الكتابة تشبه قشة النجاة التي يتمسك بها من يوشك على الغرق في بحر الحياة، حين يجد الإنسان نفسه محاصرًا بخيبات الأمل، والإخفاقات، والضغوط اليومية، تصبح الكتابة الوسيلة التي يعبر بها إلى بر الأمان، قد تبدو الكلمات بسيطة وضعيفة، لكن قوتها تكمن في قدرتها على حملنا بعيدًا عن الألم، وإعادة بناء ذواتنا من جديد.
عندما يُصاب الإنسان بالخذلان ممن حوله، يشعر بالوحدة والعزلة في مواجهة أمواج الحياة المتلاطمة، البعض قد يلجأ إلى الصمت أو إلى الآخرين طلبًا للعزاء، لكن هناك من يجد في الكتابة متنفسًا روحيًا، الكتابة ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل هي فعل إنقاذ، حين تنعدم القدرة على التعبير بالكلام عن مشاعر الحزن أو الفرح، تتدخل الكتابة لتكون جسرًا بين الداخل والخارج، بين مشاعر الإنسان وعالمه المحيط.
الكتابة هي فعل مقاومة أيضًا، في مواجهة الصعوبات والتحديات، حين يخذل الإنسان واقعه ويصبح عاجزًا عن إيجاد حلول، تتحول الكتابة إلى أداة للبقاء، رغم هشاشة الحروف، إلا أن تماسكها الداخلي يمد الكاتب بالقوة اللازمة للاستمرار، إنها وسيلة لفهم الذات، وتحديد نقاط الضعف والقوة، والبحث عن حلول، وأحيانًا قبول الواقع بحكمة وهدوء.
أحد أروع ما تمنحه الكتابة هو قدرتها على إنشاء جسر بين الماضي والحاضر، عندما يشعر الإنسان بالغرق في ذكرياته أو مشاعره، يمكنه أن يمسك بالقلم ويكتب عنها، الكتابة عن الماضي ليست مجرد توثيق، بل هي فعل تصالحي، تُخفف وطأة الذكريات المؤلمة وتعيد إحياء اللحظات السعيدة. الكثير من الأدباء والمبدعين لجأوا إلى الكتابة كوسيلة لفهم تجاربهم الشخصية، سواء كانت مليئة بالنجاحات أو الإخفاقات، من خلال الكتابة، يصبح الماضي درسًا والحاضر نقطة انطلاق نحو مستقبل أفضل.
كما أن الكتابة لا تقتصر على إنقاذ الكاتب وحده، بل تمتد لإنقاذ الآخرين أيضًا، عندما يشارك الإنسان أفكاره ومشاعره على الورق، يفتح نافذة على عوالم داخلية قد تتقاطع مع تجارب الآخرين، الكلمات التي يكتبها قد تكون طوق نجاة لشخص آخر يشعر بالغرق في مكان بعيد، هذا هو سر قوة الكتابة كوسيلة تواصل اجتماعي، فهي تخلق تفاعلات عميقة مع من يقرأ، وتصل إلى من يحتاج إلى الإلهام أو العزاء.
الكتابة أيضًا عملية شفاء، عندما يبدأ الشخص بالتعبير عن آلامه وأفراحه على الورق، يبدأ في الشفاء تدريجياً، الكتابة تساعد في فك العقد النفسية، وتحرر المشاعر المحتبسة، مما يؤدي إلى إحساس بالراحة والسلام الداخلي، العلاج بالكتابة هو نهج يستخدم في العلاج النفسي، حيث يُطلب من الأشخاص الذين يعانون من صدمات نفسية أو أزمات التعبير عن مشاعرهم كتابيا، هذا الأسلوب يمنحهم القدرة على التعبير عن مالا يمكن قوله بشكل مباشر، ويعمل على تحرير العواطف المكبوتة.
في النهاية، الكتابة ليست مجرد وسيلة للتعبير عن الأفكار، بل هي فعل نجاة، إنها القشة التي ننقذ بها أنفسنا من الغرق في بحر الحياة، تحمل الكتابة بداخلها قوة عظيمة على تحويل الألم إلى أمل، والضياع إلى هداية، من خلال الكتابة، نجد أنفسنا ونشارك الآخرين قصصنا، ونعبر من ظلمات الحياة إلى نور الإبداع.
الكاتب / حمدان بن هاشل بن علي العدوي
عضو الجمعية العمانية للكتاب والأدباء