في العقل الجمعي أشياء يصعب فهمها ، وخاصة في علاقة مجتمع بشري بزعيم سياسي ، ومن يراجع تسجيلات اللقاءات الجماهيرية لهتلر قبل وآثناء الحرب العالمية الثانية ، والخطابات النارية التي كان يلقيها الزعيم ، ويلاحظ ردود فعل الجماهير وحماسهم الذي يصل إلي حدود الجنون ٫ ثم يراجع ما كان يقوله هتلر ٫ سوف يتعجب من رد فعل شعب متحضر مثل الشعب الألماني .
ولعل ما يحدث منذ فترة مع دونالد ترامب يشبه شيئاً من ذلك ، فالرجل لا يقول شيئاً مهماً آو عظيماً بأي معيار ، بل أنه في أحيان كثيرة يتباهي بأقوال وأفعال يخجل منها الرجل الكريم ، مثل تعليقه علي شرائط هوليود التي حملت تسجيلاً له وهو يتحدث ببجاحة عن النساء وبشكل إباحي ، لقد اكتفي بالقول بأنه رجل مثل كل الرجال ، يتحدث في أشياء يتبادلها الرجال دائماً حول النساء !! .. ويبدو أن ذلك لاقي إعجاباً شديداً ” بصراحته ” و ” شجاعته ” ، خاصة وأنه هاجم في نفس الوقت منافسته هيلاري كيلنتون وزوجها متهماً إياهم بممارسة الفساد في الخفاء ..
ويمتلئ قاموس الرئيس الجديد بالعديد من التصريحات غير اللائقة ، ليس فقط عن منافسيه ، وإنما أيضاً معاونيه ، والأخطر أنه لا يعبأ بأن ينقل عنه الأوصاف التي يستخدمها لبعض قادة الدول ، والتي تتدني بشكل غير مسبوق في العلاقات الدولية .
ومن عجب أن بعض الحكام قد سارعوا بالمباركة والتهنئة ، ووصل حماسهم إلي درجة الظن بأنهم لا يهتمون بتلك المسائل الأخلاقية البائدة ، حتي ولو كانوا هدفاً لبعض سهامه المغموسة في البذاءة وقلة الأدب .
ويري البعض أن ترامب يمثل ظاهرة جديدة بين الزعماء ، بل ووصف بعض الخبراء الإستراتيجيين المصريين أن تلك الظاهرة هي ” الترامبية ” ، أي أنهم رفعوها إلي مصاف نظريات القيادة التي ينبغي أخذها في الإعتبار ، وربما يقومون حالياً بتدريسها لتلاميذهم في الجامعات ، ويبدو من جماع ما قيل وتمت كتابته عن هذه ” الظاهرة ” تزايد الإعجاب بها ، والذي لا يستطيع الخبراء إخفاء انبهارهم بما تحمله من ” الواقعية الجديدة ” أو ” الراحة في القباحة ” !!.
وقد لا يستطيع أحد لوم هؤلاء الخبراء المخضرمين ، وهو ما تؤكده متابعة ردود الفعل في أمريكا ، ونتيجة انتخابات ٢٠٢٤ ، بعد كل الفحش الثابت علي تصرفات ترامب ، بما في ذلك تحريضه علي حصار الكونجرس يوم ٦ يناير ٢٠٢١ ، ورفض نتائج الانتخابات التي فاز بها بايدن .
ليس هذا فحسب ، بل أنه في انتخابات ٢٠١٦ بين هيلاري كلينتون وترامب ، حين كانت كل المؤشرات تضع هيلاري في المقدمة حتي اليوم الأخير قبل التصويت مباشرة ، كان هو نفس اليوم الذي كان ترامب فيه يلقي خطاباً في مجموعة من مؤيديه في نورث كارولينا ، وكان يبدو مجهداً يائساً وهو يقشول : ” إذا لم نربح الانتخابات ، سوف اعتبر ذلك أكبر خسائري ، في الوقت والجهد والمال .. إذا لم نربح ، فأننا كلنا بأمانة أضعنا وقتنا ” .. وكان ذلك يبدو أمراً محبطاً ، إلا أن الحضور هللوا وصفقوا !! .. واعتبر البعض أن هذا الحديث اليائس كان ملهماً !! ..
أما ما هو شكل العالم في ظل هذه النظرية ” الترامبية ” ، فان ذلك يتطلب بعض الجهد للبحث في التاريخ السياسي للعالم عن إساليب تشبه آو تقترب من ذلك الإنحطاط الرسمي ، كي يمكن فهم ما الذي يمكن أن يحدث للعالم .
معصوم مرزوق