أصدَر جهاز الرَّقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة مشكورًا تقريرَه السَّنوي لعام 2023، في نسخته الرَّابعة، تناولَ فيه نتائج أعماله في تأصيل الرَّقابة وتعزيز النَّزاهة ومكافحة الفساد المالي والإداري، حيث تضمَّن التَّقرير جملةً من المرتكزات والمهام والاستراتيجيَّات وشواهد الرَّصد الَّتي أعطَتْ مؤشِّرات نَوْعيَّة للجهدِ الَّذي قدَّمه الجهاز، فأثلجَ بصدورِه الصُّدور، وشرحَ بوقَفاته النُّفوس، وأعطى بعُمقه الأمل لأبناء هذا الوطن الغالي بأنَّ القادمَ أفضل، وأطَّر في ظلِّ شواهده تلك الصُّورة المُلهِمة للنَّزاهة والشفافيَّة ومكافحة الفساد الَّتي وجَّه إِلَيْها جلالة السُّلطان لِتكُونَ نهج بناء في مُجتمع عُمان القادم.
لقد أشار تقرير ملخَّص المُجتمع إلى أنَّ إجمالي عدد المهام الرَّقابيَّة والتَّقارير الصَّادرة عن جهاز الرَّقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة في عام 2023 (187) مهِمَّة منفَّذة، بواقع (185) تقريرًا رقابيًّا، توزَّعت بَيْنَ الوحدات الحكوميَّة (107) مهام منفَّذة و(120) تقريرًا رقابيًّا، والهيئات والشَّركات والاستثمارات بواقع (80) مهِمَّةً مُنفَّذة، و(65) تقريرًا رقابيًّا، وأنَّ نسبةَ تنفيذ الجهات المشمولة بالرَّقابة لملاحظات الجهاز بلغت (1165) ملاحظةً وبنسبةٍ وصلتْ إلى (81%)، بالإضافة إلى (115) قضيَّةً وهي قضايا الأموال العامَّة الَّتي تعامل معها جهاز الرَّقابة في عام 2023 وصدَرَت بشأنِ بعضها أحكام بالإدانة تمثَّلت عقوبتها بالسّجن لمُددٍ تراوحت بَيْنَ شهر إلى (10) سنوات، والغرامة بَيْنَ (200) ريال عُماني و(63) ألف ريال عُماني، فضلًا عن الحُكم بعقوبات تبعيَّة وتكميليَّة، بالإضافة إلى مهامّ فحصٍ قام بها جهاز الرَّقابة بالتَّكليف السَّامي لجلالة السُّلطان المُعظَّم، ومِنْها دراسة واقع مؤشِّرات التَّوطين في القِطاع الخاصِّ وأداء سياسة التَّوطين وخطط الإحلال في الشَّركات الحكوميَّة، ودراسة دَوْر الوحدات والشَّركات الحكوميَّة في دعم شراء المنتَجات الوطنيَّة، حيث يبرز هذا الارتفاع في عدد المهام المُنفَّذة والتَّقارير الرَّقابيَّة وعدد الوحدات الحكوميَّة والهيئات والاستثمارات والشَّركات المشمولة بتقرير الجهاز تحوُّلًا نَوْعيًّا في مسار عمل الجهاز وتعاظُم هذا الدَّوْر؛ باعتباره طريق القوَّة لصناعة جهاز إداري كفؤ وجهد مؤسَّسي منتِج وأداء مسؤول مُخلِص. الأمْرُ الَّذي أفصحَ عن مخرجات ذات قِيمة مُضافة، ظهرت في تحصيل واسترداد مبالغ ماليَّة تقدَّر بـ(177.7) مليون ريال عُماني، توزَّعت بَيْنَ (95) مليون ريال عُماني كمبالغ مستحقَّة حصلت في عام 2023 من الوحدات الحكوميَّة بواقع (13.8) مليون ريال عُماني، والهيئات والاستثمارات والشَّركات بواقع (81.2) مليون ريال عُماني و(82.7) مليون ريال عُماني مبالغ مستحقَّة حصلتْ في عام 2022 في ضوء متابعة الجهاز لتلك المبالغ وتلقِّي مؤيِّدات بتحصيلها بعد صدور التَّقرير السَّنوي للجهاز عن عام 2022.
وتعكس البنية الهيكليَّة للتَّقرير ومحتواه ومضمونه والرَّصانة المعلوماتيَّة فيه المُعزَّزة بالشَّواهد والدَّلائل، والسِّياسات والتَّحدِّيات وآليَّات التَّعامل معها، والشفافيَّة في طرحِ القضايا والإشارة المهنيَّة إلى التَّجاوزات من واقع أداء المؤسَّسات والدَّوائر المختصَّة فيها، والمهنيَّة في نشرِ المُلخَّص بأساليب مشوِّقة ومؤثِّرة، مرئيَّة ومسموعة ومقروءة مستفيدًا من التقنيَّات الحديثة، ومنصَّات التَّواصُل الاجتماعي؛ مرتكزات جوهريَّة كان لها أثَرها الإيجابي في الشفافيَّة الرَّقابيَّة المُنجزة، وعبَّرت عن مستوى التَّطوير الحاصل في بنية التَّقرير وأدواته ووسائله واستراتيجيَّات الرَّصد الَّتي انتهجها في الكشف عن الثَّغرات بالمؤسَّسات وتتبُّع منابع الفساد الحاصلة، في مشهدٍ يعبِّر عن حجم الجهد الَّذي بذلَه القائمون على هذا التَّقرير في قدرتهم على فَهْم العلاقات التَّكامليَّة بَيْنَ هذه الممارسات والرَّوابط الحاصلة فيها، محطَّة نَوْعيَّة تُحسَب لجهازِ الرَّقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة عزَّزت من القِيمة المُضافة للتَّقرير، وقَبول المواطن ومتابعته وحرصه وانتظاره لتقريرِ الرَّقابة، وهو ما يظهر من حجمِ التَّفاعل المُجتمعي لمجرَّد نشرِ التَّقرير عَبْرَ وسائل الإعلام المحلِّيَّة ومواقع وصفحات جهاز الرَّقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة في المنصَّات الاجتماعيَّة، حيث ظهرَ هذا التَّفاعل في أشكالٍ مختلفة، سواء بالرُّدود والآراء ووجهات النَّظر، وتُعدُّد الهاشتاقات عَبْرَ منصَّة «x» الَّتي تحملُ اسْمَ جهاز الرَّقابة الماليَّة والإداريَّة، ومُلخَّص الرَّقابة للمُجتمع أو مفردات النَّزاهة والرَّقابة ومكافحة الفساد، أو من خلال استطلاع آراء المُجتمع والاستضافات حَوْلَ التَّقرير الَّذي تعدُّه القنوات التلفزيونيَّة والإذاعات المرئيَّة العامَّة والخاصَّة، والصُّحف المحليَّة والصُّحف الإلكترونيَّة أو من خلال جملة المقالات وصفحات الآراء الَّتي يُعبِّر بها كتَّاب الأعمدة بالصُّحف اليوميَّة والأكاديميِّين وصنَّاع الكلمة، وصفحات ناشطي المنصَّات الاجتماعيَّة.
وعَلَيْه، يؤسِّس تقرير الرَّقابة بما حملَه من حقائق ووقائع وفرص وتغييرات، وأقرَّه من أحكام وعقوبات أو التزامات وتصحيحات، محطَّة تَحوُّل في مَسيرة العمل الرَّقابي، ومنطلقًا لرفعِ وعي المُجتمع الرَّقابي وتعظيم مفاهيم الرَّقابة والنَّزاهة في سُلوك وثقافة وقناعة المواطن في كُلِّ مواقع العمل والمسؤوليَّة، وهو خيار القوَّة في تحقيق منتَج رقابي كفء تتفاعل معه الجهود وينطلق من ضمير المسؤوليَّة واستشعار الواجب والحسِّ الوطني والأمانة والشفافيَّة والموضوعيَّة والإخلاص، يحفظ حقوق الوطن وموارده وممتلكاته لأبنائه وللأجيال القادمة، ويقف بحزم وإرادة في وَجْه كُلِّ مَن تُسوِّل له نَفْسه تجاوز حدود صلاحيَّاته أو استغلال نفوذ السُّلطة أو العبَث بالموارد الوطنيَّة أو اختلاس المال العامِّ، لِيقفَ عَلَيْها جهاز الرَّقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة بكُلِّ حزمٍ ومسؤوليَّة، مستحضِرًا في عمله جملة الصلاحيَّات والممكنات والبرامج والخطط النَّافذة وأدوات التَّشخيص والرَّصد والتَّعقُّب والمعالجة المباشرة في تصحيح أيِّ سُلوك إداري أو مالي من مؤسَّسات الجهاز الإداري للدَّولة والهيئات والشَّركات والشَّخصيَّات الاعتباريَّة، والوقوف على جراثيم الرَّشوة والاختلاس والفساد وسوء الاستغلال للمنصِب والتَّجاوزات الماليَّة والإداريَّة، والهدر في الثَّروات والموارد الوطنيَّة، والتَّجاوزات للمال العامِّ، وضبط أداء الهيئات الشَّركات الحكوميَّة والمؤسَّسات وغيرها، بما يؤسِّس لمرحلةِ النَّزاهة، قوامها الشَّراكة والعمل المنظَّم والمُقنَّن والتَّفعيل الصَّحيح لخطوطِ التَّأثير، والضَّبطيَّة والمحاسبيَّة والمساءلة وتعزيز الرَّقابة وتأصيل ثقافة العمل المؤسَّسي الرَّشيد وأخلاقيَّاته وقِيَمه ومبادئه والمرونة والثِّقة والتَّمكين والتَّثمير في الموارد البَشَريَّة الوطنيَّة وإدارة الموارد الماليَّة وضبط الإنفاق، في إقصاءٍ لكُلِّ التَّشوُّهات الماليَّة والإداريَّة، والتَّرهُّلات والمحسوبيَّات أو التَّأثيرات المُجتمعيَّة في الوظائف، ويُعزِّز من المصداقيَّة في اختيار الكادر الوطني القائم على هذه الشَّركات والمؤسَّسات الحكوميَّة وفق مبادئ الكفاءة والإنتاجيَّة ومعايير النَّزاهة والإخلاص والمسؤوليَّة. فلقد أفصحَ هذا المنجز الرَّقابي عن يقظة جهاز الرَّقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة والقائمين عَلَيْه وحجم التَّغيير الحاصل في الأداء الرَّقابي والجديَّة الَّتي بدأ الجهاز يتعامل بها مع مستجدَّات الأداء المؤسَّسي وحاكميَّته في سبيل إزالة كُلِّ مُسبِّبات القلق على المال العامِّ، وهو اليوم يضع الأداء الحكومي عامَّة وأداء المسؤول تحت المُجهر، وأنَّ الرَّقابة عَيْنَ الوطن على موارده، فإنَّ ما قدَّمه تقرير الجهاز من دلائل ومؤشِّرات وحقائق وثوابت وشواهد ومعطيات ومقترحات ومراجعات وما وجَّه إِلَيْه مؤسَّسات الجهاز الإداري للدَّولة بأسمائها ومُسمَّياتها وأوصافها وتفاصيلها من إجراءات ومسارات للعمل في تصحيح مسارها وترتيب أوضاعها سوف يصنع الفارق في معركة بناء الوعي الرَّقابي وتعزيز أثَره في أداء مؤسَّسات الجهاز الإداري للدَّولة وسُلوك الموظَّف والمسؤول الحكومي والهيئات الشَّركات والشخصيَّات الاعتباريَّة.
ومع تعاظُم دَوْر جهاز الرَّقابة وضروراته في مكافحة الفساد والحفاظ على المال العامِّ وتحقيق النَّزاهة والصُّورة المُشرِّفة الَّتي قدَّمها الجهاز في السَّنوات الأربع الأخيرة نؤكِّد على أهميَّة توسيع نطاق اختصاصاته ومهام عملِه لِتَشملَ مؤسَّسات أخرى في الدَّولة خارج مؤسَّسات الخدمات، بالإضافة إلى وضع اليد الرقابيَّة على الرُّكن الآخر في عمل الجهاز وعَبْرَ مواجهة حالة الهدر الإداري الَّذي باتَ يعصف بأجندة المؤسَّسات وأولويَّاتها، والوقوف على حجمِ التَّرهُّل الَّذي يعيشُه الجهاز الإداري للدَّولة في جوانب التَّرقيات في الوظائف العُليا، والتَّرقيات الماليَّة، والقرارات الوزاريَّة، ولجان العمل، لِيقفَ على موضعِ الخلَل في بيئة العمل، وطرائق الإنجاز، وتقييم العمليَّات الداخليَّة. وأن يجدَ المواطن في مكافحة الفساد والتَّشهير بمرتكبيه والتَّعريف بأسمائهم الخطوة القادمة الَّتي تضْمَن لهذا التَّقرير مزيدَ التَّأثير والاحتواء. ويبقى الوعيُ الرَّقابي المتولِّد من منجز تقرير جهاز الرَّقابة، الطَّريق الَّذي يحفظ لعُمان مواردها وللأجيال القادمة حقوقها، وخريطة طريق تحفظ الوظيفة العامَّة والمال العامَّ في المؤسَّسات الخدميَّة والسياديَّة من جراثيم الهدر والاختلاس والإساءة والاستغلال، وتُنزِّه العمل الوطني المسؤول من تدخُّلات الألقاب الوجاهيَّة والمواقع الاجتماعيَّة والمُسمَّيات الوظيفيَّة لِتكُونَ أمام العدالة النَّاجزة والرَّقابة والنَّزاهة سواء.
د.رجب بن علي العويسي