حدث ذلك بعد أن قام الإرهابيون الأنذال بإغتيال رجالنا ساعة إفطار رمضان عام ٢٠١٢ ، حينها قمت بالإتصال بعدد ممن بقي علي قيد الحياة من رجال العبور كي ننظم وقفة عند المنصة في مواجهة نصب الجندي المجهول .
كنت اول من وصل الي منطقة التجمع عند نصب الجندي المجهول ، وبينما كنت اقف وحدي توقفت سيارة أمامي فجأة .. كان بها شاب وفتاة .. سألني الشاب لماذا اقف ومعي العلم ، لان مباراة الاهلي لم تبدأ بعد ؟ ، وغمز بعينه قائلا ان ذلك فال طيب علي كل حال ..
ضحكت من قلبي وشرحت له سبب وجودي .. وفي البداية بدا هو والفتاة منتهي الإحباط والضيق من كل شئ .. وعندما كنت احكي له عن شهداء سيناء ، لاحظت ان الدموع قفزت الي عينيه .. فوجئت به ينزل من السيارة ليعانقني ويدعو الله ان يوفق مصر .. ثم انصرف بسيارته ..
وفي طريق العودة بعد وقفة قدامي المحاربين عند النصب التذكاري للجندي المجهول ، انتابتني مشاعر مختلطة .. رجال لم التق ببعضهم منذ سنوات وقد جلل الشيب راسهم .. رفيق الصاعقة احمد يقول بحماس وبصوت شرخته السنين ” إحنا لازم نروح سينا يادفعة .. لا يمكن تضيع واحنا لسه عايشين ” .. بطل الصاعقة محمد التميمي بنفس الملامح الصارمة للفدائي الذي حير قوات العدو اثناء حرب الاستنزاف ، الأديب الرائع جمال الغيطاني .. وغيرهم كثيرون ..
ولكن من ناحية اخري أحزنني ان بعض الشباب حاولوا التحرش بي لأنني كنت أضع ” الكوفيه الفلسطينية ” علي كتفي ومكتوب عليها ” القدس لنا ” ، وبعد نقاش مرهق اقتنع الشباب ، ولكن سيدة عجوز فاضلة انقضت وهي تقذف من لسانها الطيب ما لذ وطاب من اوصاف الخيانة وإنني احب حماس اكثر من شهدائنا .. الخ ..
همس لها الاستاذ جمال الغيطاني بان من تهاجمه هو احد ابطال الصاعقة والعبور .. ويبدو انها لم تكن تسمع سوي نفسها ، فقد ظلت تقول اننا يجب ان ندافع عن مصر فقط ، وتروح فلسطين في داهية !! ، تركتها ولكنها لاحقتني تطلب مني بحدة ان اخلع الكوفية والا … ، أبعدتها بادب وحسم ..
حضر الوقفة أيضاً بعض شيوخ سيناء وبعض ممن كانت الصاعقة تتعاون معهم خلف الخطوط ، وسمعت منهم أمورا خطيرة ..
اقترب مني محرر شاب من صحيفة الشروق ، واقسم انه يسمع هذا الكلام لاول مرة ، وسألني اين كنتم ؟ اين كان كل هؤلاء المقاتلين يختفون .. قلت له ببساطة انهم فرغوا من المهمة التي كانوا مكلفين بها ثم عادوا لمواجهة اعباء الحياة مثل كل الناس .. لم يطلبوا شيئا ولا يجوز ان يطلبوا اي شئ ..
حتي عندما اصبح العبور عنوانه ” صاحب القرار ” ثم تحول بعد ذلك الي ” صاحب الضربة الجوية ” ، وقلت له ضاحكا ان احدي الشركات الحكومية نشرت تهنئة في احدي الصحف بمناسبة ذكري العبور كتبت فيها تهنئة للرئيس مرسي ” قائد العبور ” ..
اشرت الي رجل كهل يتوكأ علي عكازه بصعوبه ، وقلت للصحفي ” هذا الرجل كان احد اساطير الصاعقة ، وهاهو يحضر اليوم مستعدا للقتال مرة اخري من اجل سيناء ” ..
بعض ما حدث ذكرني بمشاجرة عندما تم اغتيال الكاتب يوسف السباعي ، وكانت هناك مظاهرة قليلة العدد تهتف : ” لا فلسطين بعد اليوم ” .. وكاد بعضهم يفتك بي لولا ان صحتي وقتها كانت تسمح بالصمود.. وذلك لأنني اردت فقط ان اقول لهم ان فلسطين مسالة امن قومي مصري لا يمكن الفرار منها حتي لو اردنا .. غسل العقول وتلويثها جريمة شارك فيها اغلب النخب ..
بعد العودة ، كتبت بيان أبطال العبور الذي تم نشره في اليوم السابع وتضمن رغبة هؤلاء الكهول في حمل السلاح لمواجهة الإرهاب في سيناء .
معصوم مرزوق