بدأت تتضح للعيان معالم ساحة سارية العلم بالخوير منطقة الوزارات، بارتفاع 126 مترًا، وبقطر أساسي يبلغ 2800 ملم. صُمِّمت السارية وتوابعها من مساحات خضراء وممرات للمشي ودروب للدراجات، لتغدو – بما تضمه في ثناياها – أيقونةً جماليةً وسياحيةً وحضاريةً، تحمل في طيَّاتها العديد من المعاني والدلالات الوطنية المبهرة.
بدايةً.. أنْ يشمخ علم عُمان بألوانه ذات الدلالات والمعاني المعروفة، وأن يطل علينا من ذلك الارتفاع الشاهق، ففي هذه النقطة تحديدًا معنى يستحق التأمل فيه مليًّا، للكبار وللصغار وللأجيال القادمة أيضًا؛ فوجوده عاليًا شامخًا يؤكد أنه الأعلى والأعز، وأنه سيبقى كذلك يرفرف في الأعالي، وأن مكانه الطبيعي هو علوٌّ كهذا، ثم وبما إننا نعيش في عصر فيه قوى شريرة ما برحت تستهدف العرب في صميم رموزهم الوطنية، وفي إطار مخططات تسعى إلى تجريد الشباب من الروح الوطنية ومن استلهام تاريخهم وبخس أمجادهم الغابرة وتاريخهم المترع بالبطولات والأمجاد.
العلم يمثل كل تلك الرمزيات المضادة العالية الدلالات والمعاني؛ لذلك كان لا بد أن يطل علينا على مدار الساعة من ذلك العلو الشاهق، مذكرًا إيانا بقدسية الذود عنه بالمُهَج والأرواح، وهذا هو المعنى الأحق بالتذكير به في إطار هذا المشروع الحضاري الجميل.
كما أن المشروع، بما يضمه من أبعاد سياحية، سيغدو قادرًا على أن يكون وجهة سياحية مميزة بوسط العاصمة مسقط، ورسالة إلى العالم أن هذا المعنى وهذا الرمز يتكئ أصلًا على إرث حضاري ضارب بجذوره في أعماق القِدَم والأصالة والحضارة. وما من شك أن الموروثات واللقى الحضارية العُمانية النادرة ستجد لها مكانًا في هذا الصرح ليتم التكامل بين الماضي والحاضر؛ هذا الماضي الذي لا يباع ولا يشترى كما نعرف، وعلى أكتافه يستمد الشعب – أيُّ شعب – أصالته وجدارته للتحدث بأي لغة يشاء ما بقي يملك الرصيد الكافي والجذور الممتدة في باطن الأرض التي تُمكِّنه من استنشاق الهواء الأنقى من الأعالي تمامًا كما يفعل العلم وهو يُحيِّينا من ذلك العلو، وبذلك فإن حصص التربية الوطنية في مدارسنا ستغدو سهلة الاستيعاب للأبناء انطلاقًا من رمزية وجود العلم في هذا الارتفاع الشاهق.
إذن فسارية العلم تُشكِّل بداية لإنشاء سَوَارٍ مماثلة، وبذات الارتفاع الشاهق في كل المحافظات والولايات، وبذلك فإن المعاني والدلالات التي يتكئ عليها المشروع ستنداح تلقائيًّا إلى باقي الولايات، لتصل إلى شبابنا في كل بقعة من بقاع الوطن العزيز؛ الأمر الذي يدعو إلى المضي قدمًا في ترسيخ مثل هذه المعالم والرموز الوطنية؛ لمواجهة التحديات الفكرية التي بدأت تفتك بعقول أبنائنا.
لا شك أن فكرة سارية العلم رائعة تُحسَب لمحافظة وبلدية مسقط وشركة جندال شديد التي موَّلت السارية لتكون معلمًا ورمزًا من رموز هذا الوطن، تُعمِّق المعاني الوطنية والولاء لهذا الوطن المعطاء والعزيز على قلوبنا جميعًا.
وبما أن للعلم قيمة وطنية كبيرة، مثلما أشرنا، وبما أن هذه القيمة والقيم التي تكتنز في ألوانه يتعين أن تترسخ في أذهان الأجيال، وبما أن التلاميذ في مدارسنا يؤدون صباح كل يوم جديد تحية العلم ويقدمون الاحترام له إذ هو يرفرف في ساريته التي تتوسط فناء المدارس؛ فقد آن الأوان لربط ساريات المدارس بالسارية الجديدة الأعلى في الخوير برباط روحي لا يُرى بالعين المجردة، بل نراه بالإحساس، وليدرك الأبناء وعلى نحو عملي أنَّ العلم مكانه الطبيعي أعلى القمم وشاهقات الجبال وفي سويداء القلوب أيضًا.
فالعلم العُماني بألوانه الثلاثة، يتوسطه الخنجر رمز الشجاعة والإقدام والجسارة لدى العُمانيين، فيما يشير اللون الأبيض ويدل ويؤكد أن السلام وتحقيقه والسعي إليه هو منهاج حياة وسعي محمود لتحقيقه وتنزيله على الأرض؛ لتنعم كل شعوب الدنيا بثماره اليانعة الحلوة الطعم والمذاق، وهو النهج الذي تنتهجه السلطنة في علاقاتها الثنائية مع كل دول العالم.
وأما اللون الأحمر فيرمز ويشير إلى الكفاح المر والمُضرَّج بالدماء القانية الذي بذلته الجيوش العُمانية وهي تخوض حروبها المقدسة الدامية الممتدة فيما خلف البحار دفاعًا عن الإمبراطورية العُمانية الأقدم والأعرق في المنطقة.
أما الأخضر فيرمز إلى الزراعة والخصوبة والنماء؛ فعُمان يومَ ابتكر العُماني القديم نظام الأفلاج المبهر الذي يعد معجزة في مجال الري حتى الآن، كانت الزراعة المتكأ الذي قام عليه اقتصادها القديم، ولا يزال هذا النهج متبعًا حتى الآن؛ فالزراعة هي الحياة والنماء لكل البشر.
ويعد العلم العُماني الوحيد في الجزيرة العربية الذي يمزج الألوان الثلاثة الأبيض والأحمر والأخضر.
وفي الإطار العام، وكما نعرف، فإن ما تجسده السارية الشاهقة يرمز إلى سيادة الدولة واستقلاليتها وإلى العزة والكرامة والشموخ، كما أنه يشير إلى الدولة، بل هو الناطق البليغ باسمها في كل المحافل والمناسبات الرسمية والوطنية والرياضية والاجتماعية، ورأينا كيف يتوشَّح به أبطالنا الذين يحققون الإنجازات الرياضية كدليل على أنه الوطن الجمال.
كما أن له مكانًا عليًّا في المناسبات الوطنية؛ إذ نجده عاليًا خفاقًا في ساريات منازل المواطنين، وبحجم مصغر في المركبات والاجتماعات الرسمية أو الشعبية ووفق مساحاته المختلفة، وبحسب متطلبات الحال؛ كل ذلك يدل على الاعتزاز برمز وطنهم الأغلى والأعلى.
نأمل في مطلق الأحوال أن نرى الساريات على شاكلة سارية الخوير في الساحات الكبيرة في الولايات، وَلْتتكامل المعاني والدلالات لِتَعُمَّ كل أرجاء الوطن العزيز، ولترتفع بذلك معاني ومضامين الوطنية في نفوس شبابنا كسياج متين وأمين أمام الرياح العاتيات التي تحملها وسائل التواصل الاجتماعي، التي تستهدف انتزاع معنى الوطن ومعنى العلم من صدور الأبناء.
علي بن راشد المطاعني