في الأنظمة القانونية، تلعب الشهادات والأدلة دوراً حاسماً في تحقيق العدالة، حيث يعتمد القضاء على وسائل الإثبات المختلفة لتحديد الحقوق والفصل في النزاعات، ومن بين تلك الوسائل، تأتي الشهادة كأحد الأدلة الأساسية التي تستند إليها المحاكم في الوصول إلى الحقائق، إلا أن بعض الحالات قد تثير إشكالات قانونية تتعلق باختلاف الشهادات أو نقصان البينة المقدمة، مما يستدعي التدخل التشريعي والقضائي لتحديد آليات تكميل الشهادات والبينة الناقصة.
في هذا السياق، يميز قانون الإثبات بين أنواع مختلفة من الأيمان المستخدمة لاستكمال الأدلة، مثل “اليمين المكملة” المنصوص عليها في المادة (49) والمرتبطة بتكميل شهادة الشاهد عند اختلاف شهادتي الشاهدين، و”اليمين المتممة” المنصوص عليها في المادة (145) وما بعدها، والتي تهدف إلى استكمال البينة الناقصة في القضايا التي تتعلق بالحقوق والأموال.
هذا الموضوع يسلط الضوء على الفرق بين هذين النوعين من الأيمان، ويبحث في الأحكام القانونية التي تحدد متى يمكن للمحكمة توجيه اليمين، وما هي الشروط والضوابط القانونية التي تحكم استكمال البينة باستخدام الشهادة أو اليمين، كما يناقش دور القرائن وغيرها من وسائل الإثبات في هذه العملية، وفقاً لما نصت عليه القوانين، بما يضمن احترام المبادئ القانونية وتحقيق العدالة.
تتعلق المادة (49) من قانون الإثبات بتكميل شهادة الشاهد عند حدوث اختلاف بين الشهادات المقدمة، خاصة في ما يتعلق بصفة المشهود به، في هذه الحالة، يُسمح بتكميل شهادة الشاهد التي تتطابق مع دعوى المدعي بواسطة شهادة أخرى أو بواسطة اليمين التي يؤديها المدعي، تجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز تكميل الشهادة في هذه الحالة باستخدام القرائن أو أي وسائل إثبات أخرى.
كما ينبغي التفريق بين تنظيم “اليمين المكملة” المنصوص عليه في المادة (49) وتنظيم “اليمين المتممة” الذي ورد في المواد (145 و 146 و 147) من قانون الإثبات، حيث تُستخدم اليمين المتممة لتكملة البينة الناقصة بشكل عام، بما في ذلك القرائن، كما جاء في أحد الأحكام الصادرة.
وقد ورد في حيثيات الحكم أن: “الحكم الاستئنافي قد خالف المادة (49) من قانون الإثبات عندما اكتفى بشهادة واحد مع القرائن، رغم أن ذلك يتعارض مع الفقرة الرابعة من المادة (49) التي نصت على أنه في حال اختلاف الشاهدين في صفة المشهود به، يُكمل شهادة من تطابقت شهادته مع الدعوى بشاهد آخر أو بيمين المدعي، وعليه، لا مجال للقرائن هنا، حيث إن ذلك يعتبر من قبيل التلفيق في الأدلة، وهو أمر غير مقبول شرعاً، ومن ثم، كان لزاماً قبول الطعن في هذه الحالة ونقض الحكم المطعون فيه.”
إن هذا النص القانوني يوضح أهمية الالتزام بالشروط المحددة لتكميل الشهادات في الإجراءات القانونية، مما يساهم في ضمان تحقيق العدالة ومنع أي تجاوزات قد تؤثر على نتائج القضايا المطروحة أمام المحاكم.
فقد استند الحكم المشار إليه إلى الفقرة (4) من المادة (49) من قانون الإثبات، التي تنص على أنه في حال اختلاف الشاهدين في صفة المشهود به، فإن شهادة الشاهد التي تطابقت مع دعوى المدعي يتم تكميلها بشهادة شاهد آخر أو بيمين المدعي.
بالإضافة إلى ذلك، إذا لم تتطابق شهادتي الشاهدين في صفة المشهود به، يتوجب تكملة شهادة من تطابقت شهادته مع الدعوى من خلال الاستشهاد بشهادة شاهد آخر، وإذا تعذر ذلك، يمكن استخدام يمين المدعي صاحب الدعوى، حيث يحدد هذا النص كيفية ووسيلة تكميل شهادة الشاهد، حيث حصر وسائل التكميل في حالتي الشهادة أو اليمين، ولم يذكر النص القرائن أو أي وسائل إثبات أخرى.
وبناءً على ذلك، لا يجوز تكميل شهادة الشاهد المطابقة لدعوى المدعي باستخدام القرائن أو وسائل إثبات أخرى، إذ إن ذلك يتعارض مع ما نصت عليه المادة (49) من قانون الإثبات، وبالتالي، يعتبر أي اجتهاد يدرج القرائن ضمن وسائل التكميل في هذه الحالة مخالفًا للنص القانوني.
كما تجدر الإشارة إلى أن اليمين المذكورة في نص المادة (49) هي اليمين المكملة، التي تختلف عن اليمين المتممة التي أُقرّت في المادة (145) وما بعدها من قانون الإثبات، حيث تركز اليمين المتممة على تكملة الأدلة الناقصة بشكل عام، بما في ذلك استخدام القرائن، بينما تقتصر اليمين المكملة على الحالات التي تتطلب تأكيد شهادة الشاهد التي تطابقت مع الدعوى.
بالتالي، إن هذا التمييز بين اليمين المكملة واليمين المتممة يؤكد أهمية الالتزام بالنصوص القانونية في إثبات الحقائق، مما يسهم في تحقيق العدالة وضمان سلامة الإجراءات القانونية.
وقد قضى الحكم المعني بأن في حالة اختلاف شهادتي الشاهدين، يتعين تكميل شهادة الشاهد المطابقة لدعوى المدعي بشهادة شاهد آخر أو بواسطة يمين المدعي، ولا يجوز تكميل الشهادة في هذه الحالة باستخدام القرائن، إذ أن ذلك يتعارض مع ما نصت عليه الفقرة (4) من المادة (49) من قانون الإثبات الكويتي.
كما من المهم الإشارة إلى أن حكم اختلاف شهادة الشاهدين يختلف عن حكم اليمين المتممة، المنصوص عليها في المواد (145 و 146 و 147) من قانون الإثبات، حيث نصت المادة (145) على أن للمحكمة توجيه اليمين المتممة للمدعي الذي قدم بينة ناقصة لاستكمال البينة القانونية المتعلقة بالحق المدعى به، بشرط ألا تكون الدعوى خالية من أي بينة، وألا تكون فيها بينة كاملة، وفي الأحوال التي يجوز فيها ذلك، والتي تشمل الحقوق والأموال، كما تنص المادة على أنه لا يجوز للمدعي أن يرد اليمين المتممة إلى المدعى عليه.
بالتالي، إن اليمين المتممة، كما ذُكرت في هذا النص، تهدف إلى استكمال البينة الناقصة بشكل عام، سواء كانت تلك البينة شهادة من شاهد واحد أو قرائن أو أي وسيلة إثبات أخرى.
وبناءً على ذلك، يمكننا أن نستنتج أن (اليمين المكملة) المنصوص عليها في المادة (49) من قانون الإثبات تختلف عن (اليمين المتممة) المحددة في المادة (145) وما بعدها، مما يبرز أهمية التمييز بين هاتين اليمينتين في إطار القوانين، وهذا التمييز يساعد على ضمان تطبيق صحيح للإجراءات القانونية، مما يساهم في تحقيق العدالة في القضايا المعروضة أمام المحاكم.
من هنا، يتضح من خلال استعراض النصوص القانونية المتعلقة باليمين المكملة واليمين المتممة في قانون الإثبات الكويتي، أن هناك تمييزاً دقيقاً بين الحالتين، بما يضمن تحقيق التوازن بين حقوق الأطراف المعنية في النزاع، فبينما تشترط المادة (49) من قانون الإثبات تكميل شهادة الشاهد بشهادة أخرى أو يمين المدعي عند اختلاف الشهادات، فإن المواد (145) وما بعدها تفتح المجال أمام اليمين المتممة لاستكمال البينة الناقصة في الحقوق والأموال.
بالإضافة إلى ذلك، إن هذا التنظيم القانوني يعكس حرص المشرع الكويتي على ضمان سلامة الإجراءات القانونية، ومنع الاعتماد على وسائل إثبات غير كافية، مثل القرائن في الحالات التي تتطلب فيها النصوص بينة كاملة. كما يبرز أهمية دور القضاء في توجيه الأيمان بشكل صحيح لضمان تحقيق العدالة.
وبالتالي، يُعد الالتزام بهذه النصوص القانونية في تطبيق الأيمان وسيلة حاسمة لتعزيز الثقة في النظام القانوني، والحفاظ على حقوق الأفراد بما يحقق العدالة ويمنع أي استغلال أو تجاوزات في استخدام وسائل الإثبات.
عبد العزيز بدر عبد الله القطان / مستشار قانوني – الكويت.