الحديث القائل إن سوق العمل لا يستطيع استيعاب أبنائه بسبب ضيقه ليس دقيقًا جملةً وتفصيلًا، أو كما يُقال كلمة حقّ يراد بها باطل، فلا يجب أن نتمادى فيها كثيرًا أو نوجد الأعذار والمبررات التي بموجبها لا يتمّ حل إشكالات تنظيم سوق العمل أو السيطرة عليه كما ينبغي عبر توجيه الوظائف لأبناء الوطن قبل غيرهم، وإلا كيف تسنّى لهذا السوق أن يستوعب ما يقارب المليونين من الوافدين، فهذا الرقم يدحض جدلية صغر السوق وعجزه عن استيعاب المواطنين. وبناءً عليه لا ينبغي أن يكون لدينا باحثون عن عمل وفق كل المعطيات والمؤشرات، الأمر الذي يتطلب البحث عن حلول لهذه المعضلة وعدم الاتكاء على الحائط المائل لهذه المبررات التي قد تقودنا إلى المجهول في السنوات القادمة إذا استمر العمل بهذه الآليات الموجودة حاليا في إدارة سوق العمل.
إن الجهود المبذولة لإيجاد حلول للباحثين عن عمل مازالت دون المستوى المطلوب وتفتقر إلى العديد من الآليات التي تحكم سوق العمل لصالح المواطن العُماني بدل تمكّن غيره للأسف أمام مرأى الجميع.
ولعل من أهم العقبات التي تتمركز في الإجابة على السؤال المحوري والذي يلخص الأمر كله وهو كيف نستقدم عاملًا أجنبيًّا في ظل توافر مواطن باحث عن عمل في أي مهنة أو وظيفة؟، ومن المسؤول عن هذا الخلل وكيفية نعالجه؟ بحيث لا يُسمح بتجديد بطاقة عامل وافد في مهنة يتوافر لها مواطن، ثم هل نحن نعمل في هذا السياق وفي هذا الاتجاه قولًا وفعلًا؟!.
فأجهزة الدولة كلها معنية اليوم بهذه المعضلة الشائكة ونحسب أنها مهمومة ومحمومة ومشغولة ومنكبّة على ضبط هذا الجانب دون تراخٍ وباعتبار أن القضية تهمّ حاضر ومستقبل أبناء الوطن، وأن تبعاتها الوخيمة ترتدّ وبالًا على الوطن بأسره وتعوّق نموّه وتقدّمه وتلقي بظلالها القاتمة على رؤية عُمان 2040.
والمواطن وبالمنطق الحصيف والأمين والنزيه هو الأحق بالعمل في بلاده، والمنطق ذاته ينسحب على الأجنبي، ولكن في الاتجاه المعاكس فهو الأحق بالتوظيف في بلاده، وأن بلاده هي التي تتحمّل وزر عدم توافر وظيفة أو عمل له في رحابها، وهذه المسؤولية لا نتحمّلها نحن بطبيعة الحال.
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا نطبّق هذه الآليات ونُحْكِمها بدقّة متناهية عبر ترحيل العامل الوافد لكل مهنة تم تعمينها أو تم حظر الوافد من العمل فيها؟، ثم لماذا تجدّد وزارة العمل بطاقة عامل في مهنة حُظرت أو عُمّنت أو يوجد باحث عُماني فيها ومسجّل في سجلّاتها؟، وما هو الخطأ الذي يكتنف هذا الإجراء الإداري البسيط؟
ثم أين إدارة التأشيرات بشرطة عُمان السلطانية؟ فإذا كانت لا تطبّق هذا الجانب ولا تجدّد إقامة وافد على أساس حظر المهنة، فقطعًا هناك خلل إداري في هذه الجزئية تتلخص في أن إدارة التأشيرات لا تتلقى كشوفات بالمهن المحظورة من الجهات المختصة، وتتم تغذية الحاسوب بعناوين المهن المحظورة ويقوم الجهاز برفض تجديدها تلقائيًّا دون تدخل بشري، فالآلة لا تجامل أو تهادن كما نعرف، والأمر ينسحب أيضا على جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة ودوره في مراقبة هذه الجزئية الخاصة بالتحقق من تنفيذ القرارات الحكومية.
والسؤال الأضخم هنا لماذا تسمح الأجهزة الحكومية بعمل وافد لديها في مهنة محظورة أو يتوافر باحث مواطن لها؟، وكيف تمنح المناقصات ولا يتم التدقيق على الشركات في هذا الجانب حتى تكتمل دائرة التناغم بين كلّ الجهات ذات العلاقة؟.
في الواقع إن الالتزام بتنفيذ هكذا قرارات حيوية هو الذي يُسهم فعلا في توفير فرص عمل لأبنائنا الذين يتزايد أعدادهم يوما بعد آخر، أما التهاون والتراخي في التطبيق فيعنى تفاقم المشكلة والخاسر الأكبر فيها هو المواطن ثم الوطن تلقائيًّا.
لا ننكر أن هناك بعض المنتفعين يثيرون المخاوف ويحجبون مدى الرؤية بعواصف ترابية كاذبة مؤدّاها صعوبة المضي قُدما في هذا الاتجاه، وإن التشّدد فيه له انعكاسات سالبة على الواقع الاقتصادي وغيرها من المزاعم التي لا يتعين الالتفات إليها باعتبارها مزاعم شخصية صرفة أو كما يُقال لشيء في نفس يعقوب، ويعقوب هنا ليس يعقوب النبي عليه السلام حتما، فهؤلاء هم أنفسهم الذين ينعتون المواطن بالكسل والاتكالية وعدم قدرته على الإنجاز وتحقيق الإعجاز.
وبالطبع إن التحدّيات المصطنعة بسوق العمل كثيرة ولن تنتهي لعدم تمكين المواطن العُماني، وسيبقى تعارض المصالح بين أطراف الإنتاج هو المعضلة الأساسية التي يجب أن ندرس كيفية تذليلها بكلّ الطرق الممكنة والمتاحة علميًّا وعمليًّا وميدانيًّا وفكريًّا.
نأمل أن تستمر الحكومة في تمكين المواطن من مفاصل العمل في بلاده بصفة أساسية وتوفير الحياة الكريمة له من خلال تبنّي الآليات التي أشرنا إليها والتي تحكم هذا الجهد الحميد بروابط متينة وتجعل أي محاولة للالتفاف على هذه الجهود في حكم المستحيل، فالمواطن هو الأساس وهو هدف التنمية وغايتها ولا بدّ من تهيئة الظروف له ليقطف ثمار نهضته المباركة.
علي بن راشد المطاعني