إنَّ قراءة مزون الحكمة في مَسيرة التَّنمية والتَّطوير وبناء نهضة عُمان المُتجدِّدة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ تنطلق من رؤية حكيمة، وحكمة سديدة، وبدائل مريحة، وأدوات محكمة، وطموحات متعاظمة، وتوجُّهات أصيلة، وعمل متقن، وأدوات مبتكرة، واتصالات وتواصل مع الذَّات والآخر، وثقافة حوار، ومشاركة، وتكامل منهجي، وأُطر واستراتيجيَّات، سطَّرتها سنوات النَّهضة المُتجدِّدة كأروع ما يكُونُ نماذج واقعيَّة وتجارب عمليَّة وسُلوك يومي ممارس، وهو يقرأ ما يَدُور في فلك العالَم الواقعي والافتراضي اليوم من أحداث وما تعيشه البَشَريَّة من فوضى عارمة وأحداث مرهقة، يَجِبُ أن يعيَ العُماني موقعه مِنْها ودوره في مواجهتها، وامتلاكه للمهارات والقدرات والاستعدادات في تمييزها وتفنيدها وتصحيح ما يصلُ إِلَيْه من أفكار ومعلومات أو في تقييم هذه المعرفة الكونيَّة بتفاصيلها المُرهقة وتشوُّهاتها وتناقضاتها وفق أدوات علميَّة مجرَّبة ومناهج بحثٍ مؤطَّرة، وموجِّهات رصد وتقييم مُحقِّقة للغايات، راسمة خطوات الإنجاز القادمة، مستنطقًا قِيَم المواطن العُماني وثقافة المُجتمع العُماني وهُوِيَّته وسَمته وأخلاقه لِتكُونَ دافعًا له في مواجهة التَّحدِّيات الاقتصاديَّة والظُّروف المعيشيَّة وداعمًا له للعمل والإنتاج والرِّيادة وتحقيق كُلِّ مدركات التَّنمية الَّتي تصنع مِنْه قوَّةً ومنهجًا في العمل الجادِّ المُبهر والأداء المُتقَن المتميِّز.
لقد عمل جلالة السُّلطان في إطار رؤية وطنيَّة حالمة على بناء منظومة اقتصاديَّة واعدة، أعادت مراجعة السِّياسات الاقتصاديَّة إنتاج وتصحيح الإجراءات الاقتصاديَّة غير المنضبطة، فكانتِ الإرادة السَّامية لجلالة السُّلطان والصورة الَّتي رسمَها للعمل الوطني في مواجهة التَّحدِّيات الاقتصاديَّة خير داعم لهذا النهج والوصول إلى استحقاقات هذا العمل، والحدِّ من تأثيرات انخفاض أسعار النفط وارتفاع العجز والدَّيْن العامِّ على الموازنة العامَّة والمشروعات التنمويَّة والاستثمارات، لذلك اتَّجهتِ الممارسة الاقتصاديَّة في ظلِّ إعادة رسمِ ملامحها التَّشريعيَّة والتَّنظيميَّة ومُحدِّدات الإنفاق العامِّ، إلى إنتاج التَّشريعات والقوانين والإجراءات الضَّابطة الَّتي عكستْ حُسن التَّدبير وحسَّ المسؤوليَّة، في إعادة مسار التَّوازنات الاقتصاديَّة في المشهد العُماني والمحافظة على المرتكزات والثَّوابت في مسارها الصَّحيح، الأمْرُ الَّذي حفظ للاقتصاد العُماني موقعه في السِّياسات والشَّراكات الاقتصاديَّة الاستراتيجيَّة بما لا يؤثِّر على موقع سلطنة عُمان الحضاري، وضِمن تقوية المركز المالي للدَّولة، وتعزيز وتنويع الإيرادات الماليَّة، وضبط وتحسين كفاءة الإنفاق، وخفض المديونيَّة العامَّة للدَّولة من خلال استغلال الفوائض الماليَّة نَحْوَ سداد الدَّيْن العامِّ.
وكان لهذه السِّياسات الاقتصاديَّة المتوازنة أثَرُها الإيجابي في انخفاض الدَّيْن العامِّ الَّذي وصلَ إلى (34.5%) في عام 2024 مقارنةً بـ(67.9%) في عام 2020، وزيادة الثِّقة الدوليَّة وتعزيز الإنفاق الاجتماعي، بالإضافة إلى تحقيق الميزانيَّة العامَّة للدَّولة في عام 2023 فائضًا بـ(931) مليون ريال عُماني مقارنةً بعجزٍ بلغ (2.6) مليار ريال عُماني في عام 2019، وتحفيز النُّمو الاقتصادي، بنسبة (4.4%) ليتجاوزَ متوسط نُموِّ اقتصادات العالَم في عام 2022، بالإضافة إلى تحسُّن التَّصنيف الائتماني لسلطنة عُمان أكثر من مرة ليرتفعَ في تقييم وكالة فيتش في مايو 2024 إلى BB+ مع نظرة إيجابيَّة مستقرَّة، كما عدَّلت وكالة ستاندرد أند بورز في مارس 2024 من نظرة مستقبليَّة مستقرَّة في سبتمبر لعام 2023 إلىBB+ في مارس 2024 مع نظرة مستقبليَّة إيجابيَّة، كما استهدفت سياسات سلطنة عُمان في التَّنويع الاقتصادي رفع نسبة مساهمة الأنشطة غير النفطيَّة في النَّاتج المحلِّي الإجمالي، والَّتي بلغت في عام 2023 (27304.7) مليون ريال عُماني، بالإضافة إلى زيادة نسبة الصَّادرات السلعيَّة غير النفطيَّة من إجمالي الصَّادرات، والتَّقليل من الاعتماد على النفط وتوفير فرص عمل أكثر تنوعًا واستدامة للمواطنين، وهي إنجازات تحمل في دلالاتها حكمة جلالة السُّلطان المُعظَّم في إدارة الواقع الاقتصادي، والإجراءات الماليَّة الَّتي اتَّخذتها الحكومة في إطار الخطَّة الماليَّة متوسِّطة المدى، وأسهمَتْ في تحسُّن الأداء المالي للدَّولة، وفق مسارات تتَّسم بالتَّنظيم المُعزَّز بالإدارة الكفؤة، الأمْرُ الَّذي سينعكس إيجابًا على حياة المواطن وقناعاته وإيمانه بالثَّوابت والمرتكزات الوطنيَّة، وهي جهود باتتْ تضع المواطن ـ الشَّريك الأساسي في بناء الدَّولة ـ أمام مسؤوليَّاته التَّاريخيَّة والوطنيَّة والأخلاقيَّة في أن يمارسَ دَوْره الوطني في إطار من الوعي والكفاءة والبصيرة والمهنيَّة.
وشكَّلت أحداث المشهد السِّياسي وحكمة جلالة السُّلطان المُعظَّم في إدارته والتَّعامل معه منطلقًا لرسالة سلطنة عُمان للعالَم الَّتي ترتكز على مبادئ السَّلام والحوار والتَّنمية والتَّعايش، تحكمها المصداقيَّة وثبات النَّهج، ووضوح المسار، لا تتغيَّر بتغيُّر الظُّروف والأحوال، ولا تتبدَّل بتبدُّل المواقف والأشخاص، قوامها الحقُّ والعدْل والمساواة والشَّرعيَّة الدّوليَّة، والعمل على استتباب الأمن والسَّلام والسَّعادة للبَشَريَّة كافة، فقد شكَّل العدوان الإجرامي الصهيوني الغاشم على غزَّة، أحَد أهمِّ المقلقات الَّتي تعيشها المنطقة والعالَم في ظلِّ استمراره واتِّساعه لدوَل عربيَّة أخرى، وهي ممارسات عبثيَّة همجيَّة تستقبحها الفطرة السَّليمة وتستنكرها الإنسانيَّة الرَّاقية، حيث جاء في عاطر النُّطق السَّامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ في افتتاح دَوْر الانعقاد الأوَّل للدَّوْرة الثَّامنة لمجلس عُمان في الرَّابع عشر من نوفمبر من عام 2023 ما نَصُّه: «إنَّنا إذ نتابع بكُلِّ أسًى ما يتعرَّض له الأشقَّاء في فلسطين المُحتلَّة، من عدوانٍ إسرائيلي غاشمٍ، وحصارٍ جائرٍ؛ لنؤكّد على مبادئنا الثَّابتة لإقامة الدَّولة الفلسطينيَّة وعاصمتها القدس الشَّرقيَّة، ومؤكِّدين على ضرورة تحمُّل المُجتمع الدّولي مسؤوليَّاته والتزاماته تجاه القضيَّة الفلسطينيَّة، والمسارعة في إيجاد حلولٍ جذريَّة لتحقيق آمال الشَّعب الفلسطيني في إقامة دَولته المُستقلَّة، وبذلك يعمُّ السَّلام في منطقتنا وينعم العالَم أجمع بالأمن والأمان… ونوَدُّ هُنَا أن نؤكِّدَ على ثوابتنا السِّياسيَّة المبنيَّة على مبادئ حُسن الجوار، وعدم التَّدخُّل في الشُّؤون الدَّاخليَّة للآخرين، وعلى إرساء نظامٍ عادلٍ لتبادُلِ المنافع والمصالح، وعلى إقامة أُسُس الاستقرار والسَّلام والإسهام فيها بإيجابيَّة».
لقد شكَّل خِطاب جلالة السُّلطان المعظم مرتكزات للسياسة العُمانيَّة الَّتي ظلتْ دومًا صادحةً بالحقِّ، ناطقةً بالصِّدق، واضعةً العالَم أمام مسؤوليَّاته الأخلاقيَّة والإنسانيَّة في منع كُلِّ أشكال الإجرام والوقوف مع الشَّعب الفلسطيني في استرداد حقِّه المشروع، وهو أمْرٌ لم تحدْ عَنْه سلطنة عُمان قَيْدَ أُنملة، بما يعكس تلك السِّيرة العُمانيَّة العطرة المؤكِّدة للانتماء العربي والمؤمِنة بالقضيَّة الفلسطينيَّة، عقيدةً وفكرًا ومبدأً وأصالةً وثوابتَ، في وقوفها الدَّائم إلى جانب القضايا العادلة، وتوطيد عُرى التَّعاون مع الأشقَّاء والأصدقاء في الدوَل العربيَّة والإسلاميَّة، ومصادقة كُلِّ شعوب العالَم المُحِبَّة للعدلِ والسَّلام، واعتماد الحوار والحلول السلميَّة في التَّعامل مع كُلِّ النِّزاعات، منطلقةً في ذلك من إيمانٍ وثيقٍ بأنَّ تحقيقَ السَّلام العادل والشَّامل لا يتحقق إلَّا من خلال التَّطبيق التَّام والكامل لقرارات الشَّرعيَّة الدوليَّة، وحقِّ الشَّعب الفلسطيني في تقرير مصيرِه وإقامة دَولته المُستقلَّة على تُرابه وعاصمتها القدس الشَّريف؛ وقد حرصتْ سلطنة عُمان في ممارستها لسياستها الخارجيَّة على أن تدعمَ علاقاتها مع الأشقَّاء والأصدقاء بكُلِّ ما يُعزِّز المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة من شراكات اقتصاديَّة وتجاريَّة وبما يُسهم في فتحِ آفاقٍ أوسع أمام الاقتصاد العُماني ودعم قدراته عَبْرَ علاقات سلطنة عُمان مع مختلف الأطراف الإقليميَّة والدّوليَّة مستفيدةً من الميزة التَّنافسيَّة والجيوسياسيَّة الَّتي ضمنت تقدير العالَم لهذه السِّياسة العُمانيَّة؛ فكان منهج الثَّبات والمصداقيَّة والتَّوازنات الَّتي تأصَّلت في شخصيَّة المواطن العُماني في قراءة ما يَدُور في فلَك هذا العالَم من أحداث، واللُّغة التَّفاعليَّة التَّواصليَّة الرَّاقية الَّتي أتقنَ العُماني لُغَتَها بكُلِّ جدارة خيوطًا ممتدَّة لمزون الحكمة السُّلطانيَّة.
إنّ نهضة عُمان المُتجدِّدة وهي تبلغ هذا المستوى الرَّاقي في تعاملها مع اضطرابات العالَم وتحدِّياته الاقتصاديَّة والسِّياسيَّة وأحداثه المأساويَّة، وحكمتها في إدارة المواقف، وسُلوكها في التَّعامل مع معطيات الاقتصاد، واستباقيَّتها لفتحِ منابر السَّلام والوفاق وتبادل المنافع واحترام السِّيادة الوطنيَّة بَيْنَ دوَل العالَم، ومدِّ يَدِ العون لكُلِّ شعوب الأرض، إنَّما تعيش مرحلة استحقاقات إنسانيَّة بلا منازع، وتضع المواطن العُماني أمام رصيد حضاري زاخر بعطائه مدرار بنجاحاته، وعلى العُماني بذلك أن يتحمَّلَ مسؤوليَّته القادمة في المحافظة عَلَيْه، ليستمرَّ العطاء والإنجاز كما وعَدَ جلالة السُّلطان.
د.رجب بن علي العويسي