في إجازة العيد الوطني الـ 54 المجيد، توجّهنا لولاية جعلان بني بو حسن لقضاء الإجازة، وفي البيت احتجنا إلى بعض الأغراض المنزلية التي يتعين إحضارها من السوق، فذهبت إلى أحد محلات الـ (هايبر ماركت) المعروفة وذات الأسماء الرنانة، وبعد أن أكملت اختيار الأغراض التي احتجتُها وضعتُها في السلة ثم توجّهت للمحاسب الأجنبي لدفع القيمة -ومع أن هذه المهنة محظورة على الأجانب غير أن الطرف عنها مغضوض- تعامل المحاسب مع الآلة الحاسبة الكبيرة التي أمامه والخاصة بجمع قيمة المشتريات ثم أفادني بأن إجمالي قيمة مشترياتي يبلغ 34 ريالا، هممتُ بدفع المبلغ بيْد أن ثمة شكًّا تسلّل لنفسي في تلك اللحظة الفارقة، إذ إن مشترياتي ليست كثيرة حتى تصل لذلك المبلغ، قلتُ له وفي نفسي شيء نعيدُ معًا حساب المشتريات مجدّدا، وكنت في هذه المرة معه بعقلي وبصري وبصيرتي، وبعد الجمع ظهر المبلغ الجديد على الآلة التي لا تكذب تراجع المبلغ بقدرة قادر إلى 17 ريالا فقط لا غير، وهذا المبلغ يتناسب تماما مع مشترياتي القليلة.
فكيف تراجع المبلغ للنصف إذًا، لقد وجدتُه قد أضاف لي سلعًا من عنده لم أشترها وليست ماثلة أمامه على المنضدة، فقط أضافها من ذكائه أو من غبائه لا فرق، وربما من خياله. فهذا الألمعي انتهز فرصة استسهال المشتري باعتباره أمينًا وصادقًا ويحترم زبائن متجره وبناء على توصيات صاحب المحل الذي يظن فيه الخير بالفطرة السليمة، وبعدها تعلمون سوء المنقلب الذي عليه من حمرة الخجل وانحسار الرأس وعدم القدرة على الابتسام أو حتى النظر في الوجه، دعونا من هذه السردية المحزنة عند هذه النقطة.
بعدها نقول إن هذه الممارسات لم تحدث معي كأول مشترٍ بالقطع، إنها مألوفة وحدثت قبلي بنجاح مع آخرين، ولولا إلهام الله عز وجل لكنتُ ضحية جديدة لا أكثر ولا أقل، الأمر الذي يتطلب من الجهات المختصة أن تقوم بدورها في هذا الأمر الجلل وذلك بوضع رقابة صارمة على مثل هذه الممارسات المُؤسفة والمُخجلة معًا.
وأضعفُ الإيمان وضع لافتات خلف كل محاسب كالتي توضع في البنوك وتقول “راجع أموالك قبل المغادرة”، لتقول اللافتات المقترحة “راجع فاتورتك ومشترياتك قبل الدفع”، وإجراء كهذا من الممكن أن يبدّد الغفلة التلقائية والطبيعية للمشتري ليجد المحاسب أن هناك أربع عيون تراقب حصر المشتريات لا عيناه هو فقط، عندها سيلتزم بالأمانة واجبة الاتباع أصلا بغير متابعة، أو إيجاد مدققين داخليين يراجعون الفواتير قبل مغادرة الزبون كنوع من السعي النبيل لإرساء دعائم النزاهة والشفافية وتعزيز ثقة المستهلكين.
ومن الواضح أن محلات الهايبر التي يرتادها المئات بل الآلاف من المستهلكين كانت تغرّد خارج سرب الشكوك بوجود ممارسات على هذه الشاكلة لولا أن الله هداني لأقع ضحية غير مكتملة الأركان وليتسنى لي بعدئذٍ تسليط الأضواء الباهرة على هذه البؤرة المعتمة.
فهيئة حماية المستهلك التي على ما يبدو زهدت من العمل في هذا المعترك المظلم، تاركة الجمل بما حمل لقوى السوق تتنازع بينها لنهش لحم المستهلك وفقا لنظرية القوي يأكل الضعيف السائدة، كأنها توحي للحكومة بأن تقوم بإلغائها، إذ هي تكلف ملايين الريالات سنويًّا دون أن يرى المستهلك أيّ تعافٍ في صحته الاستهلاكية، بل هو لايزال مأكولًا ومهضومًا.
كما أن وزارة العمل لا تحرص على تطبيق قراراتها على محلات الهايبر، فعل سبيل المثال لماذا يعمل أجانب في مهنة المحاسبة بعد صدور قرار بحظر عملهم وتعمين هذه المهنة؟ ثم ماذا يضير الوزارة لو أنها أنذرت كل المحلات التي تخالف قراراتها بالإغلاق بأمر قضائي؟ فهذه المحلات تتفنن في اختيار الأسماء الإسلامية كدليل على التقوى والورع بيد أن الممارسة على الأرض خلاف ذلك، وحتى لانظلم أحدا نقول (ربما) تجري هذه الممارسات من خلف صاحب الهايبر العُماني أو المستثمر، وأنها محصورة فقط في المحاسب وإلى المحاسب، فهو يعرف كيف يعيد الأموال التي اقتطعها من المشترى بغير وجه حق ويعيدها لجيبه الواسع والشاسع.
اليوم ربما هناك أكثر من 90% من المستهلكين لا يدقّقون فواتيرهم لحسن ظنهم في المحل، كما أن الفواتير المستخرجة من الآلة لا تُقرأ بالعين المجرّدة لصغر الخط بداية ولاستخدام (أكواد) للبضائع التي لا يمكن التعرف على مرادفاتها باللغة العربية.
فالكثير من أعمال وتجارة التجزئة في البلاد تكاد القيمة المضافة لها تكون صفرا على الشمال، بل تسرح هذه التجارة وتمرح عبثا في الأسواق بلا رقيب ولا حسيب، فلا التزام بالتعمين واجب الاتباع والتنفيذ، ولا التزام بالنزاهة والشفافية، ولا واجبة الاحتكام إليها أخلاقيًّا ودينيًّا، بل ويل للمطففين كما نعلم حاضرة أبدًا ودومًا.
فاليوم نحن أمام معضلة كبيرة بعد أن نخرت دابة الأرض منسأة هذه المحلات الأجنبية، بعضها تحت غطاء الاستثمار الأجنبي الوهمي في هذه المهن التي يمكن أن يزاولها المواطن ولا تحتاج إلى شهادات في الإبداع التجاري.
من جانب آخر، على المستهلكين أصحاب النوايا الطيبة والظن الحسن التخلي عن صفاتهم وخصالهم الحميدة والموروثة أبا عن جد، فلم تعد صالحة في هذا الحقل الموبوء، بل عليهم التأكد من كل صغيرة وكبيرة، وإلا فإن الندم بعدها لن يجدي.
ففي قضية حدثت ووقعت منذ سنوات خلت في أحد البنوك كان المحاسب الأجنبي بالطبع يقتطع من كل حساب عشرَ بيسات أو خمسين بيسة فقط لا غير، هو مبلغ صغير ولا يُذكر ولا يتم الانتباه له أصلا، وبعد الشك ثم الضبط وجدوا أن البيسات التي يقتطعها أمست ملايين الريالات، فما بالنا بمحلات الهايبر ماركت التي تفعل الشيء نفسه على مدار الساعة، فعندما يزيد المحاسب مائة بيسة على كل مستهلك، قد تكون هذه المبالغ فلسفة متعمّدة أيضا من بعض اللوبيات لتعويض بعض النفقات التي يتعين الوفاء بها للحكومة كالضرائب وفواتير الخدمات العامة، كما على المستهلكين الانتباه عند تعبئة سياراتهم بالوقود أيضا، فقد يحصلون على وقود أقل مقابل مبلغ دفعوه لمقدار أكبر.
نأمل من الجهات المختصة أن تضاعف رقابتها على محلات التجزئة من كافة الجوانب، وأن تضفي المزيد من الحماية للمستهلكين وسنّ القوانين الصارمة بعقوباتها الحاسمة ووضع اللوائح والضوابط التي تمنع هذه المخالفات المؤسفة بنحو نهائي.
علي بن راشد المطاعني