بعد نحو عشرة أيام من الذكرى الأولى لـــ”طوفان الأقصى”، قدم القائد السنوار مصداقًا جديدًا على بطولة قادة المقاومة وصدقهم وشجاعتهم، حيث ارتقى شهيدًا في الصمود الأسطوري لحركة مقاومة محاصرة تواجه جيشًا مدججًا بأحدث وأقوى الأسلحة الأمريكية، في وقت فشل فيه العدو من تحقيق هدفًا واحدًا من أهدافه المعلنة، سواء بتحرير أسراه أم القضاء على المقاومة في غزة.
بالرغم من مرارة الفقد والخسارة الكبيرة، إلّا أن استشهاد القائد السنوار لا تخلو ملابساته من دلالات قوة وبشارات عنفوان للمقاومة على طريق النصر القادم، حتمًا، مهما عظمت التضحيات.
في ضوء هذه التحولات الكبيرة أجرى ” نور نيوز” حواراً مع الخبير السوري في الشؤون الاستراتيجية د. حسن أحمد حسن، حول استشهاد السنوار ومنجزات هذا الشهيد المغوار.
فيما يلي نص الحوار:
السؤال الأول: اعلنت حركة حماس بشكل رسمي ارتقاء القائد المقاوم يحيى السنوار شهيدا على طريق القدس، حدثونا عن أبرز منجزات هذا الشهيد في مواجهة العدو.
بداية أستمطر شآبيب الرحمة والغفران لروح الشهيد البطل القائد المقدس يحي السنوار، تقبله الله مع الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.عندما يستشهد القادة على خطوط المواجهة الأولى وفي الاشتباك المباشر مع العدو فهذه قرينة دالة على أن من يسير بهذا النهج هو في طريقه إلى النصر الحتمي بعون الله وتوفيقه.
قد لا يتسع المقام، ولا تستطيع اللغة على رحابتها إيفاء الشهيد القائد يحي السنوار رئيس حركة حماس حقه، وهو الذي ولد مقاوماً وعاش بطلاً وارتقى شهيداً وبقي حتى النفس الأخير يقرن القول بالعمل، ويمكن باختصار شديد وتكثيف الإشارة إلى جزءٍ من كٍل من بعض مآثر الشهيد المقدس رحمه الله، وأكتفي بالتوقف عند بعض العناوين الرئيسة والعامة، ومنها:
- المنجز الأبرز والأهم والأبلغ والأغنى بالدلالات والمعاني هو إطلاق ملحمة طوفان الأقصى التي أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وأرغمت الجميع على إخراج هذه القضية المقدسة من الأدراج المقفلة ونفض الغبار عنها وإبقائها على الطاولة، والحديث هنا يتجاوز الساحة الفلسطينية والعربية والإقليمية والإسلامية فالحدث الأبرز اليوم متعلق بالصراع المزمن في الشرق الأوسط، وهو مرتبط بالقضية الفلسطينية بشكل مباشر.
- النجاح في التخطيط المحكم لانطلاقة طوفان الأقصى الذي هندس معالمه الشهيد السنوار، وهذا يأخذنا تلقائياً إلى أهم منجزين مرتبطين بذلك، وهما: أ -إعطاب عجلات عربات التطبيع العربي ــ الإسرائيلي، وقطع الطريق على ما أسموه الإبراهيمية، بعد أن تبين للعالم كله هذا التوحش والإجرام الذي لم تشهد له البشرية مثيلاً على امتداد تاريخها الطويل.
ب -إنقاذ المنطقة من أهوال وشرور أخطر مشروع كان يتم العمل عليه، والمتمثل بخلق صراعات وحروب على أساس طائفي بين السنة والشيعة، واليوم لم يعد بإمكان من تم تجنيدهم لإشعال فتيل الحرب السنية ــ الشيعية الاستمرار بمشروعهم الإبليسي المدمر بعد أن وحد الإجرام الصهيوني والمجازر المرتكبة بين دماء الشرفاء المناضلين، فدماء يحي السنوار امتزجت مع دماء سماحة السيد حسن نصر الله، ودماء الشهيد قاسم سليماني تكاملت مع دماء الشهيد إسماعيل هنية، وهكذا دواليك، ومن وجهة نظري الشخصية هذا أهم منجز لجميع أقطاب محور المقاومة، وإسدال الستارة على هذا المشروع الشيطاني إنجاز أكبر بكثير مما قد يخطر على الذهن، ونتائجه وتداعياته الإيجابية ستتبلور تدريجياً مع مرور الوقت.
- زرع ثقافة الصمود ونهج المقاومة في الملايين من أبناء الجيل ممن كادوا أن يفقدوا الأمل، فزرع الثقة مكان الشك، واليقين بدل التوجس، والإقدام مكان الإحجام والتردد، والشجاعة مكان الخوف، والصدق والوضوح بدلاً من التكاذب والخبث والتكتم، ومد جسور التواصل الخلاق والتكامل المثمر مع جميع أطراف محور المقاومة بعد أن كادت تتقطع السبل جراء ممارسات بخلفيات ضيقة تتعارض والأهداف السامية للمقاومة والمقاومين، وقد أزهر زرع الشهيد السنوار وأثمر، وتساقط الرطب الجني على الجميع، بعد الإعلان رسمياً والتطبيق عمليا لمقولة “وحدة الساحات وتكامل الجبهات” ولا شك أن دور الشهيد السنوار في هذا الجانب مهم وجوهري وكبير.
- ترسخ أهمية الصمود والثبات والبقاء في الأرض ورفض التهجير منها مهما بلغت التضحيات، وها هم سكان غزة العزة وبعد مرور عام ونيف من أقذر حرب عرفتها البشرية ما يزالون متشبثين بأرضهم وديارهم وبالقرب من بيوتهم التي دكها الإجرام الإسرائيلي على رؤوس ساكنيها لفرض التهجير القسري، لكت هيهات له هيهات… ها هم الغزاويون الميامين يتحدون آلة القتل والإبادة الصهيو ــ أمريكية، ويصبرون على منع دخول الغذاء والدواء والكساء والمأوى، ويرفضون اقتلاع جذورهم من رمال غزة الحبيبة.
- منح العمل العسكري المقاوم الزخم المطلوب، وإعداد العدة لكل ما يعزز صمود الفلسطينيين، ويساعدهم في الدفاع عن أنفسهم وحقهم في الحياة، فالشعب الفلسطيني الذي كان ينتفض وبيده حجر هو اليوم يمطر الداخل الاستيطاني في الكيان المؤقت بالصواريخ، ويذيق المحتل شر الوبال، ويوجه الصفعة تلو الصفعة لجيش الاحتلال وسلطاته، ويقذف في قلوب الجنود الصهاينة والمستوطنين والرعب وهم يرون بأم العين كيف تدمر دباباتهم، وكيف تتطاير أشلاء قتلاهم على مدار الساعة.
- يكفي المقاوم الفلسطيني فخراً أنه والقائد الشهيد السنوار في خندق واحد يراكمون الإنجازات رغم هول الكوارث وحجم التدمير والخسائر البشرية والبنيوية منذ أكثر من عام، فمع السابع من تشرين الأول 2023م. أسقط اقتحام المقاومين للداخل الاستيطاني المحتل كل ما له علاقة بهيبة الردع الإسرائيلي والتفوق وفرض سياسة الأمر الواقع بالحديد والنار، ولو لم تثمر ملحمة ط
وفان الأقصى إلا تلك الصور ومقاطع الفيديو التي توضح للعالم كيف انتزع المقاومون جنود الاحتلال من دباباتهم، وسحبوا معهم الجنرالات والضباط الإسرائيليين، وبعضهم بلباسه الداخلي، ووجوه الجميع تعلوها القترة والرعب، في حين كانت عزائم المقاومين تحفر على جدار الزمن بأحرف من نور ونار: من هنا مر الشهيد القائد السنوار، وسنكمل المشوار، ونعود وبأيدينا رايات الانتصار.
- المهارات القيادية السياسية والعسكرية والاجتماعية التي تبلورت بأبهى حلة واجتمعت بتكامل خلاق لدى القائد السنوار الذي أذاق أعداء الله والإنسانية بعض بأس المقاومة والمقاومين.
السؤال الثاني: هل سيعزز استشهاد السنوار ارادة المقاومة في مواجهة العدو؟ وكيف تقيمون ادارته للمعركة مع العدو؟
بكل تأكيد استشهاد القائد أمرٌ صعب ومؤلم، ووقعه ليس يسيراً على المرؤوسين والمقاتلين الذين نذروا أنفسهم لأداء الواجب المقدس، لكن ما يميز أداء من عشق المقاومة واعتنقها طريقة حياة وتفكير وسلوك يتحول استشهاد القائد من مصيبة كبرى إلى تحدٍ كبير، والوفاء لدماء الشهداء تلقي على عاتق الأحياء من المقاومين المزيد من المسؤوليات الكبرى والعمل على تحويل تلك التحديات الكبرى المستجدة إلى فرصة، وقطع الطريق على الأعداء ومنعهم من تحويل ذلك إلى أخطار وتهديدات، وهذا نجاح باهر يسجل للمقاومة والمقاومين.
الوفاء لدماء الشهيد السنوار يحتم على البقية جميعاً أن يحملوا هذا الدم، ويكملوا المسيرة الجهادية وفق النهج الذي كان يسير به أولئك الأبطال الميامين، كما أن الوفاء يتطلب الانتقام من القتلة المجرمين وزيادة الحقد عليهم والحفاظ على الراية التي استشهد في سبيلها خفاقة مرفوعة، وهذا ما يجسده على أرض الواقع أبناء القائد السنوار وأبناء القائد نصر الله ، وجميع عشاق الحرية والكرامة والعزة والأنفة والإباء، ومن يتابع أداء المقاومة في غزة شبه المدمرة، وعلى امتداد الجنوب اللبناني المشتعل في وجه الصهاينة المجرمين يدرك أن المقاومة تستنير بدماء الشهداء القادة، وسرعان ما تستعيد توازنها وتكمل جهادها وهي على يقين بحتمية النصر القريب والمبين إن شاء الله.
إن بقاء قطاع غزة صامدا في وجه الجيش الذي كان يقال إنه لا يقهر وعجز ذاك الجيش عن الحسم وعن تحقيق أي من الأهداف التي تم رفعها وبقيت بعيدة المنال، ومآلات هذه الحرب ستصل خواتيمها في يوم ما، فهذا القطاع الاستثنائي بقادته ورجاله ونسائه وشيوخه وأطفاله وكل مكوناته يعلم اليوم الكون برمته كيف يكون الانتصار الحتمي لدى من يمن الله عليهم بقائد إستراتيجي يستطيع أن يبرهن على عظمة ما تمت مراكمته من عوامل قوة واقتدار رغم الحصار الجائر، ورغم انتفاء غالبية مقومات الحياة على امتداد عمر الحرب مهما طالت واستطالت.
من الجوانب المهمة والحيوية في الحديث عن الشهيد السنوار الإشارة إلى توحيد البندقية الفلسطينية لدى جميع الفصائل المقاومة في فطاع غزة، وهذا جانب حيوي ويمكن البناء عليه، ورفع سقف الآمال، فالعدو الغاشم وداعموه استنفدوا ما لديهم واستخدموا كل ما يخطر على الذهن وما لا يخطر، لكن ما يزال لدى أطراف محور المقاومة الكثير مما يؤلم أعداء الله والإنسانية.دمشق في 20/12/2024م.
د. حسن أحمد حسن
نورنيوز