انتهت إجازة العيد الوطني المجيد، واضعة النقاط على الحروف، معبرة عن حقيقة مسارنا السياحي، الذي لا يزال يعيش حالة التعثر والركود في مشاهد مخجلة جسدتها حالة الازدحام والاكتظاظ على البيئات السياحية ليعم مختلف الأماكن، الأودية والعيون والنزل السياحية والأماكن العامة، ومع تبعه من غياب خصوصية المكان للاستجمام الأسري.
فبين مفترش الأرض تحت شجرة السدر أو الغاف وبين من نصب لنفسه خيمة أو “طربالا” يقيه من أشعة الشمس، في مشهد يعكس غياب الاستدامة في المسار السياحي، يضاف إليه صعوبة الوصول إلى بعض الأماكن السياحية، وغياب الخدمات الأساسية المحققة لاحتياجات السياح ( دورات المياه).
مشاهد تعكس حالة غير مرضية للسياحة الداخلية، ومشهد يخبرنا بأن واقع السياحة في المحافظات ما زال لم يصل إلى الطموح.
وفي المشهد ذاته يبدو أن جزءا من الشعب لم تروقه هذه الحالة فوجد بأن توجهه لدول الجوار لقضاء الإجازة خيارا فرض نفسه، فأعداد المركبات والازدحام الحاصل في المنافذ الحدودية البرية المتجهة إلى دول الجوار والتي بدأت منذ ظهر الثلاثاء وتأخر المتجهين إليها لساعات طويله ينبئ هو الآخر عن الصورة التراكمية التي تعيشها السياحية الداخلية، والصورة القاتمة التي ما زالت ترافقها رغم التوجهات الوطنية في إعادة تنشيط هذا القطاع ومنح المحافظات الصلاحيات الواسعة. إلا أن المنتوج المقدم لا يزال يفتقر للاستدامة والتأثير والاحتواء والجودة والتكاملية والترابط في الأنشطة السياحية بالمحافظات.
من هنا نعتقد بأن الإجازات بمختلف أنواعها ومسمياتها وأوصافها اختبار فعال للمشهد السياحي، فقد كشفت مستوى الثغرات في سياحة المحافظات، وما زالت القدرات السياحية الوطنية لم تستوعب أحلام العمانيين والمقيمين ولم تجب عن التساؤلات التي يطرحها المواطن كمبرر مقنع لذهابه إلى دول الجوار.
أخيرا، فإن الحقيقة المؤلمة التي يجب إدراكها، هو أنه رغم تنوع المكون السياح، إلا أن طريقة إدارته لم تنضج بعد، ولم يتم تقديم نموذج سياحي منافس محققا للاستدامة السياحية ويمتلك أدوات ضبط متغيراتها، بحيث يجد فيها المواطنين بغيتهم وفرصتهم التي تضعهم أمام خيار صعب في قبول تحدي التوجه إلى دول الجوار، ما يؤكد على أهمية تصحيح المسار السياحي ومراجعة الحسابات الوطنية الموجهة للسياحية، وتوحيد الجهود الحكومية والأهلية عبر الثقة بمشاركة القطاع الخاص في صناعة السياحة عالية التأثير والجودة.
د. رجب بن علي العويسي