لم يكن غريبا أن يكون ملهم فكرة الحماية الدولية في السودان، شخصا سودانيا هو الدبلوماسي السوداني فرانسيس دينج ، فقد عرفت السودان علي مدي سنوات طويلة صراعات دموية ، وعانت من عجز حكوماتها المتعاقبة عن توفير الحماية اللازمة للمواطنين ، فضلا عن عجز المجتمع الإقليمي والدولي .
وقد تطور مفهوم الحماية الدولية خاصة بعد أن شهد العالم في التسعينيات من القرن الماضي فظائع مروعة في منطقة البلقان ورواندا، مما أدى إلى خسائر بشرية هائلة وأزمات إنسانية لا تزال تأثيراتها ملموسة حتى اليوم.
وقد أثار عجز المجتمع الدولي عن منع تلك الكوارث انتقادات واسعة، بينما اعتبر البعض أن تدخل الناتو العسكري في كوسوفو، يعد خرقًا لمبدأ حظر استخدام القوة العسكرية في حل المنازعات الدولية ، وقد دفع هذا الفشل المجتمع الدولي إلى مناقشة كيفية التعامل مع الانتهاكات الخطيرة والمنهجية لحقوق الإنسان.
في سبتمبر 1999، قدم كوفي أنان، السكرتير العام للأمم المتحدة، تقريره السنوي إلى الجمعية العامة، حيث تناول مفاهيم حقوق الإنسان والتدخل في القرن الحادي والعشرين. دعا أنان الدول الأعضاء إلى التوصل لأرضية توافقية للحفاظ على مبادئ الميثاق والعمل للدفاع عن الإنسانية المشتركة.
أعاد أنان طرح هذه الأفكار في تقريره الألفي عام 2000، مؤكدًا على ضرورة التصرف حيال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مثل تلك التي حدثت في رواندا وسيبرنيكا.
استجابة لدعوة أنان، أنشأت الحكومة الكندية اللجنة الدولية حول التدخل وسيادة الدولة، والتي أصدرت في نهاية عام 2001 تقريرًا بعنوان “المسؤولية في الحماية”. استلهم هذا التقرير من أفكار الدبلوماسي السوداني فرانسيس دينغ حول “سيادة الدولة كمسؤولية”، مؤكدًا أن السيادة ليست مجرد حماية من التدخل الخارجي، بل تتضمن أيضًا مسؤوليات إيجابية للدول تجاه رفاهية شعوبها.
حدد التقرير مفهوم “المسؤولية الكامنة” لدى المجتمع الدولي، والتي يتم تفعيلها عندما تكون دولة معينة غير راغبة أو غير قادرة على حماية شعبها، أو إذا كانت هي نفسها ترتكب الجرائم أو الفظائع.
هذا المفهوم أُكد في تقرير المائدة العليا حول التهديدات والتحديات والتغير تحت عنوان “عالم أكثر أمنا: مسؤوليتنا المشتركة” (A/59/565) وفي تقرير السكرتير العام لعام 2005 حول “الحرية الأوسع” (A/59/2005).
وفي قمة الدول عام 2005، التزمت الدول الأعضاء بمبدأ المسؤولية في الحماية، وأدرجت ذلك في الوثيقة النهائية للاجتماع (A/RES/60/1). رغم أن المبدأ المعتمد أغفل بعض الخصائص المقترحة من اللجنة الدولية حول التدخل والسيادة، إلا أنه احتفظ بأسس جوهرية لمنع والتعامل مع الانتهاكات الشديدة للحقوق الدولية للإنسان.
في العام 2007، وجه السكرتير العام للأمم المتحدة خطابًا (S/2007/721) إلى رئيس مجلس الأمن، مشيرًا إلى الحاجة لتفعيل مبدأ المسؤولية في الحماية.
تم تعيين مستشار خاص لهذه المهمة في عام 2008، بهدف تطوير المفهوم وبناء الثقة حيث كان من المهم تقريب الالتزامات القائمة بالفعل وفق القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان مع الحقائق التي تواجه أممًا معرضة للإبادة وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية.
وهكذا برز إلي الوجود مولود دولي جديد هو “مبدأ المسئولية في الحماية ” Responsibility to Protect ” التي اختصرت في R2P ، وهو يؤكد أن سيادة الدولة تتحقق مع التزام الدولة بحماية شعبها ، وإذا كانت الدولة غير راغبة أو غير قادرة على القيام بذلك، فإن المسؤولية تنتقل إلى المجتمع الدولي، الذي يستخدم وسائل دبلوماسية وإنسانية لحمايتهم، و إذا لم تكن الوسائل السلمية كافية، فأن مجلس الأمن يمكن أن يفوض استخدام القوة وفقا للفصل السابع من الميثاق كحل أخير.
ومنذ اعتماد مبدأ المسؤولية في الحماية عام 2005، اتخذ السكرتير العام للأمم المتحدة خطوات لتفصيل المبدأ وتوجيه التطبيق العملي له ، قامت الدول الأعضاء بشكل منتظم بالنظر في تطبيق المبدأ خلال الجلسات الرسمية وغير الرسمية، وأكدت على أهميته في قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
يدعم هذا المبدأ السيادة عن طريق مساعدة الدول في تنفيذ مسؤولياتها القائمة بالفعل ، كما يوفر فرصًا ضمن برامج نظام الأمم المتحدة لمساعدة الدول في منع الجرائم والانتهاكات، وحماية الشعوب المتأثرة.
أن تفاقم الأوضاع بشكل خطير في السودان يستدعي المطالبة بتطبيق مبدأ المسؤولية في الحماية علي الفور حماية لهذا الشعب الشقيق من نفسه أو من بعض أبنائه ، ويمكن لمجلس الأمن أن يفوض تلك المهمة إلي جامعة الدول العربية كي تتحرك علي الفور بكل ما يتوفر من وسائل سلمية لوقف نزيف الدم ، وإذا تعذر ذلك عليها أن ترفع الأمر فورا لمجلس الأمن لإتخاذ قرار لتفعيل مبدأ المسئولية في الحماية بإستخدام القوة المناسبة لردع أطراف الحرب الأهلية .
معصوم مرزوق