بالتالي، إن قتل أولياء الدم لقاتل مورثهم دون حكم قضائي أو إذن من ولي الأمر يُعتبر جريمة قتل عمد، ولا يُعد من قبيل القصاص الشرعي أو القانوني. الحكم الذي نتناوله في هذا التعليق أوضح أن الاستناد إلى المادتين (50 و51) من قانون العقوبات الكويتي لإسقاط القصاص عن أولياء الدم الذين قاموا بقتل قاتل مورثهم كان غير صحيح.
وتنص المادة /50/ من قانون العقوبات على أن القصاص هو حق للمجني عليه في حياته ثم ينتقل إلى ورثته الشرعيين بعد وفاته، ويكفي للحكم به أن يطلبه أحد الورثة أو من ينوب عنهم قانوناً أو النيابة العامة بصفتها الممثل القانوني للدعوى الجزائية. في حال امتنع الورثة عن طلب القصاص لأي سبب، يجوز للنيابة العامة المطالبة به، مع مراعاة الأحكام الخاصة بتنفيذ القصاص الواردة في القانون، أما المادة (51) تنص أيضاً على أن من يملك حق القصاص يملك حق العفو، سواء كان العفو بلا مقابل، أو مقابل الدية، أو بشروط محددة.
وما استند إليه الحكم هو أن النصوص القانونية لا تعطي الحق لأولياء الدم بتنفيذ القصاص بأنفسهم دون حكم قضائي نهائي. الهدف من هذه النصوص هو تنظيم آلية المطالبة بالقصاص أمام القضاء المختص الذي يتولى التحقيق وإثبات شروط القصاص. إذا ثبتت هذه الشروط، تصدر المحكمة حكمًا بالقصاص. بعد ذلك، يُرفع الحكم إلى ولي الأمر للمصادقة عليه وتنفيذه تحت إشراف الدولة.
بناءً على ذلك، فإن قتل أولياء الدم لقاتل مورثهم بدون حكم قضائي أو إذن من ولي الأمر لا يُعد تنفيذاً للقصاص الشرعي، فالقانون الكويتي يُقر بضرورة احترام سلطة القضاء والدولة في تنفيذ الأحكام، ويعتبر تنفيذ القصاص بشكل فردي تعدياً على النظام العام والقانون.
بالتالي، إن قتل أولياء الدم لقاتل مورثهم دون صدور حكم قضائي يعد تجاوزًا غير مشروع ولا يسقط عنهم المسؤولية الجنائية. في الحكم الاستئنافي المنقوض، تم الاستدلال بشكل غير صحيح بالمادتين (909 و910) من القانون المدني، حيث اعتبر أن قيام أولياء الدم بقتل قاتل مورثهم يسقط عنهم القصاص، بناءً على فكرة أن القاتل لم يعد معصوم الدم وأن الحكم بالقصاص كاشف لاستحقاق القاتل للقتل، إلا أن هذا الاستدلال غير سليم.
أما المادة (909) من القانون المدني تنص على أن “الإجازة اللاحقة لتصرف سابق تعتبر في حكم الوكالة السابقة”، والمادة (910) تنص على أن “كل تصرف يمكن أن يعقده الشخص بنفسه يمكن له أن يوكل غيره فيه، باستثناء بعض الأمور الشخصية والمحظورات”، لكن هذه المواد تتعلق بالمعاملات المدنية ولا علاقة لها بالمسائل الجزائية أو بتنفيذ القصاص.
وقد اعتبر الحكم محل التعليق أن استخدام هاتين المادتين في قضية القصاص غير صحيح، لأنهما تنظمان العلاقات المدنية بين الأفراد ولا تتعلقان بالجرائم والقصاص، وفقاً للقانون الكويتي، يبقى القاتل معصوم الدم حتى يصدر حكم قضائي نهائي من المحكمة بتطبيق القصاص عليه، ولا يمكن إهدار دمه إلا بعد استنفاد جميع مراحل التقاضي وصدور حكم قضائي بات، ثم موافقة ولي الأمر على التنفيذ.
وبناءً على ذلك، فإن قتل أولياء الدم للقاتل دون صدور حكم بالقصاص يُعد خرقاً للقانون ويُعرضهم للمساءلة الجنائية. يجب أن يتم تنفيذ القصاص وفقاً لإجراءات قانونية صارمة لضمان تحقيق العدالة وحماية هيبة القانون، ولا يجوز لأفراد المجتمع أخذ القانون بأيديهم أو تنفيذ الأحكام دون اللجوء إلى السلطات المختصة.
أشار الحكم محل التعليق إلى أن الفقه الإسلامي يُعتبر المرجع الأساسي في تفسير وتطبيق النصوص القانونية المتعلقة بالقصاص. وقد أكد الحكم أن الفقهاء الذين أجازوا لورثة الدم قتل قاتل مورثهم اشترطوا أن يتم ذلك بعد صدور حكم قضائي نهائي بإجراء القصاص، بالإضافة إلى الحصول على موافقة أو إذن من رئيس الجمهورية.
فيما يتعلق بمسألة قيام أولياء الدم بقتل قاتل مورثهم قبل صدور حكم قضائي أو إذن من ولي الأمر، اختلف الفقهاء في آرائهم. فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز ذلك، نظرًا لخطورة عقوبة القصاص وصعوبة تدارك الخطأ فيها، مما يتطلب من القضاء التحقق من نسبة القتل العمد وتوافر أركان وشروط القصاص، بما في ذلك الأدلة التي تؤكد استحقاق القصاص. بينما رأى فقهاء الحنفية أن أولياء الدم يجوز لهم قتل قاتل مورثهم استيفاءً للقصاص، استنادًا إلى أن القصاص حق شرعي لهم.
ومع ذلك، يُعتبر القول الراجح والمختار في هذه المسألة هو قول الجمهور، وبالتالي، فإن تنفيذ القصاص من قبل أولياء الدم دون حكم قضائي أو إذن من ولي الأمر يُعد انتهاكاً للإجراءات القانونية المنصوص عليها، مما يفرض ضرورة احترام هذه الإجراءات لضمان تحقيق العدالة واحتفاظ الدولة بسلطتها في تنفيذ الأحكام.
وفي ختام هذه الموضوع، يتضح أن مسألة قتل أولياء الدم لقاتل مورثهم دون حكم أو إذن هي قضية تتداخل فيها الأبعاد القانونية والأخلاقية والاجتماعية، رغم أن الحق في القصاص يعد حقاً شرعياً لأولياء الدم، إلا أن ممارسة هذا الحق بشكل فردي ومن دون الرجوع إلى القضاء أو السلطات المختصة تؤدي إلى تفكيك النظام القانوني وإضعاف هيبة الدولة.
بالتالي، إن تعزيز الوعي بأهمية اللجوء إلى العدالة القانونية يمثل خطوة حيوية نحو حماية الحقوق والحريات الفردية، ويجب أن تظل سلطات الدولة مسؤولة عن توفير العدالة، وذلك من خلال محاكمة عادلة للجناة وإصدار العقوبات المناسبة وفقاً للأطر القانونية المتبعة. في نهاية المطاف، لا بد من التأكيد على أهمية احترام سيادة القانون وتطبيقه على الجميع، لضمان مجتمع يسوده الأمن والاستقرار ويحقق العدالة لجميع أفراده.
عبد العزيز بدر عبد الله القطان/ مستشار قانوني – الكويت.