أنعم الله سبحانه وتعالى على بلادنا الحبيبة بالثراء البيئي والتنوع الكبير في المقومات الطبيعية التي قلما تتوافر في بلد واحد فهي تحتوي على جميع أنواع البيئات سواء الصحراوية أو الساحلية أو الزراعية أو الصناعية كما نجد تنوعا أحيائيا عظيما من النباتات والحيوانات النادرة التي حرصت على الحفاظ عليها وحمايتها قدر الإمكان من الانقراض.. حيث أدركت قيادتنا الحكيمة أهمية الحفاظ على البيئة والتنوع الأحيائي لها وصونها من التلوث وتأمين الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية حتى يتم وصولها للأجيال القادمة وهي نظيفة وسليمة فانتهجت سياسة حماية المحيط البيئي من التلوث وتنمية مواردها وجعلتها ركنا أساسيا من أركان التنمية التي تحقق الرفاهية والتقدم لأبنائها والضمان الحقيقي لاستمرار مسيرة البناء والتطور لما لذلك من تأثير إيجابي على صحة الإنسان والبلاد.. كما حرصت حكومتنا الرشيدة على إقامة العديد من المحميات الطبيعية كي تحافظ على التنوع الإلهي البديع الذي حبانا به الله من الاندثار ولقد تم إدراج عدد كبير منها ضمن قائمة الاتحاد الدولي لصون الطبيعة مثل محميات المها العربية بجدة الحراسيس ومحمية السلاحف برأس الحد ومحمية جزر الديمانيات والقرم الطبيعية ووادي السرين لإعادة توطين الوعل العربي ومناطق الخيران ومحمية جبل سمحان إلى جانب تسع محميات في أخوار ساحل ظفار وغيرها.
ومن الجهود العظيمة مؤخرا في مجال صون كنوزنا الطبيعية والحفاظ عليها من الاندثار كما صرح المسئولون هو إنشاء بنك الجينات لحفظ الأصول الوراثية للحيوانات البرية خاصة تلك المعرضة للاندثار بالتجميد خارج موقعها الأصلي، حيث يركز المشروع على حفظ عينات من الأصول الوراثية لأنواع مختلفة من الحيوانات البرية الموجودة في سلطنة عمان، وتشمل هذه العينات الدم والشعر والأنسجة وكذلك حفظ المادة الوراثية “الحمض النووي DNA” لضمان استدامة التنوع الأحيائي لهذه الأنواع من الحيوانات البرية خاصة المعرّضة والمهددة بالانقراض والنادرة أيضا.
لاشك أن إنشاء بنك الجينات الذي يحفظ السمات الوراثية المميزة لسلالات الحيوانات البرية لمنعها من الانقراض دليل على النوايا الصادقة التي تسعى من خلالها الحكومة لصون مفردات البيئة والحفاظ عليها من التدهور بسبب ما يقوم به الإنسان من عبث بمقدراتها ورعي جائروحوادث دهس إلى جانب التغير المناخي الذي يشهد تزايدا مستمرا مما أخل بالتوازن الإلهي للطبيعة وجعلها تغضب وتنذره بالكارثة تلو الأخرى عسى أن يرتدع ويحافظ عليها.
إن اهتمام السلطنة بالحفاظ على البيئة والحد من التلوث ومجهوداتها في هذا المجال كثيرة ومتعددة وينبع من إيمانها العميق بأن الاهتمام بالبيئة هو اهتمام بالإنسان نفسه كما أنه إرث يجب أن نوصله للأجيال القادمة وهو في أفضل حالاته واعتباره خطوة هامة نحو الوصول للمستقبل الآمن والتنمية المستدامة المنشودة والقاطرة التي تدفعنا نحو التقدم والنهضة.
كل التوفيق للقائمين على مشروع بنك الجينات في هيئة البيئة ومركز “موارد” التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار وشؤون البلاط السلطاني وجامعة الشرقية.. وكل من بذل مجهودا من أجل إنجاح هذا المشروع الوطني الهام الذي يحافظ على تراثنا وكنوزنا ومواردنا الطبيعية ويضمن استدامتها.
“كوب 29” .. وخيبة الأمل
كلما انعقد مؤتمر دولي حول المناخ يملأ الأمل نفوسنا جميعا بأن تفيق الدول الصناعية الكبرى من غيبوبتها وتسعى للتوصل لحل يحد من الاحتباس الحراري الذي استشرت آثاره السلبية وظهرت على العالم أجمع.
ومؤخرا أسدل مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب 29” الستار على فعالياته في باكو عاصمة أذربيجان بعد أسبوعين من المفاوضات المضنية التي للأسف لم تخرج بالنتائج المرجوة.. حيث أصيبت الدول النامية بخيبة أمل بعد أن تعهدت الدول المتقدمة بتمويل الدول الفقيرة المهددة بتغير المناخ بمبلغ 300 مليار دولار سنويا حتى عام 2035 في الوقت الذي كانت تطالب فيه الأخيرة بتريليون.. ولكن في رأيي الأكثر خذلا هو عدم إلزام الدول الصناعية الكبرى بوقف النشاط الكربوني الجائر الذي يزيد المناخ احترارا ويثير غضب الطبيعة يوما بعد يوم.. فما فائدة معالجة الآثار الناتجة عن التغير المناخي إذا لم نعالج السبب الذي يؤدي إليه.. فنحن هنا كمن يتناول المسكن لعدم الشعور بالعرض دون معالجة أسباب المرض.. فتحفيز الدول النامية على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والاستثمار في المشاريع الصديقة للبيئة ليس كافيا لأن هذه الدول لا تشكل انبعاثاتها السبب الرئيس للاحتباس الحراري بل الدول الصناعية الكبرى وعلى رأسها مجموعة العشرين هي من يجب أن توقف أنشطتها الملوثة للبيئة وتتخلى عن أطماعها في تحقيق المكاسب الكبيرة وتتحول سريعا للطاقة النظيفة وتبني خطط مناخية وطنية تعمل على خفض درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة كما ينادي المتخصصون عسى أن يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
إن الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض يحتاج إلى أن تتعاون الدول فيما بينها خاصة الغنية والمتطورة للمساهمة في حل هذه المشكلة وتقديم المساعدات اللازمة لإتمام المشروع.. فالمسئولية مشتركة ودوران عجلة الصناعة لا يجب أن يكون على حساب الأرض والبيئة وأرواح البشر.. وقد آن الأوان للوقوف والتفكير في صنع مستقبل آمن ومشرق للأجيال القادمة فما نصنعه اليوم يدفع ثمنه أبناؤنا في المستقبل.
إن البشرية ليست بحاجة لمزيد من القمم والمؤتمرات بقدر ما هي في حاجة لاتخاذ خطوات فعلية على الأرض.. فالأمر في النهاية يتعلق بأخلاقيات الدول والتزامها بما يقلل من أثار التغيرات المناخية وتوجيه جزء من إنتاجها لمعالجة هذه الآثار.. فمن حق أجيال المستقبل أن ينعموا ببيئة نظيفة آمنة بعيدا عن تهديدات الكوارث الناتجة عن الاحتباس الحراري.
ناصر بن سالم اليحمدي