منذ أن صدر عن جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة التقرير السنوي لعام 2023م تحت عنوان “ملخص المجتمع” والذي كشف من خلاله نتائج متابعته المالية والإدارية لبعض الوحدات الحكومية والهيئات والاستثمارات والشركات الواقعة تحت رقابته، يعيش المواطن حالة من الطمأنينة والثقة بما تتمتع به حكومتنا الرشيدة من نزاهة وشفافية وحرص على تحقيق العدالة ومكافحة الفساد خاصة أن القائمين على الجهازتمكنوا من استرداد أكثر من 177 مليون ريال عماني للخزانة العامة نتيجة مخالفات وتقصير من قبل تلك الشركات والوحدات والهيئات وهو ما أصبح حديث المجتمع لفترة من الزمن.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا.. ماذا بعد إصدار “ملخص المجتمع”؟.. هل يجب الاكتفاء بهذا القدر من الرقابة أم أن كم المخالفات الكبير الذي كشف عنه التقرير يدعونا لتشديد الرقابة أكثر على المزيد من الهيئات والوحدات والشركات غير التابعة للجهاز لاستئصال شأفة الفساد من جذورها؟.
لاشك أن تكليف جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة بالمزيد من مهام الرقابة والمتابعة هو تحمل ما لا طاقة له به لأن مكافحة الفساد ليست مهمة الجهاز وحده بل مسئولية كل مواطن أيا كان موقعه أو منصبه مسئولا أو غير مسئول.. فالدولة تعتبر المواطن شريكا أساسيا في مسيرة التنمية وهذه الشراكة تحتم عليه أن يتعاون ويتكاتف معها لتعزيز النزاهة والعدالة حتى ينعم بالاستقرار.. فجميعنا في نفس السفينة وبتعاوننا نعبر بها لبر الأمان.
إن الحكومة أصبح عليها عبء الآن وهو البحث عن كيفية تكثيف وتطوير سبل التواصل بينها وبين كل من لديه معلومة أو شكوى من هيئة أو مؤسسة حكومية أو غير حكومية بحيث يمكن استحداث قنوات تواصل جديدة عبر مواقع إلكترونية أو خطوط هاتفية ساخنة لاستقبال هذه الشكاوى وتوجيهها للجهة المسئولة عن الشكوى لاتخاذ الإجراءات اللازمة.. هذا إلى جانب العمل على نشر الوعي بأهمية دعم النزاهة ومكافحة الفساد عن طريق تعزيز الرقابة والإبلاغ عن أي مخالفة سواء مالية أو معاملتية فتتم متابعة مستمرة لأداء الموظفين فهذا بالتأكيد سيساعد على التسريع من تحقيق أهداف الرؤية المستقبلية “عمان 2040”.
وبالطبع هذه الرقابة التي تقع على عاتق المجتمع ككل لا يجب أن تسلط الضوء على السلبيات فقط بل الإيجابيات أيضا فيتم الكشف عن الموظف المخلص الذي يراعي ضميره وتتغلب وطنيته على مصالحه الشخصية ليقدم النموذج الإيجابي الوطني للمواطن الصالح ويكون قدوة لغيره من أبناء المجتمع.
لقد قلنا في مقال سابق حول هذا الموضوع “إن الجهود المبذولة من قيادتنا الحكيمة لاستئصال شأفة الفساد أو استغلال النفوذ أو الانحراف الأخلاقي وإعلاء كلمة القانون تعكس عمق نظرة جلالته السامية في اللحاق بركب التنمية التي تشهدها البلاد بصورة متسارعة كما أنها من باب تحقيق الاستقرار للمجتمع والحفاظ على هيبة الدولة ومواردها وصون منجزاتها.. فحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه رجل أعمال لا أقوال ويثبت بفكره وإخلاصه أنه نعم اليد العاملة والعقل المبدع.. ونراه يبحر عكس اتجاه الموج بمجدافين أحدهما العدل والآخر الحق لذا فإنه سيصل ببلاده لبر الأمان إن شاء الله”.. وثقتنا في جلالته ليست لها حدود وندرك جميعا أنه يبذل قصارى جهده من أجل توطيد الثقة بين المواطن والحكومة وترسيخ مبدأ الديمقراطية والمساواة ولكن لكي يتحقق ذلك علينا أن نكون خير عون لجلالته بأن نعلم أن الرقابة مسئولية الجميع وعلى كل منا أن يقوم بدوره في تحقيق أهداف مسيرة النهضة والرؤية المستقبلية حتى نصل للمستقبل المشرق المنشود.
معرض للكتاب في كل محافظة
القراءة مفتاح المعرفة وبناء الشخصية والتفكير والسلوك والتصرفات.. فهي ليست مجرد ترف كما يعتقد البعض بل هي واجب وفرض على كل إنسان وعادة طيبة يجب أن ننميها في نفوسنا ونفوس أبنائنا حتى يصبح لنا جميعا وجود لأنها غذاء الروح وأساس تكوين عقل الإنسان.. وإذا كانت تشكل بالنسبة لمعظم شعوب العالم أهمية خاصة فإنها بالنسبة للمسلمين فرض حيث نزلت أول كلمة في القرآن الكريم “اقرأ” لتأمر المسلمين بالقراءة.
وتعبر معارض الكتاب التي تقيمها الدول تباعا عن اهتمام تلك الدول بعقل مواطنيها وحرصها على توفير غذاء الروح لهم إلى جانب ما لهذه المعارض من فوائد جمة في إثراء الحياة الثقافية وتنشيط حركة الإبداع بالإضافة إلى التواصل المثمر بين دور النشر والمؤلفين والجمهور.. كما أنه عندما نحرص على ارتياد معارض الكتاب ونعود أطفالنا على ذلك فإننا نربطهم بتراثهم ونفتح لهم الباب للتعرف على ثقافات العالم من حولهم وكافة صنوف المعرفة ومتابعة القضايا الثقافية أولا بأول.
ومؤخرا اختتمت في مدينة صور بمحافظة جنوب الشرقية فعاليات أول معرض للكتاب والذي جاء بالتزامن مع اختيارها عاصمة للسياحة العربية هذا العام.. ولقد شارك في هذا المعرض الكثير من دور النشر والمكتبات والكتّاب والمثقفين وشهد إقبالا كبيرا من الحضور عشاق القراءة والمعرفة والذين سعدوا كثيرا بوجود هذا المعرض في محافظتهم الذي سهل لهم وصول الكتاب بين أيديهم.
السؤال هنا.. لماذا لا يقام في كل محافظة معرض للكتاب؟.. فتقوم وزارة الثقافة والرياضة والشباب بإقامة معرض للكتاب كل شهر في محافظة معينة ولو داخل خيمة تتنقل بين محافظات السلطنة وتوصل المعرفة لكل مواطن في أي مكان.
لاشك أن إقامة معارض الكتب في مختلف المحافظات سيعمل على الارتقاء بمستوى المعرفة والقراءة لدى المواطنين ويسهل وصول الكتاب للباحثين والدارسين والقراء إلى جانب تحفيز دور النشر على الارتقاء بهذا الصناعة الهامة وتعزيز الحركة الثقافية في البلاد.. ويا حبذا لو تناول كل معرض السمات الثقافية والهوية المميزة والمعالم التراثية لكل محافظة في فعالياته.
إن معارض الكتب تساهم بشكل كبير في التفاعل والتواصل بين الكتّاب والقراء.. كما أنها تخلق جوا من التنافس بين دور النشر لتقديم أفضل ما لديها وتساعد على تثبيت مكانة الكتاب المطبوع في ظل التنافس الشرس بينه وبين نظيره الإلكتروني الذي بدأ يسحب البساط من تحت قدميه لاسيما مع التقدم التكنولوجي الذي سهل على القارئ تصفحه وحمله.. لذلك نتمنى أن تتبنى وزارة الثقافة والرياضة والشباب هذا المشروع الوطني الذي سيعمل على إثراء الحياة الثقافية وتنشيط حركة الإبداع ونشر المعرفة في كافة ربوع الوطن.
ناصر بن سالم اليحمدي