وضعت عملية استشهاد القائد يحيى السنوار (أبو إبراهيم) علامات مضيئة من المستحيل أن تمحوها السنين لأنها ببساطة شديدة هى محطات للصراع الممتد امتداد التاريخ بين الحق والباطل، منذ صراع ابنى آدم وامتداداً إلى صراعات كثيرة ومحطات كثيرة ظل فيها الشهيد هو البطل الذى يخلده التاريخ وظلت قضيته هى القضية المنتصرة دائماً. استشهد الإمام الحسين فى معركة وصراع الحق مع الباطل، فهل يذكر أحد أسماء من قتلوا الحسين أو حتى من أمروا بقتله؟ لكن بقى الحسين على أمد الدهر هو المنتصر وبقى الحق دائماً هو المنتصر. واستشهد جيفاراً فى أمريكا اللاتينية (أقول استشهد لأنه كان يدافع عن الحق أمام الباطل)، فهل يذكر أحد من قتل جيفارا، وبعده استشهد قائدنا العسكرى الرمز الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان الجيش المصرى الذى كان يعده جمال عبدالناصر لقيادة معركة التحرير انتصاراً للحق على الباطل، فهل يذكر أحد من قتل عبدالمنعم رياض؟ ، لكن بقى عبدالمنعم رياض بطلاً يخلده التاريخ وليس فقط الجيش المصرى أو الشعب المصرى.
عشرات وربما المئات من الأبطال الشهداء الذين حملوا راية الحق على أكتافهم وناضلوا من أجل نصرتها، هم المخلدون فى التاريخ رغم ما يعشعش من أوهام فى خيال بنيامين نيتانياهو أنه انتصر باغتياله مثل هؤلاء الشهداء وفى مقدمتهم إسماعيل هنيه والسيد حسن نصر الله، والآن يحيى السنوار وقبلهم فتحى الشقاقى (الجهاد الإسلامى) وأبو على مصطفى (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والحاج عماد مغنية فى لبنان.
كل هؤلاء يسميهم نيتانياهو «إرهابيين» ويسمى المقاومة «الإرهاب» وهو هنا يسير على درب الرئيس الأمريكى الأسبق جورج دبليو بوش وتصريحاته وحربه الكونية ضد من سماهم «محور الشر» عقب تفجيرات 11سبتمبر 2001 بوصف كل من يقول «لا» لأمريكا بـ «الإرهاب» على نحو ما وصف نيتانياهو فى خطابه الأخير أمام الكونجرس الأمريكى ومن بعده أمام الأمم المتحدة (سبتمبر الماضى) بوصف حرب الإبادة العرقية ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة بأنها «حرب ضد محور الشر الذى تقوده إيران» انتصاراً لمحور «الخير» على مستوى الإقليم وعلى مستوى العالم. ومحور الشر هذا هو من يقول «لا» لإسرائيل وبالتبعية للولايات المتحدة والهدف الحقيقى الأكبر هو فرض إسرائيل قوة إقليمية لا تنازع والتأسيس لـ «شرق أوسط عبري» تقوده إسرائيل «منفردة» بدعم أمريكى – غربى غير مسبوق سيدفع «العرب الموالون» أفدح أثمانه.
رغم ذلك سيبقى التحدى مستمرا لحسم الصراع الأزلى التاريخى: من المنتصر ومن المنهزم؟ هل هم أهل الحق والعدل الذين يقاومون المظالم طلباً لاسترداد الحقوق المغتصبة أم هم أهل الباطل والظلم والطغيان؟
الناطق العسكرى الإسرائيلى «دانييل هاجارى» قدم الإجابة الشافية عن هذا السؤال عندما رد باسم الجيش الإسرائيلى على أوهام بنيامين نيتانياهو وحلفائه فى الحكومة من اليمين التوراتى المتطرف الذين يعتقدون أنهم يعيشون هذه الأيام «معركة انتصارهم التوراتى»، وحسم القضية وقال إن «المقاومة لا يمكن القضاء عليها». فقد وصف هاجارى هدف حكومة إسرائيل المتمثل فى القضاء على حركة «حماس» بأنه «بعيد المنال»، ما سلط الضوء على أكثر الخلافات والتوترات بين رئيس الحكومة بنيامين نيتانياهو والجنرالات فى الجيش بشأن إدارة الحرب فى غزة. وقال هاجارى لـ «القناة 13» فى مقابلة (2024/6/19) إن: «تدمير (حماس) وجعلها تختفى هو ببساطة ذر للرماد فى عيون الناس (يقد فى عيون الإسرائيليين الذين يطالبون بوقف الحرب واسترداد الأسرى عند حماس)».
وأضاف قوله الأثير الذى أزعج نيتانياهو كثيراً إن «(حماس) فكرة، (حماس) حزب، إنها متجذرة فى قلوب الناس. ومن يقول إننا نستطيع القضاء عليها فهو مخطئ».
تصريح هاجارى تحول إلى خبر رئيسى فى إسرائيل، ووقتها تحدثت «سارة» زوجة نيتانياهو، عن أن «الجيش يعد انقلاباً ضد نيتانياهو»(!!).
واضطر نيتانياهو إلى التراجع عن نيته «القضاء على حماس» ورد على تصريح هاجارى بأن «المجلس الأمنى» حدد: «تدمير قدرات حماس العسكرية والحكومية بصفتها أحد أهداف الحرب» ما يعنى أنه «لا يخطط للقضاء على حماس».
تصريح يكذب فيه نيتانياهو نفسه، لأنه لا يخطط فقط بل يعمل على القضاء على كل من يقول «لا» لإسرائيل، وكل من يقاوم إسرائيل، العدو ليس «حماس» فقط بل كل منظمات وقوى المقاومة، والحرب الدائرة الآن ضد لبنان، والاعتداءات الأمريكية على اليمن بطائرات «تى – 2» الاستراتيجية، والخطة الأمريكية – الإسرائيلية التى يجرى إعدادها الآن لتنفيذها خلال الأيام المقبلة ضد إيران بصفتها الداعم الرئيسى لـ «خيار المقاومة» ربما لن تتضمن فقط تدمير القدرات النووية الإيرانية، بل قد تمتد إلى هدف إسقاط النظام الإسلامى فى إيران واغتيال زعمائه، كما ينشر هذه الأيام فى صحف أجنبية وأخرى عربية موالية بكل أسف .
هؤلاء كلهم، أمريكا والغرب وإسرائيل ومن يواليهم من العرب وغير العرب يعتقدون عن خطأ أن المقاومة وخيار المقاومة مجرد أشخاص يمكن اغتيالهم أو أفكار يمكن احتواؤها متجاهلين أن المقاومة هى وليدة الاحتلال والظلم والاستبداد. وأينما يوجد الظلم والتجبر والقهر لابد أن توجد المقاومة، وما تقوم به إسرائيل الآن من إبادة للشعب الفلسطينى فى شمال غزة تمهيداً للسيطرة عليه وضمه ثم التوسع إلى الجنوب فى غزة، وما يحدث من جرائم فى جنوب لبنان تؤكد أن المقاومة أضحت خيار حياة وعزة وكرامة.
د. محمد السعيد إدريس