أَخّرَ بنيامين نتنياهو ردّه على ايران لسببين : الاول عملياتي يتعلق بتحديد المواقع المُستهدفة والاتفاق مع الادارة الأمريكية بشأنها ، وضمان الدعم اللوجستي من قوات حلف الناتو . و الثاني رمزي وهو رغبة نتنياهو في ان يتزامن هجومه التاريخي على ايران مع الذكرى السنوية الاولى لطوفان الأقصى ،حينَ مُرّغتْ مناخير الصهاينة و كيانهم في رمال غزَة .
يريد نتنياهو ان يستبدل تاريخ 7 اكتوبر عام 2023 ، حيث نكبتهم ونكستهم التاريخية ،وعلى يد وسواعد حركة مقاومة محاصرة ، بتاريخ آخر، وهو 7 اكتوبر عام 2024 ،يوم قصف المنشآت النووية او النفطية او العسكرية الإيرانية ،كي يحلَّ هذا التاريخ في ذاكرة اسرائيل والصهاينة بدلاً من التاريخ السابق .
حقاً ،صَدَقَ من قال ” الجنون فنون” ، و سلوك نتنياهو وجرائمه وافعاله خير شواهد .نتنياهو فاقَ شارون ببشاعة الجرائم .
مات في صهيون كلبٌ ( شارون )
فاسترحنا من عواه …
خلّفَ الملعون جرواً ( نتنياهو )
فاق في النبح أباه .
وعذراً للمتنبي على التحوير في بيت الشعر .
فاقَ نتنياهو بسوء أدبه و تجاوزاته الرئيس الأمريكي السابق ترامب ، حين وصفَ الامين العام للامم المتحدة بشخص غير مرغوب به ، و اهان الرئيس الفرنسي حين توعّده بلعنة التاريخ . لذلك لم أتجاوز على شخص نتنياهو ،حين وصفته ،في مقالات سابقة بالجنون والاستهتار ، وصفٌ يُضافُ إلى آخر يناسبهُ ويلاحقه وعلى مقياسه ” مجرم حروب ” .
ما أوصلَ نتنياهو إلى هذا المستوى من الجرم والاستهتار هو المجتمع الدولي الرسمي وليس الشعبي ،هو مجلس اللا أمن ، هو الدول الكبرى ،و تعرفون الاسباب .
في أمر إسرائيل و شارون ونتنياهو موعظةٌ وحكمة للذين يتمعنون في الاحداث ويستخلصون منها العِبرْ ، والتاريخ حافلٌ بتجارب الطغاة ومصيرهم ومصير من وَثَقَ بهم ، ووالاهم . الموعظة هي أنْ لا أمان ولا استقرار مع هذا الكيان العنصري التوسعي .
والحكمة هي أبيات من قصيدة للشاعر ايليا ابو ماضي :
وإن شّنَ البغاة عليك حرباً
و اجروا من دم الاحرار نهراً
فلا تحزن فرّبُك ذو انتقامٍ
سيصنعُ من دم الأبطال نصراً
وإنْ فرضوا الطغاةُ عليك ذلاً
فلا تخضعْ و عش دنياك حُرّاً
الدول الكبرى او العظمى ،وفي مقدمتهم امريكا والغرب هم ،اليوم ، مسؤولون عن حال العالم ، وحال منطقتنا ، عليهم تقع الملامة والحساب ،و ليس على الفلسطينين والمقاومة وشعوب المنطقة .هم الذين رعوا وكبّروا و دعموا إسرائيل ،و حولوها إلى وحش كاسر ،يجول و يصول دون حساب وعقاب .
إسرائيل اليوم تنزفُ وتُستنزفْ في حربٍ ،مشوارها طويل ،طالما يقودها نتنياهو . نجحَ نتنياهو في اغتيال قادة من المقاومة ، ولكن ،نجحَ ايضا في الاسراع بزوال اسرائيل ،و نجحَ في توسيع رقعة او مساحة العداء لإسرائيل ؛ شعوب المنطقة و شعوب العالم ، و دقَّ جرس الإنذار في الأردن وفي مصر ،و اقصدُ زعزعَ ثقة شعوب وقادة هذه الدول بما ذهبوا اليه من سلام واتفاقيات مع إسرائيل .
الآن ،وقبل ان يبدأ هجوم اسرائيل في الساعات القادمة ، و يليه الرّدْ من إيران ،دخلَ الطرفان ( الكيان المحتل و جمهورية ايران ) في حالة حرب .
ماذا سيحدث بعد الهجوم و الرّد على الهجوم ؟
حرب استنزاف في المنطقة وفي العالم ،ما لمْ تستعجل الدول الكبرى في حل سريع يرضي الأطراف ،وأول الأطراف المقاومة في غزّة ولبنان .
حرب استنزاف لإسرائيل أولاً و للغرب ثانياً ، ألمُتعَبْ من حربه المفتوحه في أوكرانيا ومع روسيا ،ومع الصين اقتصادياً ودبلوماسياً . حربٌ استنزاف تطال دول المنطقة بدولها وشعوبها وثرواتها ( مصادر الطاقة ) ، و ربما بحدودها .
إيران هي ،و منذ 40 عاماً ، في حالة استنزاف وحرب ناعمة ، وعمقها الجغرافي ونظامها السياسي ،وامكاناتها الاقتصادية تُعينها في تحمّل الأعباء . ولكن هل تصمد إسرائيل امام حرب استنزاف ،وهل يستطيع الغرب وامريكا التعايش مع حربين في منطقتين استراتيجيتين ؟
روسيا والصين ينتظران بفارغ الصبر حربا طويلة الأجل في المنطقة لإضعاف وإنهاك امريكا والناتو ،اي لاستنزافهما ، ولن تبخل روسيا بدعم ايران وجبهة المقاومة ، وبالقدر الذي تراه مفيدا لمصالحها .
الدخول في هذا السيناريو ( حرب في أوكرانيا و حرب في الشرق الأوسط ) وكلاهما بالوكالة بين امريكا و روسيا قد يتطور (واقصد السيناريو ) إمّا إلى ” فيلم ” يكتبه ويخرجه الطرفان ولمصالحهما ،وعلى حساب مصالح شعوب المنطقة ،وإما بطوفان للعالم نحو حرب عالمية ثالثة ،وهذا ،اعتقد ،امر مُستبعد ،طالما ما بين امريكا وروسيا توازن بالردع النووي ،ومصالح دولية .
د. جواد الهنداوي
الحوار / نيوز – بروكسل