تعتبر حقوق الموظفين وحمايتهم من الإجراءات التعسفية من الأسس الأساسية التي يقوم عليها أي نظام قانوني متقدم، ومن ضمن هذه الحقوق، تأتي مسألة توقيف الموظف عن العمل كإجراء استثنائي، حيث لا يمكن أن يتم إلا في ظروف معينة تتعلق بمصلحة التحقيق أو العمل.
كما يعكس قانون الخدمة المدنية الكويتي هذه الرؤية من خلال تحديد ضوابط صارمة وآليات دقيقة لفرض هذا الإجراء، مما يعزز من الشفافية والعدالة داخل مؤسسات الدولة، ويُعَدُّ التوقيف عن العمل، في سياق التحقيقات الإدارية أو الجنائية، من الأدوات القانونية التي تهدف إلى ضمان سير العمل بفعالية، مع الحفاظ في الوقت نفسه على حقوق الموظف وكرامته، وبالتالي، فإن فهم الضمانات والإجراءات القانونية المحيطة بتوقيف الموظف يكتسب أهمية خاصة في سياق تحقيق التوازن بين حماية مصلحة العمل وضمان حقوق الأفراد في إطار الخدمة العامة.
بالتالي، إن الأصل العام هو عدم جواز وقف الموظف عن العمل حتى في حالة التحقيق الإداري معه، وذلك حفاظًا على استمرارية العمل وحقوق الموظف، ومع ذلك، يستثنى من هذا الأصل، إذ يجوز وقف الموظف عن العمل في حالة التحقيق الإداري معه إذا اقتضت مصلحة التحقيق أو العمل ذلك، وفي هذه الحالة، يجب أن تكون هناك دوافع قوية لتبرير قرار الوقف، مثل الخوف من أن يقوم الموظف بعرقلة سير التحقيق أو التأثير على الأدلة المتعلقة بالمخالفة.
أما فيما يتعلق بالموظف الذي يتم إحالته للتحقيق الجنائي في قضية جنائية، سواء كانت مرتبطة بوظيفته أم لا، فإنه يُوقف عن العمل بحكم القانون، حسبما تقرر اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، وبذلك، يُعد هذا الوقف إجراءً تلقائياً يهدف إلى حماية نزاهة التحقيقات الجنائية ومنع أي تأثير غير مشروع على سيرها.
وفيما يخص التحقيق الإداري، لا يجوز توقيف الموظف عن العمل إلا إذا كانت مصلحة التحقيق تقتضي ذلك بشكل واضح، كالحفاظ على الأدلة أو منع استمرار المخالفات، وإذا لم تكن هناك مصلحة حقيقية للعمل أو التحقيق تبرر الوقف، فإن القرار الإداري بوقف الموظف يُعد غير مشروع، وفقاً لما أقرته المحاكم الكويتية، على سبيل المثال، قضت المحكمة الإدارية بأن قرار وقف الموظف عن العمل بدون مبرر قانوني واضح يُعتبر مخالفاً للقانون، وأن أي قرار إداري يصدر في هذا الشأن دون أن يستند إلى مقتضيات مصلحة العمل أو التحقيق يُعتبر قابلاً للإلغاء.
بالتالي، فإن أي قرار بوقف الموظف عن العمل يجب أن يستند إلى أسباب قانونية واضحة تبرره، وإلا فإنه يُعد غير قانوني وقابلاً للطعن أمام المحاكم المختصة في الكويت.
كما يُعتبر الأصل العام هو عدم جواز وقف الموظف عن العمل عند إحالته للتحقيق الإداري، سواء كان ذلك تحقيقاً إدارياً أو جنائياً، ولكن يُسمح استثنائياً بتوقيف الموظف إذا اقتضت مصلحة التحقيق أو العمل ذلك، كالخوف من العبث بالأدلة المتعلقة بالمخالفة أو في حال كان استمرار الموظف في العمل سيؤدي إلى تكرار المخالفة أو ارتكاب مخالفات جديدة.
من هنا، تنص المادة (117) من قانون الخدمة المدنية على أنه لا يجوز توقيف الموظف أثناء التحقيق الإداري إلا إذا كانت هناك مصلحة تقتضي ذلك، وبشرط الحصول على موافقة الوزير المختص أو رئيس الوحدة الإدارية، وخلال هذه الفترة، يتقاضى الموظف راتبه الكامل إذا استمر في عمله، ولكن إذا تم توقيفه، فإنه يتقاضى نصف راتبه خلال فترة التحقيق، على أن لا تتجاوز مدة التحقيق أربعة أشهر، وإذا كانت العقوبة المتخذة بحقه هي الفصل من الخدمة أو السجن في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، فإنه لا يستحق نصف الراتب المتبقي، ولا يُلزم باسترداد ما صُرف له خلال فترة التحقيق.
أما في حالة التحقيق الجنائي، فيُعتبر الموظف موقوفاً بحكم القانون، ولا حاجة لصدور قرار إداري بذلك، حيث ينطبق هذا الوقف في حالة الحبس الاحتياطي أو أثناء فترة التحقيق الجنائي، سواء كانت التهمة متعلقة بعمله أم لا، هذا وتؤكد اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية في المادة (207) أن الموظف يُعد موقوفاً تلقائياً خلال هذه الفترة، وعلى الجهة الإدارية متابعة سرعة استكمال التحقيقات وإصدار الحكم.
كما تمنح اللائحة التنفيذية السلطة المختصة صلاحية رفع التوقيف عن الموظف وإعادته إلى العمل إذا تبين أن ذلك لن يؤثر على مصلحة التحقيق أو مصلحة العمل، وذلك في حالة التوقيف الإداري، ومع ذلك، لا يسري هذا الرفع على حالات التوقيف بحكم القانون أثناء التحقيق الجنائي أو الحبس الاحتياطي، إذ يظل الموظف موقوفاً لحين صدور حكم نهائي في القضية.
بالإضافة إلى ذلك، يعد وقف الموظف عن العمل إجراء استثنائي، ولا يجوز اتخاذه إلا في حالات محددة ينص عليها القانون، مثل الضرورة التي تقتضيها مصلحة التحقيق أو مصلحة العمل، أو في حالة التحقيق الجنائي مع الموظف أو حبسه احتياطياً على ذمة التحقيق أو المحاكمة. هذه الحالات تم تحديدها بوضوح في القانون الكويتي ولائحته التنفيذية، وهي استثناءات لا يجوز التوسع فيها أو القياس عليها.
وبما أن الاستثناءات تخضع لتفسير ضيق، فإن أي وقف للموظف خارج نطاق هذه الحالات يُعتبر غير مشروع ومخالفاً للقانون، وفي هذه الحالة، يكون قرار وقف الموظف عن العمل معيبا من الناحية القانونية، ويحق للموظف الطعن فيه.
الوقف غير المشروع يحدث عندما تتخذ الجهة الإدارية قراراً بوقف الموظف دون أن تكون هناك مخالفات تستدعي إحالة الموظف إلى التحقيق، أو في حال لم تكن مصلحة العمل تتطلب هذا الإجراء، وقد رأت المحاكم الكويتية في أحكام سابقة أن مثل هذه القرارات يجب إلغاؤها لعدم استنادها إلى أسباب قانونية تبرر وقف الموظف، فعلى سبيل المثال، قضت بعض الأحكام بإلغاء قرارات وقف الموظفين عن العمل لأن الجهة الإدارية لم تستطع إثبات وجود مخالفات جسيمة أو حاجة ملحة تبرر اتخاذ مثل هذا القرار.
وبالتالي، فإن أي وقف للموظف يتم خارج الحالات المنصوص عليها في القانون الكويتي ولائحته التنفيذية، يُعد باطلاً، ويترتب عليه إلغاء القرار الإداري وإعادة الموظف إلى عمله مع استحقاقاته المالية كاملة.
كما لا يجوز وقف الموظف عن العمل إلا إذا كان هناك اتهام موجه إليه بارتكاب جريمة أو مخالفة تستدعي التحقيق الجنائي أو الإداري، وهذا الوقف يجب أن يتم فقط عند وجود حاجة ملحة لتحقيق العدالة أو لحماية مصلحة العمل، ومع ذلك، فإن وقف الموظف يحمل معه آثاراً سلبية خطيرة تؤثر على الموظف من النواحي المادية والمعنوية.
وعندما يُتهم الموظف بارتكاب جريمة أو مخالفة ويتم وقفه عن العمل، قد ينظر المحيط الوظيفي والاجتماعي إليه كأنه مذنب حتى قبل أن يثبت ذلك في التحقيق، هذا التصور يؤدي إلى إلحاق أضرار معنوية بسمعة الموظف ويؤثر على موقفه الاجتماعي والمهني، وغالباً ما يتعرض الموظف للانتقادات والشبهات، مما يجعل من الصعب عليه الحفاظ على صورته الإيجابية أمام زملائه وأسرته.
بالإضافة إلى الضرر المعنوي، يتعرض الموظف الموقوف لخسائر مادية، رغم أن القانون الكويتي ينص على حق الموظف في تقاضي جزء من راتبه أثناء فترة الوقف، فإن هذا لا يغطي جميع احتياجاته المالية، خاصة إذا استمر التحقيق لفترة طويلة، وفي حالة الفصل أو الإدانة النهائية، قد يفقد الموظف جميع حقوقه المالية المرتبطة بوظيفته.
من هذا المنطلق، يجب أن يُستخدم قرار وقف الموظف بحذر شديد وبما يتوافق مع نصوص القانون الكويتي، لتجنب أي أضرار غير مبررة تلحق بالموظف، خاصة إذا تبين لاحقاً براءته أو عدم وجود أدلة كافية على ارتكابه للمخالفة.
وقد تم وضع ضمانات عديدة لمنع إساءة استخدام سلطة توقيف الموظف عن العمل من قبل الجهات الإدارية. يتضمن قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية ضوابط صارمة لضمان أن توقيف الموظف يتم وفقًا للقانون وبما يخدم مصلحة التحقيق والعمل.
أحد هذه الضمانات هو أن قرار التوقيف يجب أن يصدر من الرئيس الأعلى للجهة الإدارية، مما يحد من احتمالات اتخاذ قرارات غير مدروسة من قبل موظفين أدنى في السلم الإداري، كما أن التوقيف لا يكون مفتوح المدة؛ إذ حدد القانون فترة مؤقتة لتوقيف الموظف عن العمل لا تتجاوز أربعة أشهر في المخالفات الإدارية، مما يضمن عدم إطالة مدة التوقيف بشكل غير مبرر.
بالإضافة إلى ذلك، فإن القانون يتيح للجهة الإدارية إمكانية إعادة النظر في قرارها بشأن التوقيف، إذا رأت الإدارة أن مصلحة التحقيق والعمل لم تعد تستدعي استمرار التوقيف، فإنها مخولة برفع التوقيف وإعادة الموظف إلى عمله.
أما فيما يخص الحالات التي يتطلب فيها التوقيف، فقد قيد القانون نطاق التوقيف بجعلها مقتصرة على الحالات التي تقتضيها مصلحة التحقيق أو العمل، أو في حالة التحقيق الجنائي مع الموظف أو الحبس الاحتياطي، بهذا، يضع القانون الكويتي حدودًا واضحة على سلطة التوقيف ويحرص على عدم التوسع فيها أو استخدامها بطرق تعسفية.
الهدف من هذه الضمانات هو تحقيق التوازن بين حماية مصلحة العمل وضمان حقوق الموظف، مع التأكيد على ضرورة أن يكون التوقيف قائماً على أسس موضوعية ومبررة قانونياً.
ختاماً، يتضح أن القرار الإداري القاضي بوقف الموظف عن العمل يعاني من عيوب قانونية تؤثر على مشروعيته، إن هذا القرار، كونه قد اتخذ دون مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة أو استناداً إلى أسس غير سليمة، يتعارض مع مبادئ العدالة الإدارية، لذا، يجب على الجهة الإدارية مراجعة هذا القرار، وتطبيق مبادئ الشفافية والمساواة، والتأكد من منح الموظف الحق في الدفاع عن نفسه، وفي حال استمرار العيوب، يحق للموظف الطعن في القرار أمام الجهات القضائية المختصة للحصول على التعويض المناسب واستعادة حقوقه.
وبناءً عليه، نوصي بأن يتم اتخاذ التدابير اللازمة لتصحيح هذا القرار وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات في المستقبل، حرصاً على حماية حقوق الموظفين وتعزيز الثقة في النظام الإداري.
عبد العزيز بدر عبد الله القطان / مستشار قانوني – الكويت.