تعد الهبة التبرعية من الوالد لولده أحد التصرفات القانونية التي تحتل مكانة خاصة في الفقه الإسلامي والقوانين الوضعية، بما فيها القانون الكويتي، إذ إنها تُعتبر تعبيراً عن رغبة الوالد في منح جزء من أمواله لأبنائه دون مقابل، ورغم أن الهبة تنجز عادة بشكل نهائي، فإن القانون الكويتي، استنادًا إلى مبادئ الشريعة الإسلامية، يتيح للوالد الحق في الرجوع عن هبته التبرعية بشروط معينة.
وتأتي هذه الشروط لضمان التوازن بين حقوق الوالد في التصرف بأمواله وحقوق الموهوب له، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالميراث والعدالة بين الورثة.
بالتالي، إن الهبة التبرعية هي الهبة التي تُمنح بدون مقابل، ويجوز للواهب أن يرجع عنها، ويندرج ضمن هذا المفهوم هبة الوالد لولده، إلا أن لهذه الهبة طبيعة خاصة نظراً لعلاقة الوالد بالولد، وفقاً للقانون الكويتي، تعامل الهبة الممنوحة للوريث معاملة الوصية، حيث يشترط أن تكون هبة الوالد لأولاده أو للورثة متساوية بما يتفق مع قواعد الميراث.
أما إذا تعذر على الوالد الرجوع عن الهبة التبرعية لولده، وكان هناك ورثة آخرون غير الموهوب له، تُحتسب الهبة من نصيب الموهوب له عند تقسيم تركة الواهب بعد وفاته، أما إذا كانت الهبة مقابل عمل أو خدمة أو نفقة قام بها الولد لحساب والده، فإن الهبة في هذه الحالة تُعتبر مقابلاً مشروعاً، ولا يجوز للوالد الرجوع عنها، إذ تأخذ في هذه الأحوال حكم البيع أو الإيجار أو قضاء لدين.
وقد أكدت المحاكم الكويتية هذا المبدأ، حيث أشارت إلى أن الهبة التبرعية يمكن الرجوع عنها بإرادة الواهب المنفردة، شريطة ألا تكون الهبة قد قُدمت مقابل عمل أو خدمة قام بها الولد.
وبناءً عليه، إن الهبة التبرعية من الوالد لولده تُمنح بدون مقابل أو غرض، وتعتبر في حكم العطية التي يجب على الوالد أن يساوي بين أولاده فيها، هنا القانون الكويتي يستند إلى الشريعة الإسلامية في هذا الصدد، ويشترط المساواة بين الأولاد في الهبة التبرعية، بحيث يتم تقسيمها وفقاً لقواعد الميراث التي تُعطي للذكر ضعف نصيب الأنثى، امتثالاً لقواعد الميراث الشرعية.
ومع ذلك، إذا كانت الهبة مقدمة من الوالد لأحد أبنائه مقابل خدمة أو نفقة أو عمل قام به الولد لحساب والده، فإن هذه الهبة تعتبر بمثابة مقابل مشروع، ولا يشترط فيها المساواة بين الأولاد، لأن الهبة في هذه الحالة تأخذ حكم المقابل العادل للخدمات المقدمة، بالإضافة إلى ذلك، إذا وهب الوالد شيئًا لأحد أحفاده بسبب مرض مزمن كالإعاقة الجسدية، يجوز تخصيص الحفيد بهذه الهبة دون مساواة مع بقية الأبناء أو الأحفاد الأصحاء، وذلك لوجود سبب مشروع للهبة.
وكذلك الحال فيما يتعلق بالهبات المتعلقة بنفقات الزواج أو التعليم، فإنها تُعد هبات مشروعة ولا تخضع لشرط المساواة بين الأولاد، نظرًا لأنها تُمنح لأغراض معينة ومحددة تتعلق بحاجة المستفيد من الهبة. يُظهر هذا التنظيم القانوني المرونة في التعامل مع الهبات التبرعية، مع مراعاة الظروف الخاصة لكل حالة، بما يحقق التوازن بين حقوق الوالد واحتياجات الأولاد.
كما تعتبر الهبة الصادرة من الوالد لولده في حكم الوصية، حيث من المعروف أن الوصية للوارث أو لوارث الوارث ليست جائزة إلا إذا وافق عليها بقية الورثة، أو إذا كان وارث الوارث، مثل الحفيد، غير قادر على الكسب بسبب عجز دائم كالإعاقة الجسدية، في هذا السياق، ينص القانون على أن الهبة الممنوحة للوريث تأخذ حكم الوصية، إلا إذا تم استهلاك الهبة من قبل الموهوب له أثناء حياة الواهب، مع مراعاة قواعد الميراث التي تفرض المساواة بين الأولاد.
أما الهبة للأولاد والورثة، فهي تُعتبر جائزة بشرط أن تكون المساواة بينهم قائمة على قواعد الميراث، حيث يُعامل الذكور والإناث وفقاً للحصص الشرعية، ومع ذلك، يُسمح بالوصية لوارث الوارث إذا كان هناك مبرر مشروع يمنع الحفيد من الكسب، مثل العمى أو الشلل، على أن يكون هذا الحفيد غير قادر على تأمين معيشتهم بسبب هذا العجز، وهو ما نص عليه القانون بوضوح.
ومن الجدير بالذكر أن هناك فرقاً جوهرياً بين الهبة والوصية: الهبة تُنفذ أثناء حياة الواهب وتعتبر منجزة، بينما الوصية هي تصرف يسري بعد وفاة الواهب، بهذا، يكون للقانون الكويتي مرونة في التعامل مع الهبات، خاصة عندما يكون أحد المستفيدين عاجزاً عن الكسب، ويمنح السلطة القانونية للأب في تخصيص جزء من ماله لأحفاده المعاقين دون الحاجة للمساواة مع بقية الورثة في هذه الحالات الخاصة.
وقد أجاز الفقه الإسلامي للوالد الرجوع عن الهبة التبرعية التي يمنحها لولده، وقد تبنى قانون الأحوال الشخصية الكويتي هذا المبدأ، حيث يُسمح للوالد بالرجوع عن الهبة التبرعية لولده وفقاً لشروط محددة، فالرجوع عن الهبة يعتمد على عدة شروط أساسية لضمان التوازن بين حقوق الوالد وحقوق الموهوب له.
ولصحة الرجوع في الهبة التبرعية، يجب أن تتحقق بعض الشروط، وهي: أن يكون كل من الواهب والموهوب له على قيد الحياة وقت الرجوع، وألا يكون المال الموهوب قد هلك أو تم التصرف فيه من قبل الموهوب له، وأما إذا كان المال الموهوب قد زاد زيادة غير بسيطة، لا يمكن الرجوع إلا إذا عوض الموهوب له عن تلك الزيادة، خاصة إذا كان الواهب أحد الوالدين، كما لا يجوز الرجوع إذا كان المال الموهوب مرتبطًا بضمان أو رهن، إلا إذا وافق صاحب الدين أو سُدد الدين.
أما في حالة عدم توفر الشروط اللازمة للرجوع، وإذا كان هناك ورثة آخرون غير الموهوب له، فإن القانون يشترط تحقيق المساواة بين الورثة وفقاً لقواعد الميراث، وإذا لم يتحقق ذلك أثناء حياة الواهب، فإنه يتم احتساب قيمة الهبة من نصيب الموهوب له عند قسمة تركة الواهب بعد وفاته.
بالتالي، يبرز من هذا التنظيم القانوني أن الرجوع عن الهبة التبرعية من الوالد لولده ممكن، لكن بشروط وضوابط تضمن العدالة والمساواة بين الورثة وتراعي مصالح الطرفين.
بالنتيجة، إن الرجوع عن الهبة التبرعية من الوالد لولده يُعتبر من الموضوعات القانونية التي تتطلب توازناً دقيقاً بين حقوق الوالد وحقوق الموهوب له، إذ يوفر القانون الكويتي إطاراً قانونياً ينظم هذه العملية، حيث يشترط تحقق مجموعة من الشروط التي تضمن عدم إساءة استخدام حق الرجوع، ويعكس هذا النظام القانوني احتراماً لمبادئ العدالة والمساواة بين الورثة، ويضمن حقوقهم وفقاً لقواعد الميراث.
ومن وجهة نظر قانونية، يُعتبر هذا التنظيم أداة فعالة لحماية مصالح جميع الأطراف المعنية، فإتاحة الحق للوالد في الرجوع عن الهبة التبرعية يعكس مرونة القانون في التعامل مع الظروف الشخصية والاقتصادية المتغيرة، مما يتيح للوالد إمكانية إدارة أمواله بطريقة تتوافق مع مصالح أسرته، ومع ذلك، يجب على الوالدين أن يكونوا على وعي كامل بالشروط والالتزامات القانونية المترتبة على هباتهم، لضمان تجنب النزاعات والمشكلات القانونية المستقبلية التي قد تطرأ نتيجة لتلك الهبات.
عبد العزيز بدر عبد الله القطان / مستشار قانوني – الكويت.