عملًا بأحكام المادَّة الـ(38) من قانون مجلس عُمان، وبناءً على الأوامر السَّامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ يفتتح مجلس الدَّولة اليوم الأحد، العاشر من نوفمبر، أعمال دَوْر الانعقاد العادي السَّنوي الثَّاني من الفترة الثَّامنة (2023-2027)، والَّذي يأتي استكمالًا لجهودِ المجلس في دَوْرته الثَّامنة، وتحقيق اختصاصاته المنصوص عَلَيْها في قانون مجلس عُمان، وفي ظلِّ متغيِّرات مُتسارعة وطموحات متعاظمة وتَوَجُّهات وطنيَّة مُتسارعة في تحقيق أولويَّات رؤية «عُمان 2040»، ومرحلة وطنيَّة حاسمة تستدعي بذل الجهد واستفراغ الوسعِ لِتَحقيقِ مستهدفات الرُّؤية، والَّتي يُمثِّل فيها المجلس شريكًا أساسيًّا لمنظومةِ الدَّولة في تعزيز التَّطوُّر والنَّماء وتحقيق السِّياسات العامَّة، ما يُلقي على مجلس الدَّولة مسؤوليَّات كبيرة في تحقيق هذه الشَّراكة، وتوظيف الصلاحيَّات الممنوحة له في رفع درجة مساهمته ومشاركته الفاعلة في تحقيق برامج التَّنمية الوطنيَّة المستدامة وفق اختصاصاته التَّشريعيَّة فيما يتعلق بإقرار أو تعديل مشروعات القوانين المحالة للمجلس، ومناقشة خطط التَّنمية والموازنة العامَّة للدَّولة، وهي اختصاصات أصيلة للمجلس يمارسها بصورةٍ منفردة أو بالاشتراك مع مجلس الشُّورى، بالإضافة إلى المادَّة (53) الَّتي أجازت للمجلس من تلقاء نَفْسه دراسة ومناقشة الموضوعات المُتَّصلة بتنفيذِ الخطط التنمويَّة، وتقديم مقترحاته بشأنها إلى الحكومة، كما أجازت له تقديم المقترحات والدِّراسات الَّتي تُسهم في ترسيخ القِيَم الأصيلة للمُجتمع العُماني والمحافظة على منجزاته.
لقَدْ أنْهَى مجلس الدَّولة في دَوْر الانعقاد الأوَّل مناقشة العديد من مشروعات القوانين المحالة من الحكومة، كما قدَّم عَبْرَ مكتب المجلس ولجانه الخمس الدَّائمة ولجانه الفرعيَّة واللِّجان الخاصَّة العديد من المقترحات والدِّراسات في مختلف مجالات العمل الوطني؛ فإنَّ قراءةً مُعمَّقة لِدَوْر مجلس الدَّولة في منظومة العمل الوطني، وتجلِّياته في حجمِ وتنوُّع ونَوْعيَّة وكفاءة وجودة ما قدَّمه من منجزٍ تشريعي ثري، ودراسات برلمانيَّة رصينة، يضع مُكوِّنات المجلس التَّنظيميَّة وهياكله الإداريَّة أمام استشعار واستشراف معطيات ومتطلبات المرحلة الحاليَّة والقادمة والَّتي تبدأ بِدَوْرِ انعقادٍ جديد يحمل طموحاتٍ مُتجدِّدة وأحلامًا متعاظمة في ظلِّ التَّطوُّرات التنمويَّة والتَّطلُّعات المحليَّة الطَّموحة والمُتغيِّرات الإقليميَّة والعالَميَّة، وأحداث ومستجدَّات داخليَّة يستدعي الوقوفَ عَلَيْها وإعادةَ ضبطِها وتنظيمِها، وتَبنِّي سياسات ناضجة في حلحلة هذه القضايا والأحداث الَّتي لهَا تأثيرها على موقع المجلس وسُمعته ومكانته في مُكوِّنات الدَّولة، مُدرِكين يقينًا بأنَّ إنجازات مجلس الدَّولة في فتراته السَّابقة ودَوْر الانعقاد الأوَّل من الفترة الحاليَّة شواهد إثباتٍ مُضيئة ضمَنتْ لأعمال المجلس الواقعيَّة والمهنيَّة والرِّيادة في ظلِّ ما يمتلكه من خبرات، وما اعتمدَه من منهجيَّاتٍ رصينةٍ وأدوات دقيقة واستراتيجيَّات عمل محكمة ضمنَتْ لمشروعات القوانين الإنتاجيَّة، الأمْرُ الَّذي عزَّز من دَوْر المجلس في ترسيخ إنتاجيَّة القانون ورفع سقف حضوره في كُلِّ التَّوَجُّهات الوطنيَّة والَّتي تتأكَّد اليوم بشكلٍ أكبر في ظلِّ معطيات برامج الذَّكاء الاصطناعي والتقنيَّات المُتقدِّمة، والطَّاقة المُتجدِّدة، والحياد الصِّفري الكربوني وغيرها من القِطاعات الواعدة وذات القِيمة العالية في تأطيرها بالتَّشريعات وضبطها بالقوانين بالشَّكل الَّذي يضْمَن كفاءتها الأدائيَّة وأثَرَها الإيجابي على مسار التَّنويع الاقتصادي.
إنَّ الميزةَ التنافسيَّة النَّاتجة عن تنوُّع خبرات المُكرَّمِين أعضاء المجلس، وحضور المرأة في عضويَّة المجلس محطَّة نوعيَّة تُعزِّز من تَوَجُّهات المجلس نَحْوَ استثمار الكفاءات وتقدير التَّنوُّع في المواهب والخبرات والقدرات، وتأصيل منحى التَّكامل بَيْنَ هذه العناصر بما تمتلكه من فِقه المعرفة والتَّجربة في تعاملها مع الكثير من المواقف، والكفاءة المهنيَّة والرَّصانة الفكريَّة وما يصحبُها من تنوُّع فرص البحثِ والجديَّة في استنطاقِ الأفكار المطروحة، محطَّات نَوْعيَّة تُعزِّز من كفاءة منتجِه التَّشريعي والتَّنموي، وتؤسِّس لمساراتِ القوَّة والموثوقيَّة في أعمال المجلس، وتُبرز قدوات ونماذج برلمانيَّة مؤثِّرة، وأنَّ ما يُقدِّمه مجلس الدَّولة يحظَى باهتمامِ الحكومةِ والمواطنين على حدٍّ سواء؛ فإنَّ المنهجيَّة المتوازنة الَّتي رسَمَها مجلس الدَّولة داخليًّا في التَّعاطي بمهنيَّة عالية وقراءة فاحصة مع مختلف الآراء والنِّقاشات في تناول مشروعات القوانين أو مشروعات الخطط التنمويَّة والاقتصاديَّة والميزانيَّة العامَّة للدَّولة، وخارجيًّا في تأطير منهجي للدبلوماسيَّة البرلمانيَّة وعَبْرَ مجموعات الصَّداقة مع البرلمانات الإقليميَّة والدّوليَّة؛ شاهد إثبات على فلسفة العمل الممنهج الَّتي اعتمدها المجلس في أجندته وقراءته للواقع واستشراف المستقبل بروح الفريق، ونهج الحكمة، وحسِّ الوطن، وعقليَّة الوفرة، وعُلوِّ الهمَّة، وهدوء الشخصيَّة ومبدأ الثِّقة، بما يضيفُه هذا التَّناغم في الأفكار ووجهات النَّظر، من قِيمة مُضافة تظهرُ جليًّا على مسارات عمل المجلس وآليَّة تحقيقِه لأدوارِه التشريعيَّة.
إنَّ استكمالَ مَسيرة الشَّراكة والنَّجاح والبناء والتَّطوير الَّتي أدارَها مجلس الدَّولة منذُ إنشائه في عام 1997 يستدعي اليوم أن تتَّجهَ بثقةٍ إلى الاهتمام إلى البَيْتِ الدَّاخلي المؤسَّسي (المطبخ البرلماني)، فإنَّ طموحَنا اليوم مع بدءِ دَوْر الانعقاد العادي الثَّاني في الوقوف على جملة من المعطيات، والَّتي نختصرها في الآتي:
- تعزيز المورد البَشَري الكفء العامل بأمانة المجلس والمحافظة على استقراره الوظيفي ورفع كفاءته الأدائيَّة والمهنيَّة، والاستفادة من الميزة التنافسيَّة والفرص الدّاخليَّة والخارجيَّة للمجلسِ، وبخاصةٍ مجموعاتُ الصَّداقةِ الخارجيَّة والبرلمانات النَّظيرة في رفعِ فرص البرامج التَّأهيليَّة والتَّدريبيَّة، وتوجيهِ الفرص الدَّاخليَّة في تعزيز الحوافز والمكافآت وخَلْق نُموٍّ في المسار الوظيفي وعَبْرَ الاستثمار في المورد البَشَري للعامِلِين بأمانةِ المجلس بإتاحة فرص التَّدريب والتَّأهيل، وبالتَّالي إعادة تنظيم الأمانة العامَّة للمجلس، وتطوير مواردها ومدخلاتها وتعزيز العمليَّات الدَّاخليَّة في الأمانات المساعدة، وإعادة توجيه المال في بناء القدرات وتعزيز المهارات البرلمانيَّة وتطوير المعارف، وإنتاج الفرص وصقل المواهب والخبرات وبناء مركز التَّدريب البرلماني، بالإضافة إلى الانتهاء من ترتيب البَيْتِ الدَّاخلي وتنظيمِه فيما يتعلَّق بالوصفِ الوظيفي للدَّوائر والأقسام والمهامِّ والاختصاصات والمُسمَّيات الوظيفيَّة الَّتي يحتاجها المجلس في تنفيذ اختصاصاته، بالإضافة إلى مراجعة وإقرار اللَّائحة الدَّاخليَّة للمجلسِ بما من شأنه يضْمَن استقرارًا وظيفيًّا للعامِلِين بالمجلس، واستقرارًا نَوْعيًّا في آليَّات العمل وأدواته وضمانات تحمي الموَظَّف من التَّأثر بالتَّغييرات الحاصلة في منظومة القوانين المُنظَّمة للوظيفة العامَّة.
- تعزيز التَّحوُّل الرَّقمي في أجهزة عمل المجلس ومراسلاته وأعماله، وأدواته وآليَّاته وبرامجِه وخططِه وتقاريرِه ومضابطه بالشَّكل الَّذي يضْمَن رفعَ سقفِ استخدام التِّقنية وتعظيم حضورها في عمل المجلس، إذ من شأن إتاحة هذا التَّحوُّل الرَّقمي وفرض حضوره في أعمال المجلس، الاستجابة لخطَّة التَّحوُّل الرَّقمي للحكومة. ومن جهةٍ أُخرى يُقلِّل من المنغِّصات المرتبطة بهذا الموضوع والَّتي باتَتْ تنعكس سلبًا على جودة الأداء وإنتاجيَّة المُوَظَّف، بالإضافة إلى العمل بالمضبطة الإلكترونيَّة بالاستفادة من تجارب البرلمانات الإقليميَّة والدّوليَّة الَّتي قطعَتْ شوطًا كبيرًا في هذا المجال وفي ظلِّ معطيات التقنيَّات والمنصَّات الاجتماعيَّة والمحتوى الرَّقمي والَّذي من شأنه أن يُسهمَ في رفعِ درجةِ حضور المجلس في المنصَّات الاجتماعيَّة وسهولة وصول العضو المُكرَّم إلى حواراته ونقاشاته وأطروحاته، وانتقالها وتداولها عَبْرَ المنصَّات الاجتماعيَّة بما يُعزِّز من موقع المجلس التَّفاعلي عَبْرَ هذه المنصَّات، وإدراك الرَّأي العامِّ ووعيِه بما يُقدِّمه مجلس الدَّولة وأعضاؤه من دعمٍ للمواطنين في تناولِ القضايا والموضوعات الَّتي باتَتْ تهمُّ الرَّأي العامَّ، خصوصًا المُتعلِّقة بملفاتِ التَّشغيل والتَّوظيف والتَّسريح والضَّرائب وغيرها.
- رفعُ سقفِ التَّواصُل والتَّكامل والتَّناغم بَيْنَ مُكوِّنات المجلس الأربعة (الرَّئيس، مكتب المجلس، اللِّجان، الأمانة العامَّة) وعَبْرَ إيجاد همزات وصْلٍ تنسيقيَّة على درجةٍ عالية من المصداقيَّة والموثوقيَّة في ضمان استدامة هذا التَّكامل وتعزيز منصَّات الحوار وتفعيل أجندة اللِّقاءات الدَّاخليَّة والفعاليَّات المهنيَّة الَّتي تنعكس إيجابًا على إنتاجيَّة الموظَّف وترفع من مستوى الشَّراكة الداخليَّة.
أخيرًا، فإنَّ بناء البَيْتِ الدَّاخلي المؤسَّسي للمجلس في إطار الحوار والشَّفافيَّة والتَّكامليَّة والثِّقة والمصداقيَّة والالتزام، وإيجاد بيئة صحيَّة منتِجة متوازنة، وإعادة هندسة الإجراءات والعمليَّات الداخليَّة وتصحيح المسارات الأُخرى غير المنضبطة، ضمانات تحافظ على درجة التَّوازنات في ثقافة العمل وترفع من مستوى التَّوَقُّعات والإنتاجيَّة للعامِلِين في أفضل مستوياتها، فإنَّ رفعَ كفاءةِ الاستحقاقِ البرلماني إنَّما تبدأ من البَيْتِ الدَّاخلي للمجلس.
د.رجب بن علي العويسي